ألمانيا تشدد وانقسام حيال مستقبل السوريين في طريق فرملة اليمين
٢٠ مشاهدة
تسعى ألمانيا بقيادة المستشار المحافظ فريدريش ميرز إلى كبح نفوذ حزب البديل من أجل ألمانيا AfD عبر تبني سياسة هجرة متشددة لكن تصريحا عفويا أدلى به وزير الخارجية يوهان فادفول خلال زيارة إلى سورية في مطلع نوفمبر تشرين الثاني الحالي قلب هذه الجهود رأسا على عقب وفتح جبهة جديدة داخل الائتلاف الحاكم نفسه في إحدى ضواحي دمشق المدمرة قال فادفول متأثرا بمشاهد الخراب لم أر دمارا كهذا من قبل ولم أكن لأتخيله أيضا لا يكاد يوجد هنا من يستطيع أن يعيش حياة كريمة الوضع أسوأ مما كان عليه في ألمانيا عام 1945 كلمات الوزير لم تمر مرور الكرام فقد أشعلت جدلا داخل صفوف الاتحاد الديمقراطي المسيحي وشقيقه البافاري الاتحاد الاجتماعي المسيحي وأظهرت انقساما بين جناحين أحدهما يطالب بسياسة إنسانية واقعية وآخر يرى أن أي تليين في ملف الهجرة سيصب مباشرة في مصلحة حزب البديل اليميني المتطرف ميرز يحاول احتواء الأزمة سارع المستشار ميرز الذي يسعى لتصوير نفسه متصلبا بشأن الهجرة وتصوير حكومته حارسة لبوابة أوروبا إلى تدارك الموقف قائلا في مؤتمر صحافي بولاية شليسفيغ هولشتاين انتهت الحرب الأهلية في سورية ولا يوجد أي مبرر لاستمرار اللجوء يمكننا البدء في إعادتهم وأضاف مؤكدا وعده الانتخابي بـتغيير جذري في سياسة اللجوء داعيا السوريين إلى العودة الطوعية للمساهمة في إعادة إعمار وطنهم ومشددا بالقول ومن يرفض يمكن بالطبع طرده لكن الضرر السياسي كان قد وقع بالفعل إذ بدت كلمات فادفول كصفعة لاستراتيجية ميرز الصارمة وأظهرت هشاشة التماسك داخل الحكومة التي تراهن على خطاب التشدد لتقليص صعود اليمين الشعبوي حقائق معقدة على الأرض رغم الخطاب السياسي المتشدد تكشف الأرقام أن ملف اللاجئين السوريين في ألمانيا أعقد بكثير من الشعارات الانتخابية فمن بين نحو مليون سوري يعيشون في البلاد يطلب من أقل من ألف شخص فقط مغادرة الأراضي الألمانية معظمهم من أصحاب السوابق في المقابل حصل 200 ألف سوري على الجنسية الألمانية ونحو 700 ألف يتمتعون بوضع الحماية القانونية بينما يعيش عشرة آلاف بإقامات مؤقتة كما يعمل حوالي سبعة آلاف سوري ة في القطاع الصحي بينهم أطباء وممرضون في مناطق ريفية تعاني نقص الكوادر مغادرتهم ستشكل ضربة مباشرة للنظام الصحي الألماني الذي يواجه أزمة موارد بشرية متفاقمة كما تعاني منها بعض أنحاء أوروبا الأخرى أما على المستوى القانوني فقد رفع 170 ألف سوري دعاوى قضائية للبقاء في ألمانيا ما يجعل تنفيذ قرارات الترحيل شبه مستحيل في المدى المنظور البعد الإنساني والسياسي حاول فادفول لاحقا الدفاع عن نفسه بالقول إن زيارته الميدانية كشفت له أن الحديث عن العودة لا يمكن أن يتجاهل الواقع الإنساني هناك وأشار إلى أن كثيرا من السوريين مندمجون اجتماعيا ولديهم أطفال يتحدثون الألمانية ويعيشون كجزء من المجتمع لكن داخل الحكومة فسرت كلماته كـتراجع غير محسوب في لحظة سياسية حرجة خصوصا بعدما أظهرت استطلاعات الرأي ارتفاع تأييد حزب البديل إلى 26 أي بزيادة ست نقاط منذ وصول ميرز إلى السلطة قبل ستة أشهر البديل السوريون ضيوف مؤقتون في وطن لا يريدهم ومنذ صعوده عام 2015 بنى حزب البديل من أجل ألمانيا AfD جزءا كبيرا من شعبيته على رفض اللجوء السوري وبينما ترى الأحزاب التقليدية استقبال اللاجئين واجبا إنسانيا يعتبر الحزب أن تلك السياسة كانت الخطأ الأكبر في تاريخ ألمانيا الحديث بحسب زعيمته أليس فايدل في أدبيات الحزب يعد السوريون ضيوفا مؤقتين ينبغي أن يعودوا فور زوال أسباب اللجوء وتبنى الحزب في وثيقته الأخيرة مبدأ إعادة الهجرة الكبرى الذي يدعو إلى ترحيل المهاجرين غير الأوروبيين إلى بلدانهم الأصلية عبر اتفاقات مباشرة مع حكوماتهم وقال الرئيس المشارك للحزب تينو شروبالا إن على الحكومة وقف المساعدات عن اللاجئين الرافضين للعودة فيما ذهبت فايدل أبعد من ذلك بقولها إن سورية اليوم أكثر أمنا من بعض المدن الألمانية في عطلة نهاية الأسبوع ورغم الجدل الذي تثيره هذه التصريحات فإنها تلقى صدى متزايدا لدى فئات من الناخبين القلقين من موجات الهجرة خصوصا في الولايات الشرقية حيث تتجاوز شعبية الحزب 35 معركة الهوية في ألمانيا يربط حزب البديل بين اللجوء والأمن والجريمة وتدهور النظام الاجتماعي مستندا إلى حوادث فردية لتغذية سرديته عن فشل الدولة في السيطرة على حدودها ويرى أن الهوية الثقافية الألمانية مهددة بالانحلال بسبب ما يسميه الهجرة الإسلامية ويقترح حلولا جذرية تشمل إغلاق الحدود وإلغاء حق اللجوء الجماعي واستبداله بمعالجة فردية للحالات الإنسانية القصوى لكن الواقع مختلف فبين نحو مليون سوري يعيشون في ألمانيا يعمل الآلاف في قطاعات حيوية ويساهمون في الاقتصاد المحلي فيما أظهرت دراسات حديثة أن نسبة الاندماج التعليمي والمهني في صفوفهم هي الأعلى بين الجاليات غير الأوروبية سورية اختبار أخلاقي وسياسي مع دعوة ميرز للرئيس السوري أحمد الشرع إلى برلين لمناقشة العودة الطوعية يطرح البعض تساؤلات حول جدوى التعاون مع نظام متهم بانتهاكات حقوقية واسعة وهل يمكن فعلا ضمان عودة آمنة وكريمة في بلد لا يزال يعاني الانقسام والعقوبات ويرفض بعض المحافظين وفي اليمين المتشدد المساومة مع الشرع بشأن العودة إلى ما طرحته الحكومة الألمانية السابقة بمنح السوريين السفر إلى بلدهم لدراسة وبحث إمكانية الانتقال إليه نهائيا باعتبارها سياسة غير فعالة في نهاية المطاف عبرت كلمات فادفول الصريحة بحسب بعض ساسة ألمانيا عن حقيقة تتجنب برلين الاعتراف بها أن سورية لم تصبح بعد بلدا صالحا للعودة وهو ما يمكن أن ينسحب على دول الشمال الأوروبي التي تحاول إعادة بعض السوريين إلى وطنهم أما في ألمانيا فقد أعادت تلك الكلمات فتح نقاش أعمق حول التوازن بين الإنسانية والسياسة بين من يرى في اللاجئين عبئا انتخابيا ومن يراهم امتحانا للقيم الأوروبية ذاتها بالإضافة إلى عامل حاجة البلاد لمواردهم البشرية