بروتوكول أمني في البحر ما وراء تخلص ناشطي أسطول الصمود من هواتفهم
١١٤ مشاهدة
اقتربت سفينة حربية إسرائيلية صباح اليوم الأربعاء مسافة خمس أقدام من سفينة ألما قائدة أسطول الصمود العالمي وشوشت جميع أنظمة الاتصالات في عدد من سفنه متسببة في تعطيل محرك إحداها قبل أن تغادر ويستأنف الأسطول مساره نحو شواطئ قطاع غزة في غضون ذلك ألقى معظم النشطاء على متن ألما هواتفهم في مياه البحر إنفاذا للبروتوكول الأمني المعمول به مثل هذه الحالات أما لماذا فعل النشطاء ذلك فيعود السبب إلى مسعاهم لحماية المعلومات الشخصية والبيانات الحساسة من الوقوع في أيدي قوات الاحتلال البروتوكولات الأمنية المعمول بها في حالات كهذه عدة خصوصا في سياقات النشاط المدني أو الإنساني أو السياسي في البحر وحين يتعلق الأمر بأساطيل كسر الحصار أو عمليات الإنقاذ أو غيرها من المهام ذات الطابع الحساس حيث يتضمن البروتوكول المذكور إجراءات أمنية يتبعها النشطاء أو المتطوعون على متن السفن عندما يتوقعون اعتراضا معاديا وفي هذه الحالة إسرائيليا يمكن أن تصادر خلاله معداتهم في محاولة للوصول إلى بياناتهم الإجراءات التي يتضمنها البروتوكول الأمني في البحر تشمل أحيانا إتلاف الهواتف والأجهزة الإلكترونية أو التخلص منها لحماية البيانات والمعلومات الحساسة حيث ترمى الهواتف في البحر أو تدمر ماديا عند التأكد من عدم إمكانية الفكاك من عملية الاعتراض سبب ذلك هو أن الأجهزة قد تحتوي على معلومات حول الممولين أو الداعمين وأخرى حول الشبكات اللوجستية أو مواقع أشخاص أو سفن أخرى فضلا عن أدلة توثق الانتهاكات مثل صور فيديو رسائل وقبل ذلك قد يعمد النشطاء إلى تشفير البيانات الحساسة مسبقا قبل الإبحار لضمان عدم تمكن سلطات الاحتلال من فكها حال مصادرة الهواتف وأحيانا لدى الشعور بالخطر قد يتخلص النشطاء من بطاقات وحدة تعريف المشترك السيم لمنع التتبع وحتى بطاقات الذاكرة للحؤول دون إمكانية الوصول إلى الصور والملفات إلى جانب ما سبق تخوض الطواقم المبحرة على متن السفن تدريبات عدة على كيفية التصرف لحظة الاقتحام وكيفية التخلص من الأجهزة إلى جانب كيفية التعامل مع التحقيق والاعتقال ومواجهتهما وتعد هذه الإجراءات ضرورية لحماية النشطاء الذين قد يتعرضون لردات فعل انتقامية ليس خلال التحقيقات فقط وإنما بعد ترحيلهم أيضا وعودتهم إلى دولهم وعمليا فإنه في سياق البعثات المدنية والإنسانية إلى مناطق محاصرة والتي تشن ضدها حرب مثل غزة وكما هو الحال مع سفينة ألما لا يقتصر التحدي على الوصول إلى المجوعين في القطاع المحاصر منذ عقدين ويعاني سكانه جراء المفاعيل الكارثية للإبادة المتواصلة منذ عامين وإنما يمتد ليشمل حماية المعلومات والبيانات من الوقوع في أيدي سلطات الاحتلال ولهذا السبب يعد البروتوكول الأمني إجراء دراماتيكيا وليس محض تصرف عشوائي فهو جزء من استراتيجية مدروسة تهدف إلى حماية شبكات الدعم والممولين والمتطوعين بالإضافة إلى توثيق المهمة المزج بين الإجراءات الوقائية والتقنية والذي عموما ليس في حالة أسطول الصمود فقط يشمل التشفير المسبق للبيانات والتخزين الآمن على خوادم بعيدة وإزالة أي مواد حساسة من الأجهزة المحمولة قبل الإبحار يعكس وعيا متقدما لدى الناشطين بأهمية أمن المعلومات لا باعتبارها أداة شخصية فحسب بل وسيلة لحماية البنية التحتية الكاملة للحراك المدني الذي يقف وراء المهمة وفي حالة ألما ألقى الناشطون هواتفهم في البحر عند تأكدهم من اقتراب السفينة الحربية الإسرائيلية امتثالا لهذا البروتوكول ورغم أن هذه الإجراءات قد تستخدم لاحقا ضدهم لاتهامهم بـالإخفاء أو التستر فإنها في الواقع تعكس إدراكا حادا لطبيعة المواجهة غير المتكافئة التي يخوضونها حيث لا تقتصر المواجهة على السيطرة البحرية بل تمتد إلى أمن المعلومات وتدرك الجهات المنظمة للأسطول واتساقا مع التهديدات الإسرائيلية الصريحة والمنفلتة التي توعدت حتى بإغراق بعض السفن لو تطلب الأمر ذلك لمنعها بكل الطرق من الوصول إلى غزة حسبما ذكرت أمس الثلاثاء هيئة البث الإسرائيلية كان 11 أن أي اعتراض للبيانات والسيطرة عليها خلال عملية التوقيف أو الاقتحام قد لا تقتصر تداعياته على مصادرة معدات أو توجيه تهم قانونية بل قد تفتح الباب أمام ملاحقات قضائية بحق داعمين أو تؤدي إلى تفكيك شبكات دعم دولية أو حتى تعريض حياة متعاونين مثل محامين للخطر من هنا نشأ ما يعرف بين النشطاء بـالبروتوكول الأمني البحري امتداد لتجارب سابقة ليس البروتوكول جديدا بل يعتبر تطورا طبيعيا لتجارب بحرية سابقة أبرزها أسطول الحرية إلى غزة عام 2010 حين اقتحمت بحرية الاحتلال سفينة مافي مرمرة التركية في عملية دموية أودت بحياة عشرة ناشطين وجرح آخرين وقد ترافقت مع مصادرة تامة لكل أجهزة الركاب والمراسلين والصحافيين وعقب ذلك لم تسترجع غالبية تلك الأجهزة وظهرت بعض المواد المصادرة لاحقا في الإعلام الرسمي ما أدى إلى اتهامات باستخدام مواد خاصة دون إذن أو سياق ومنذ تلك الجريمة بدأ الناشطون باعتماد سياسات تصفير الهوية الرقمية أثناء الرحلات على الجانب التقني يتضمن البروتوكول عدة مستويات من الحماية أولها تشغيل خاصية المحو عن بعد Remote Wipe في الأجهزة والتي يمكن تفعيلها لاحقا إذا صادرت القوات الإسرائيلية الأجهزة وثانيا تخزين البيانات المهمة على خوادم سحابية مشفرة لا يمكن الوصول إليها من دون مصادقة ثنائية وأحيانا ثلاثية وثالثها حذف البيانات الحساسة قبل الإبحار والاكتفاء بهواتف فارغة أو معدة فقط للتواصل التكتيكي ورابعها تدريب الطاقم على تنفيذ هذه الإجراءات خلال دقائق في حالة الطوارئ ومن ضمنها إلقاء الأجهزة أو كسرها ماديا وخامسها التشفير الكامل للأقراص بحيث لا يمكن لأي جهة الوصول إلى المحتوى دون معرفة كلمة السر لكن الأهم من التقنية هو الفهم الأخلاقي والاستراتيجي الكامن خلف هذه الممارسة فالنشطاء لا يحمون أنفسهم فقط بل يحمون شركاء غير ظاهرين في الصور ولا يكونون على متن السفن مثل الممولين أو المتعاونين المحليين وحتى مستلمين محتملين للمساعدات وأي تسريب أو حصول على البيانات قد يؤدي إلى حملات اعتقال أو تصفية أو تجفيف منابع الدعم وفي السياق البحري عموما تظهر البيئة القانونية كعامل بالغ التعقيد إذ تسمح القوانين الدولية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCLOS بهوامش فضفاضة في التفسير والتنفيذ خصوصا في ما يتعلق بالاختصاص القضائي في أعالي البحار أو المياه الإقليمية إذ إن ما سبق يمنح بعض الدول مجالا واسعا لاتخاذ إجراءات ضد النشطاء تحت ذرائع أمنية حتى في الحالات التي لا تنطوي بالضرورة على تهديد مباشر ونتيجة لذلك أصبح تأمين البيانات الرقمية على متن السفن المدنية أولوية لا تقل أهمية عن حماية الأرواح فضلا عما سبق فإنه مع تطور وسائل الرصد والتجسس لم تعد السلطات بحاجة لمصادرة الأجهزة للوصول إلى المعلومات ففي بعض الحالات تزرع برمجيات مراقبة على بعد أميال أو تتعقب إشارات الاتصالات الفضائية ما يدفع الناشطين إلى استخدام أجهزة مؤقتة أو شبكات اتصالات مشفرة بالكامل كما حصل في بعض سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية في المتوسط خلال موجات الهجرة ورغم أهمية هذا البروتوكول ودوره في حماية الناشطين إلا أنه غالبا ما يستخدم ضدهم من السلطات لتبرير حملات تشويه أو اتهامهم بإخفاء أدلة فغياب الهواتف يطرح كدليل على نية التستر وليس كإجراء دفاعي مشروع ما يفتح أسئلة حقوقية واسعة حول الحق في حماية المعلومات في وجه سلطة تملك التفوق العسكري والقانوني وفي ضوء ذلك يعد ما فعله ناشطو سفينة ألما حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الاشتباكات غير المتكافئة بين المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطيني وبين سلطات الاحتلال الإسرائيلي وهي معركة تخاض بأدوات غير تقليدية تبدأ من فوق في الأقمار الاصطناعية ولا تنتهي حتى برمي الهواتف في عمق البحر