حين انطفأت شرفات اليهود في وادي أبو جميل دار رياض الريس بيروت كتاب ندى عبد الصمد يلي فيلمها يهود لبنان يعود الكتاب والفيلم إلى تاريخ غائب لأقلية اليهود اللبنانيين الذين هاجر معظمهم إلى إسرائيل بقي منهم في لبنان آحاد أصروا على ذلك رغم رحيل الأغلبية العظمى ومعها الهيئة الدينية وبعد أن زالت الكنس ودمرت المقابر آخر من نعرفهم من هؤلاء جوزيف طراب الناقد التشكيلي البارز الذي توفي منذ عهد قريب في بيروت لم تؤد حرب 1948 وقيام إسرائيل على الأرض الفلسطينية إلى تناقص يهود وادي أبو جميل الحي اليهودي في بيروت بل انضاف إليهم يهود آخرون نزحوا إلى بيروت من العراق وسورية وحتى من إيران لم يكونوا في لبنان موضع رصد ومراقبة أو تحت شبهات وشكوك فالدولة اللبنانية لم تكن لهم بالمرصاد بالعكس كان لبعضهم علاقات نافذة بالدوائر الرسمية وكان لهم وجود ضئيل في هذه الدوائر nbsp نهى اليهودية كانت مديرة عامة والخواجة روبين أستاذا جامعيا والقوميسيير بصل ضابطا في الأمن العام بالإضافة إلى موظفين آخرين في الدولة هذا ما سمح لنهى بأن تقيم علاقات مع نافذين وأن تستقبل في بيتها الكثيرين منهم بل أن تستقبل معهم فلسطينيين كذلك كان الأمر مع الخواجة روبين وإذا كان قد ألقي القبض عليهما بتدخل من المخابرات السورية وكشف عن شبكة أو أكثر للتجسس وكان للمخابرات السورية دور في ذلك بل جرت إعدامات فإن أغلب هؤلاء كانوا يخرجون من السجن في صفقات تبادل تجري بعد أن تقوم إسرائيل باعتقال لبنانيين على الحدود تمهيدا لمبادلتهم بجواسيس في السجون اللبنانية في 1982 عاد يهود لبنانيون إلى لبنان بصفتهم جنودا محتلين لكن كتاب عبد الصمد يتناول هذه المسألة في سياق استعراضه حياة اليهود في وادي أبو جميل هذه الحياة يستعيدها الكتاب بتفاصيلها ويومياتها فالمثير في كتاب عبد الصمد بعده عن أسلوب البحث والدراسة واقترابه مما يشبه الحكاية فالكتاب يستحضر أشخاص الوادي واحدا واحدا وواحدة واحدة في ما يكاد يكون قصصا قصيرة بل هو يتعمد أن يكون أدبا أكثر منه بحثا هكذا نعثر على شخصيات وأحداث فريدة سليم العراقي الشيوعي الذي يحمي ماري في تظاهرة للحزب الشيوعي فيكون ذلك أول علاقة تنتهي بالزواج لكن ذلك لا يمنع سليم من المغادرة مع زوجته المسيحية إلى إسرائيل ولن يكون سليم الشيوعي الوحيد في الحزب فهناك موسى الذي لم يطق الحزب وجوده بعد تطور الأحزاب فطرده الأمر الذي انتهى بمغادرته هو الآخر إلى إسرائيل لم تكن شيوعية هؤلاء اليهود دارجة فهم بعيدون عن الأحزاب وإن اقتربوا من حزب فسيكون حزب الكتائب اللبناني هناك أيضا علاقات الحب القليلة التي نشأت بين يهوديات ومسلمين وغير يهود علاقات سرعان ما تبدو بلا أفق إلا في أحيان نادرة نحن نعلم أن نهى الجاسوسة كانت زوجة مسلم سوري توفي مبكرا لكن علاقة أليغرا اليهودية بمروان المسلم دامت سنوات قبل أن تقرر أليغرا الزواج منه زواجا دام سنوات لكنه انتهى ببقائها مع إخوتها في البرازيل وبالطبع لن تنجح علاقات أخرى من النمط ذاته كان معظم هؤلاء اليهود تجارا ميسورين وهو أمر متوقع لكن هذا اليسر لم يكن عاما فقد كان اليهودي أحيانا يستأجر مصراعا واحدا من محل في السوق فيما يكون المصراع الثاني لمستأجر آخر وكان يهود ويهوديات يعملون كوائين وخياطين ومطهرين وكان فقر البعض يؤدي إلى جمع التبرعات لنفقات دفنهم فكان هناك إذن فقراء وأصحاب مهن متواضعة أما المفاجئ فهو وجود قبضايات الوادي اليهود الذين يتصدون لشبان من غير اليهود يصاحبون يهوديات ويلحقون هؤلاء الشبان والصبايا إلى ما بعد حدود الوادي دفاعا عن شرف الجماعة والحي وهناك أيضا طقوس السبت اليهودي التي تضطر عائلة إلى الاعتماد على صبي مسيحي لإضرام النار وإطفائها هاجر اليهود اللبنانيون في معظمهم إلى إسرائيل كان بينهم من ينظم هذه العملية بالاتفاق مع الموساد هناك كلام عن باخرة في عرض البحر تنتظر يوم الأربعاء وصول من يرغب في نقله إلى إسرائيل لكنهم كانوا يهاجرون أيضا إلى الغرب وأميركا اللاتينية لقد هاجروا جميعا تقريبا أما اللافت فهو عودة القليلين إلى الوادي في بلد لم يعد لهم فيه كنيس ولا مقبرة بحيث إن إحداهن دفنت في مقبرة السريان أما القصة اللافتة فهي دفن شقيق ليزا المتوفى في بيروت في مقبرة المسلمين وقراءة الفاتحة على روحه ليزا اليهودية العائدة إلى بيتها في الوادي لتقبض التعويض عنه كما كانت تقول والتي عاشت ـ كما تصفها الكاتبة في تحقيق مباشر عنها ـ في غرفتين مع قططها التي بقيت ترعاها حتى حين غادرت بيتها في الوادي إلى شقة أخرى كان لديها تلفزيون بالأبيض والأسود وراديو قديم وقطط كثيرة تردد أنها كانت جميلة الجميلات وحين توفي أخوها سار في جنازته خمسة أفراد وقرئت الفاتحة على روحه عام 1982 لدى الاحتلال الإسرائيلي عاد يهود لبنانيون من أصل لبناني إلى لبنان لكن هذه المرة بصفتهم جنودا ومحتلين الميجر مايك قصد محمود الذي لم يعرفه وقال له إنه مايك الذي كان يلاعبه في طفولته وإن أباه أبا محمود كان طبيبا شارك في تبرعات جمعت لنفقة دفن والد مايك لكن هناك جنودا عادوا واعتقلوا لبنانيين يعرفونهم أخو محمود المذكور آنفا اعتقل بدلا من أخ آخر اشتبه بأنه شارك في عملية ضد الجيش الإسرائيلي هذا الأخ غاب ولم يعد