ذا نيويوركر مئة عام تلك اللغة القائمة على المفارقات
٥٤ مشاهدة
بثت منصة نتفليكس أخيرا وثائقيا بعنوان ذا نيويوركر مئة عام الذي يتضح من عنوانه أنه احتفاء بواحدة من أبرز المجلات في العالم ذا نيويوركر التي انطلق عددها الأول في فبراير شباط عام 1925 وما زالت حتى الآن حاضرة محافظة على نبرتها المتعالية الساخرة والمهنية إلى جانب مواضيعها المشوقة مجلة يبدو قراؤها أشبه بـطائفة يجمعهم حس الدعابة والجدية والاختلاف عن متصفحي الجرائد يكشف لنا الوثائقي كواليس احتفال المجلة بنفسها وكتابها وهويتها إذ نتعرف إلى منشئها هارلود روس وزوجته بوصفها مساحة للتعبير عن روح المدينة بصورة ساخرة إضافة إلى الالتزام بالعمل الصحافي الجدي لتجمع بين التقارير الصحافية المعمقة والقصة القصيرة والأهم رسوم الكارتون لعبت ذا نيويوركر دورا محوريا بعد الحرب العالمية الثانية خصوصا بعد إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي في اليابان حينها لم يكن الجمهور الأميركي على معرفة بحجم الدمار الذي شهدته المدينتان ما دفع الصحافي جون هيرسي إلى زيارة هيروشيما وكتابة نص طويل يحمل اسم المدينة يصور فيه الأهوال التي شهدتها صحافيا كان هذا النص الذي أفردت له المجلة حينها كل صفحاتها بداية شكل جديدة من الصحافة القصصية إذ يعتمد الكاتب على السرد القائم على الحقائق لينقل إلى القارئ تجربة لا تقتصر على التقرير بل اختبار الحدث الذي يجسه الصحافي بوصفه شخصا ومراقبا يتفاعل مع ما يحصل حوله يركز الوثائقي على أسلوب عمل الصحافي خصوصا الكتاب الدائمين أولئك الذين لا يعملون وراء المكتب بل يهبطون على الأرض لاكتشاف الظواهر والأحداث سواء كان الأمر يتعلق بحفلة موسيقية أو ضابط نازي في سورية فالمجلة تستهدف مفهوم الكاتب ذي المهارة السردية فهو يختبر بجسده وقلمه الظاهرة التي يبحث فيها هذا النوع يتركنا أمام قصص ذات طابع شخصي تنقل جوانب غير مألوفة للقارئ فالكاتب هو الأساس ولا نتحدث عن الكاتب العادي بل ذاك القادر على الملاحظة والرصد والتفسير والالتزام بمعايير ذا نيويوكر نقصد مثلا نبرة السخرية الدفينة والوقوف على المسافة نفسها من الموضوع نقصد تلك اللغة القائمة على المفارقات واستخدام علامات الترقيم المميزة الكتابة لـذا نيويركر أشبه بدخول عالم مختلف عن الصحافة اليومية التقليدية فكل كلمة تخضع لطبقات من التحرير والتدقيق والتأكد من المعلومات ثم ضبط الأسلوب بما يتناسب مع المجلة تلك التي تستعرض قدرة كتابها على اللعب مع الكلام نتعرف في الوثائقي إلى التغيرات التي طرأت على رئاسة تحرير المجلة واختلاف الصوت الذي تمثله ثم دخولها مرحلة عصرية مع تولي كريستينا براون رئاسة التحرير بين عامي 1992 و1998 إذ حاولت أن تخلق نوعا من التوازن بين الأصالة التي تمثلها المجلة وروح العصر الشعبية وهذا ما يتضح في ظهور المجلة نفسها في عدد من المسلسلات أشهرها ساينفلد مثلا وكأن المجلة جزء من مدينة نيويورك كما هو بناء ذا إيمباير ستيت ما يميز المجلة هو رسوم الكارتون التي تحويها تلك التي لطالما كانت محط جدل خصوصا المبهمة منها ذات المعاني المتعددة رسوم صغيرة مع عبارة واحدة تخفي نكتة أو سخرية يقال إنها تخاطب جمهورا محددا من المثقفين وهذا بالضبط ما رأيناه في إحدى حلقات ساينفلد حين عجزت إيلين بينيس عن فهم أحد الرسوم لتكون الحلقة بأكملها محاولة لتفسير ما نشرته المجلة أسلوب العمل الصحافي في ذا نيويوركر مختلف عن ذاك التقليدي الكاتب الصحافي لا يختبئ وراء الشاشة أو في المكتب بل نراه يتنقل من مكان إلى آخر يكتشف جغرافيات جديدة يرصد الحدث بأم عينه وهذا ربما سبب استمرار ذا نيويوركر حتى يومنا هذا ما زالت المجلة تمتلك القدر نفسه من التأثير والأهم أنها لم تخسر ماليا فهي تقدم وعدا للقارئ بنص مختلف ومميز وعد ما زالت المجلة قادرة على الوفاء به بعد 100 عام