يوم الحساب في فن النهضة من ميكيلانجلو إلى جيروم بوش

٩ مشاهدات
في عالم صارت فيه الحياة أرخص من رصاصة والموت أهون عند الرأي العام من شوكة إبرة وفي ظل إبادة علنية شهدتها غزة ومع أسئلة كثيرة عن جبروت القاتل وضعف القتيل تصبح المواضيع التي تدور حول الموت جديرة بالنبش فيها حيث قد يصل الأمر إلى أن يستلهم القتل أحيانا شرعيته من الدين وتدق طبول الحرب إيقاعاتها المهووسة مستعجلة علامات الساعة حسب بعض المعتقدات ذلك النبش سيكون ذا دلالة خاصة إذا تطرق لأم الأهوال في مختلف الآداب والفنون القيامة ويوم الحساب والعقاب مع التركيز على الفنون التشكيلية في القرنين 15 و16 بأوروبا غالبا ما ينظر لعصر النهضة باعتباره مرحلة مفصلية بين العصور الوسطى والعصر الحديث في أوروبا مرحلة تتسم بمعالم واضحة أبرزها الفكر الإنسي ثم الإيمان بضرورة العودة إلى مقومات التراث الفني الإغريقي الروماني بهدف أخذ مسافة بينة مع العصر القوطي ثالث وآخر حلقات القرون الوسطى مع التذكير بأن فن النهضة بهذا المفهوم التقدمي والتحرري يقتصر على إيطاليا هكذا نجد مثلا أوجه اختلاف عميقة وجذرية في طريقة التعامل مع الأغراض الدينية في تلك المرحلة بين الفنانين الإيطاليين والفنانين الفلمنكيين نسبة إلى منطقة فلاندرز بشمال بلجيكا حاليا خصوصا عند معالجة موضوع يوم الحساب nbsp في لوحته الجدارية الضخمة الحساب الأخير التي أنجزها ما بين 1536 و1541 بكنيسة سيستينيا بالفاتيكان تعامل ميكيلانجلو مع الموضوع معتمدا وسائل تعبيرية لا تزج بالمتلقي في أغوار الرعب والأهوال رغم استحضار فكرة الحساب هكذا نلاحظ غلبة اللون الأزرق والألوان المنفتحة التي يخترقها النور ما يبقي المتلقي في حالة من التفاؤل والتمسك بالحياة عبر قوة الطبيعة الحية وعلاوة على ذلك فقد مزج الرسام بشكل بديع بين عناصر عقدية مسيحية وأخرى إغريقية إذ يؤخذ الأشقياء إلى الجحيم على متن قارب شارون تماما كما في الأسطورة الإغريقية nbsp يرمز ميكيلأنجلو إلى حسن وسوء العاقبة بحركتين متناقضتين تقسمان اللوحة إلى شطرين فعلى الجانب الأيسر أرواح أو بالأحرى أجساد تتصاعد نحو الأعلى تمد لها يد الخلاص ملائكة النعيم أو أرواح أعلى مرتبة بينما نلاحظ في الجهة اليمنى هبوطا واندحارا نحو الأسفل لأجساد الأشقياء الذين تتلقفهم بعض الشياطين والمردة في قعر اللوحة ليزج بهم بعد ذلك فوق قارب الشؤم nbsp اختلافات عميقة وجذرية في طريقة التعامل مع الأغراض الدينية nbsp من ناحية أخرى فإن الفنان الإيطالي لا يتردد في رسم أجساد جميلة تغري الناظر بلياقتها ورشاقتها وقوة عضلاتها بل إنه لا يتورع عن الإشارة إلى متعة ولذة الأجساد عند أهل الجنة وهنا يجب التنويه إلى أن عدد الأجساد العارية في اللوحة قد استفز الكثيرين مما أدى في آخر المطاف إلى ستر أعضاء الجسد المحرجة بأمر من البابا نفسه nbsp في المقابل قارب البدائيون الفلمنكيون موضوع الجسد من منظور مسيحي تقليدي وفي للروح الكاثوليكية بالقرون الوسطى فالأجساد في لوحاتهم هزيلة ونحيلة وغير مثيرة وإن كانت عارية كليا إلا أن هذا المعطى لا يجعل الفن الفلمنكي أقل جاذبية وعمقا وتنوعا إذ يقدم ذا هانس ميملنغ الألماني النشأة والفلمنكي التوجه عملا هادئا ومتزنا في مقاربته لسؤال الحساب والعقاب من خلال لوحته الثلاثية الشهيرة التي تحمل اسم الحساب الأخير وأتمها سنة 1471 على أرجح تقدير nbsp أما اتجاه جيروم بوش الفلمنكي العبقري والمهووس فتحرر من سطوة الحمرة في رائعته الثلاثية حديقة الملذات الدنيوية التي أنجزت في تسعينيات القرن 15 والتي يسبق فيها السريالية بقرون إلا أنه فضل الحمرة والألوان الداكنة خصوصا في اللوحات اليمنى المخصصة لصورة العقاب والنار في جداريتين ثلاثيتين أخريين الحساب الأخير التي ترجع إلى فترة شبابه وعربة القش التي أبدعها في آخر عمره nbsp وبصفة عامة فإن الأمور عند بوش أشد عنفا وفزعا بدرجات فرسوماته تدل بشكل مباشر على إدانة قاسية ومطلقة للجسد وللذته وفي هذا تمسك راديكالي بالتصورات المسيحية في القرون الوسطى بل إنه لا يتورع عن تعذيب الأجساد في لوحاته معتمدا على تصورات سادية خصوصا عندما يتعلق الأمر بجسد المرأة ومن المثير أيضا أن جيروم بوش لم يشر للجنة قط ولهذا فإنه يتعرض لموضوع اللذة والمتعة من باب الإدانة حصريا إلا أننا نستغرب أكثر لزجه بمتعة الموسيقى في خضم تصوراته الجهنمية حيث تصبح الآلات الموسيقية آلات للتعذيب كما يتبين في اللوحة اليمنى من حديقة الملذات الدنيوية nbsp كاتب ومؤلف موسيقي مغربي

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم