ليس زمنا مضى

١٧ مشاهدة
في 22 فبراير شباط 1942 قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية عثر البستاني ومدبرة المنزل على جثتي الكاتب النمساوي ستيفان تسفايغ وزوجته لوت في فراشهما بعد تناولهما جرعة زائدة من الباربيتورات مادة مهدئة ومنومة ترك تسفايغ وراءه رسالة انتحاره ومعها مشاريعه غير المكتملة جاء في الرسالة أن تبدأ كل شيء من جديد بعد الستين يتطلب قوى خاصة وقد نفدت قواي بعد سنوات من الترحال بلا مأوى ولهذا أفضل أن أنهي حياتي في الوقت المناسب واقفا رجلا لطالما كانت سعادته الحقيقية في العمل الثقافي وحريته الشخصية وفي رسالته يكتب أيضا كانت كتبنا أول ما ألقي في النيران لكننا لا نشعر بأي ندم لهذا النفي القسري لقد أصبح ضميرنا أكثر صفاء بعد القطيعة التامة مع من قادوا هذا العالم إلى الكارثة الكبرى كما لم يستطع أن يقطع صلته تماما باللغة الألمانية التي كتب بها بما يمكن اعتباره اعترافا مريرا بأنه لا يمكن للمرء أن ينتزع نفسه من اللغة التي يبدع ويفكر بها بدلا من أن يكونوا معارضة راشدة اختاروا الترويج للخراب انتحر تسفايغ في البرازيل المنفى الذي اختاره لموته وخلافا للاعتقاد السائد لم ينتحر لأنه ظن أن النازية ستنتصر أو لخوفه من امتداد الحرب إلى أميركا لم ينطق بكلمة توحي بأنه يشك بأن النصر النهائي سيكون من نصيب الحلفاء كان مؤمنا بأن الديمقراطيات والحريات لن تهزم رغم تأكده من أن الحرب ستكون طويلة ومدمرة والأهم أنه كان يعتقد أن موجة الكراهية التي شعر بها تكتسح العالم ستترك أثرا لا يمكن علاجه وهو ما ترك أثرا بالغا فيه nbsp ويبدو أننا نحن السوريين الذين اخترنا المنفى طوال الأربع عشرة سنة الماضية أن خيارنا منحنا البراءة من الجرائم المرتكبة في الداخل السوري ولم يضطرنا للصمت أو للمساومة أو للخضوع لقد نجونا من هذا كله بثمن زهيد الخروج من البلد في تلك السنوات كنا مكشوفين ومقيدين ومعرضين للموت كمدا أو انتحارا هناك من مات كمدا وهناك من انتحر فاليأس الذي تسلل إلى النفوس تفاقم مع الوقت مع انسداد أي بارق لبزوغ حل في الأفق ولم يكن من السهل الأعوام التي كانت تمر تباعا بينما كانت الآمال تنهار تباعا كانت أكثر الفترات التي بلغنا فيها الذروة في اليأس تلك التي سبقت سقوط النظام ببضعة أشهر حين طلبت تركيا التفاوض لكن الدكتاتور أبدى وقاحة في الرد بعدم القبول في الوقت نفسه فتحت البلاد العربية ذراعيها لاستقباله ولم تجد أوروبا بأسا في إعادة التواصل معه على الرغم من جرائمه ظهر النظام وكأن شيئا لن ينال منه nbsp كان تسفايغ يستخدم أحيانا عبارة يموت من الحرب على نمط القول يموت من مرض أما نحن في تلك الأوقات فكنا نحس بأننا على وشك أن نموت من الانتظار حسنا لم نمت من الانتظار فقد انتهى وعادت بلادنا لنا لكننا اليوم نكاد نموت من تفشي موجة الكراهية حتى بدا وكأن سنوات الحرب تجددت وكأننا لم نستحق الثورة ولا سقوط النظام ولا هذا الانتصار ماذا عن السوريين الذين استشهدوا هل ذهبت أرواحهم سدى حتى بات يخيل إلينا أن ما يزيد عن نصف قرن لم تعد زمن الرعب وإنما مجرد زمن مضى كغيره بئس السوريون على نسيان ما لا ينسى تحول هذا الذي لم نتجرأ على أن نحلم به إلى حقيقة لكن هناك من انصرف إلى إحداث الانقسام والفوضى بالتشكيك بانتصار كان لسورية وللسوريين جميعا بات ضيق الأفق والمصالح الأنانية تدفعهم لإيذاء شعبهم بالأكاذيب والشائعات بدلا من أن يكونوا معارضة راشدة اختاروا الترويج للخراب هذه الموجة من الكراهية ألا تثقل ضمائرهم عندما تتمحور رغباتهم حول تعمد إفشال تعافي سورية روائي من سورية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم