أحيانا تحل فترات يستحسن فيها أن يعترف المثقفون بأن العالم لا يحتاجهم وهم إنما يفرضون آراءهم وأفكارهم عليه ومن الممكن اتهامهم بالغرور والنرجسية من جراء تعقيد أفكار معقدة أصلا والتحصن فيها بجعلها غير قابلة للفهم بينما يصح أن يدعوا العالم يجري من دون تدخل منهم ما دام المطلوب هو السعي إلى فهمه قد تبدو هذه الفكرة خطيرة إذ تلغي دور المثقفين لكنها تدعوهم إلى التروي nbsp تبرز هذه الفكرة بين فترة وأخرى تحت تأثير مثقفين يظنون أن لديهم القدرة على فهم أعمق لما تحتاجه الظروف التي يمر بها العالم أو بلدهم إذا لم نشأ توسيع الدائرة يدعون أنهم مضطرون لتوجيهه كنوع من المبادرة التي يمليها عليهم موقعهم كمثقفين أما الأكثر طموحا فيتكلمون عن بلد يحتاج إلى تصحيح بغية تغيير مساره في الواقع يستحسن التغيير لكن مع مراعاة مقداره والظروف المناسبة ولماذا إذا نظرنا إلى حطام الثورات فلن نشهد إلا حطام أفكار كبدت البشر سلطات غاشمة ودماء وإعدامات وإبادة وإفناء وتهجير ومنافي ومحاكم للإرهاب ماذا لو كان الأمر على غرار أبسط لا يتعدى أكثر من إيجاد فضاء يسمح للبشر بالتطور بطرق طبيعية بعيدا عن وطأة الهيمنة الفكرية لا يزيد عن امتلاك بصيرة تعترف بشجاعة دون وجل بأن العالم على الرغم من تعقيداته يملك القدرة على تصحيح مساره بسلاسة دونما تدخل فكري جائر عندما يطرح بعض المثقفين أنفسهم كقادة فكريين في مواجهة التحديات يعتقدون أن لديهم فهما عميقا لمشكلات العصر وحلولا عقلانية يمكن أن تساهم في بناء عالم أفضل بينما تختبئ في صميم أفكارهم نزعة التسلط يدعمها العنف تحف بها ميليشيات ثورية وعسكريون طموحون حسب المطلوب للقفز على السلطة تختبئ في صميم أفكارهم نزعة التسلط ويدعمها العنف يعتبر المثقفون مرجعية فكرية أو صوتا للوعي الجماعي فيمنحون أنفسهم مسؤولية دفع المجتمع نحو الأفضل ويروجون لأفكارهم كما يقولون بهدف تغيير القيم والمفاهيم السائدة ويعملون على نشر رؤاهم عبر الكتب والمحاضرات ووسائل الإعلام من خلال هذا النشاط يظهر المثقف كمنقذ يسعى لتقديم الحلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع مثل الفقر والتفاوت الطبقي والعدالة لكنهم يستثمرون في الصراعات السياسية وينتهزون فرصة سانحة لإجراء تغيير سريع ولو كان بانقلاب يوفر الوقت الضائع nbsp nbsp هذه الرغبة الجارفة في تصحيح مسار مجتمع او بلد بين ليلة وضحاها تحمل تناقضا جوهريا في حد ذاتها ففي حين أن المثقف يدعو إلى التغيير أو الإصلاح لكنه في الوقت نفسه لا يثق بقدرة البشر وكأنه الوحيد الذي يحتفظ بشيفرة التغيير متجاهلا قدرة الأفراد والجماعات في حال استعدنا أفكار بعض الفلاسفة مثل فريدريك نيتشه أو ميشيل فوكو في النظر إلى المثقف نجد أن المجتمعات لا تحتاج إلى التوجيه من قبل نخبة مفكرة بل إلى مساحة من الحرية الداخلية تسمح لها بالتطور بدلا من مثقفين قد يقعون في فخ تقديرهم المبالغ فيه إلى أنفسهم في النظر إلى بعيد بينما لا يدركون موقع اقدامهم في واقع غائب عنهم بتعقيداته وامكاناته إن المجتمعات على مر العصور أثبتت قدرتها على التكيف والتطور دون الحاجة إلى إملاءات ولا وصاية فكرية مباشرة في بعض الحالات قد تكون التوجيهات الفكرية غير مرتبطة بالواقع المعيش بل مجرد تكرار لنظريات لا تصلح في السياقات الحية وهو ما يحيلنا إلى ما يحدث في سورية هناك سياق حي يجري على الأرض بينما التوجيهات الفكرية التي تتناوله تكرار لتنظيرات لن تضيف اليه شيئا إلا في تشويهه أو تعطيله والتشويش عليه nbsp إن الاعتقاد بأن العالم يمكنه الاعتناء بنفسه لا يعني بالضرورة أن المثقف لا يمكن أن يكون له أدوار إيجابية سواء بالإسهام في تحفيز التفكير النقدي أو تقديم رؤى جديدة حول كيفية التفاعل مع مشكلاته ما يساعد في خلق بيئة من الحوار والبحث المستمر تسمح للمجتمع بأن يجد الحلول الأنسب التي تتماشى مع تطوراته واحتياجاته الخاصة وقدرته على تحديد أولوياته وحل مشكلاته nbsp روائي من سورية