طه عبد الرحمن امتحان الإرادة الأخلاقية من وجهة نظر الفيلسوف
١٠ مشاهدات
يضع المفكر المغربي طه عبد الرحمن القارئ منذ السطور الأولى لكتابه الجديد الفيلسوف ابن ساعته منشورات مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني 2025 أمام سؤال وجودي ملح كيف يمكن للفلسفة أن تبقى وفية لجوهرها في عالم يتسارع فيه تفكك القيم وانحسار الحقيقة يقدم الكتاب خلاصة فكرية كثيفة لرحلة طه الممتدة على مدى عقود وهو في سنه المتقدمة الثمانين يكتب شهادة فكرية تعبر عن قلق الفيلسوف في مواجهة زمنه ينطلق المؤلف من فكرة مركزية تشكل مفتاح الكتاب الفيلسوف لا يقاس بعدد المفاهيم التي يبتكرها وإنما بقدرته على المرابطة في ثغور العصر أي في تلك النقاط الحساسة التي تتقاطع فيها المعرفة بالأخلاق والسياسة بالإنسانية والفكر بالفعل تكشف الأحداث السياسية عن عمق الأزمة الأخلاقية العالمية من هذا المنطلق يتتبع الكتاب علاقة الفلسفة بالواقع في زمن تهاوي المعايير واضمحلال التمييز بين الحقيقة والزيف مستعيدا مفهوم الرباط الفلسفي بوصفه شكلا من أشكال الشهادة الفكرية يفتتح طه عمله بتمهيد يجيب فيه عن سؤال عنوانه كيف يكون الفيلسوف ابن ساعته معتبرا أن ارتباط الفيلسوف بزمنه لا يعني خضوعه لتقلبات اللحظة وإنما حضوره الفاعل في أحداثها الكبرى وتحمله لمسؤولية الكلمة في مواجهة ما يسميه الشر المطلق ومن هنا يبتدئ الباب الأول من الكتاب الذي يتناول هذا المفهوم من زوايا معرفية وأخلاقية متعددة باحثا في أسبابه الخفية وآثاره البعيدة ومحللا تحولات القيم في سياق ما بعد الحقيقة وما بعد الصدق حيث تغدو السياسة مجالا لتطبيع الكذب وتبرير الزيف في هذا السياق يخصص المفكر المغربي فصولا لتحليل العلاقة بين الشر المطلق والإرادة الأخلاقية متسائلا عن موقع الفيلسوف في عالم يختبر فيه معنى المسؤولية ومقترحا مفهوم الإرادة الإسلامية التي تعيد وصل الأخلاق بالفعل العملي وتستعيد للأمة طاقتها الروحية في وجه الانهيار القيمي ويتوسع في بحث أثر الفلسفة على المجال العام من خلال فصول تناقش اتصال السياسة بالأخلاق والنظرية الاجتماعية محاولا إقامة وحدة بين التفكير الإتيقي والفكر العملي وإعادة تعريف مفهوم القيمة بوصفها رابطا بين النظر والعمل أما في الباب الثالث فيعود طه إلى ما يسميه فخر أصالة الفلسفة الإسلامية مؤكدا أن التفكير الفلسفي لا يكتمل إلا إذا تأسس على التفكر أي على حضور البعد الروحي في ممارسة العقل ويطرح في هذا الإطار تمييزا دقيقا بين التفكر والتفكير موضحا أن الأول فعل وجودي يستمد معناه من الإشهاد الإلهي بينما الثاني حركة ذهنية مجردة قد تنفصل عن الأصل القيمي للفكر ويستند في هذا التحليل إلى نصوص قرآنية وتأويلات لابن تيمية لبيان الصلة بين الفطرة والمعرفة والعقل وكيف تحفظ الإنسانية بقدر ما تحفظ الفطرة يتضمن الكتاب أيضا بابا بعنوان حوارات فكرية يتناول فيه طه قضايا الساعة بما فيها ما يسميه حقائق عن طوفان الأقصى مبرزا كيف تكشف الأحداث السياسية عن عمق الأزمة الأخلاقية العالمية وعن الحاجة إلى تجديد المفاهيم الفلسفية حول الحقيقة والعدالة ويستعرض في فصول لاحقة مراحل من سيرته الفكرية ومعالم في منهجيته التي تقوم على الإبداع والإيمان محددا ما يعتبره شروط التفلسف الصادق الأمانة الإتقان والإحياء nbsp يقدم طه عبد الرحمن في هذا العمل قراءة نقدية للواقع السياسي والثقافي الراهن من موقع الفيلسوف الذي يرى في الفكر مسؤولية ومن خلال مفهوم فلسفة الثغر يدعو إلى أن يكون الفيلسوف في مواجهة الخطر الإنساني مرابطا دفاعا عن القيم محاورا للحداثة من موقع المشاركة لا التبعية ومجددا صلته بالتراث من داخل تجربته الحية