تاريخ مصر عظيم هذا هو التعبير الأكثر استخداما في وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية والشارع المصري وعلى السوشيال ميديا عقب افتتاح المتحف المصري الكبير هذا التاريخ الكبير للمصريين القدماء ثم التاريخ القبطي والعربي والإسلامي مدعاة فخر لأي مصري فالجذور القوية تبنى عليها شخصية قوية لا شك أنها تساهم في حاضر لا يقل قوة عن الحضارة القديمة في حال التخطيط الجيد لذلك ومشهد جحافل الزوار من الأجانب والعرب والمصريين للمتحف المصري والأهرامات يوم الجمعة الماضي يؤكد أمرين الأول نجاح مصر في ترويج هذا الصرح الأثري العملاق سياحيا واقتصاديا وثقافيا والثاني أن تاريخ المصريين القدماء الذي يطلق عليه اختزالا وخطأ أنه تاريخ فرعوني مليء بالعظمة والإبهار بل والإعجاز أحيانا كما الأهرامات والمومياوات المحنطة إنها حضارة عملاقة تمتد بجذورها لآلاف السنين وهنا أتوقف عند رؤية الجغرافي والمفكر الموسوعي المصري جمال حمدان الذي قال إن الحضارة المصرية القديمة كانت أول حضارة عرفت الكتابة الهيروغليفية ما سمح لها بالانتقال من عصور ما قبل التاريخ إلى مرحلة الدولة ذات التاريخ المكتوب كما يعتبر أن مصر كانت دائما مركز قوة واستراتيجية سواء كانت مستعمرة أو قوة مستقلة نظرا لموقعها الجغرافي الفريد ويؤكد حمدان أن الطبيعة الجغرافية وخاصة النيل هي التي ساعدت في تشكيل الأمة المصرية ووحدتها وتجانسها قبل وجود الدولة ولكن في الوقت نفسه يرى حمدان أن الديكتاتورية هي النقطة السوداء والشوهاء في شخصية مصر بلا استثناء والمؤكد أن مصر المعاصرة لن تتغير جذريا ولن تتطور إلى دولة عصرية وشعب حر إلا حين تدفن الفرعونية السياسية مع آخر بقايا الحضارة الفرعونية الميتة وكان ذلك في كتاب شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان مشاهد استدعاء التاريخ والماضي بهذا الشكل الكبير والمتعمد من السلطة الحالية يجب أن نبحث حولها خاصة أن صناع القرار في مصر حاولوا استثمار هذا الحدث لعدة أسباب أبرزها إظهار الإنجازات الحكومية خلال العقد الأخير ومن هنا أنطلق إلى مشهد مهم احتواه حفل الافتتاح وهو ربط الحضارة القديمة بالحضارة الإسلامية والقبطية ثم الذهاب إلى الحاضر عبر عرض العاصمة الإدارية بوصفها امتدادا حضاريا وفي هذا الإطار أتوقف كثيرا عند بعض التساؤلات هل العاصمة الإدارية تعبر عن حالة الشعب المصري حاليا وتطور الوطن وتواصل الحضارات أم تعبر عن رؤية السلطة في إدارة البلاد تحت لون واحد من الحكم لفترات طويلة وتطلعاتها لبناء مصر الجديدة بمواصفات تحددها السلطة ولا تلتصق بالواقع وفي المقابل هل الحضارة القديمة كانت تعبر عن الملوك أم عن الناس أم عن كليهما أسئلة صعبة وتحتاج إلى دراسة متعمقة في تاريخنا الجميل والعظيم وحاضرنا المرتبك ربما العاطفة تجعلني أعلنها صريحة أحيانا بأن مصر أعظم دولة في العالم من وجهة نظري المحبة للوطن ولكن بعيدا عن التاريخ العظيم بحلوه ومره فإن الإجابة عن السؤال المتعلق بالعاصمة الإدارية والمرتبط بالحاضر تجعلني أستعرض عدة محاور لكي تكون الإجابة موضوعية وليست عاطفية فبناء العاصمة الإدارية تكلف مئات مليارات الدولارات بل وتحول اسمها إلى العاصمة الجديدة أي أن القاهرة التاريخية سيتم استبعادها من المشهد لتصبح جزءا من الماضي بعد طرح مباني الوزارات ومنطقة وسط البلد التاريخية للبيع أو الاستثمار لتحل محلها العاصمة الجديدة بقصرها الرئاسي الفخم ومبانيها العملاقة وفيلاتها وشققها الفاخرة التي لا يستطيع المواطن المصري أن يحصل عليها بسهولة خاصة أن نسبة الفقر تطاول أكثر من 60 مليون مصري حسب التقارير الدولية وحوالي 30 مليون مصري حسب الإحصائيات الرسمية المحلية والعاصمة الإدارية لها نمط خاص بالذين يعيشون فيها ومحاطة بسور عال أشبه بالمدينة التي تحدث عنها الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق في قصته يوتوبيا المحاطة بسور عملاق تحت حراسة المارينز ولا يوجد فيها إلا الأثرياء الذين يعيشون بترف فاحش حيث كل شيء مباح ولا توجد قيود أو فقر وفي الخارج سيكون عامة الشعب الذين يعيشون حياة مختلفة من الفقر والبؤس والعشوائية وتسودها الفوضى كل هذا يجعلنا نطرح سؤالا أهم هل استدعاء الماضي البعيد والتاريخ العظيم للمصريين القدماء يستهدف التغطية على فشل الحاضر وغموض المستقبل أم أنه استدعاء من أجل البناء عليه في نظرة سريعة حول الواقع سنجد أن مصر ما زالت دولة كبيرة ولها دور محوري في مختلف القضايا الإقليمية بالمنطقة فلا حل للملفات الشائكة مثل فلسطين والسودان وليبيا مثلا إلا بحضور مصري ولكن هل دور مصر كان قويا وفعالا في الملفات الخارجية بقدر حجمها وقيمتها وتاريخها والأهم من ذلك ماذا عن الشأن الداخلي للبلاد بنظرة سريعة سنجد أن ديون مصر وصلت إلى مستويات قياسية بلغت 161 2 مليار دولار بنهاية يونيو حزيران 2025 وخدمة الديون المجدولة والمستحقة بلغت 38 7 مليار دولار خلال عام واحد فقط أما أسعار السلع فشهدت قفزات هائلة بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الوقود والكهرباء ما أدى إلى تآكل دخول المصريين وشهدت الإيرادات للعديد من مصادر دخل الدولة تناقصا كبيرا كما حدث لقناة السويس التي تأثرت بالاضطرابات والحروب والزراعة التي تأثرت بسد النهضة الإثيوبي إلا أنه في المقابل زادت تحويلات المصريين في الخارج أي أن المصري الذي خرج من الوطن نجح نجاحا مبهرا لم يستطع أن يحققه وهو في مصر حالة ارتباك كبيرة يعيشها المصريون وهم يتمتعون برؤية تاريخهم العظيم وهم يسألون أنفسهم هل ستتحسن أوضاعنا وهل ستتوفر لنا حياة كريمة من مأكل ومشرب وعلاج وتعليم مصر التي توجد على مفترق طرق العالمين القديم والحديث وصاحبة التاريخ العريق والتي لديها شعب يتميز بتجانس كبير رغم الأزمات الكبيرة والنكسات التي مر بها ما زال رافعا رأسه باتت أمام اختبار كبير حول حاضرها بعدما استدعت التاريخ العريق في وقت عصيب