احتجاجات في لاتفيا بعد الانسحاب من اتفاقية حماية النساء
٥٢ مشاهدة
تعيش لاتفيا الدولة الصغيرة الواقعة على بحر البلطيق والتي يبلغ عدد سكانها نحو مليوني نسمة وأحد بلدان الاتحاد السوفييتي السابقة واحدة من أكبر موجات الاحتجاج منذ سنوات وذلك عقب قرار البرلمان الانسحاب من اتفاقية إسطنبول الهادفة إلى حماية النساء والفتيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي فمنذ أن صوتت الأغلبية البرلمانية في نهاية أكتوبر تشرين الأول لصالح الانسحاب لم تهدأ الشوارع فقد خرج آلاف المتظاهرين في العاصمة ريغا وعدد من المدن الأخرى رافعين شعارات تطالب الحكومة بالتراجع عن القرار ومؤكدين أن حقوق النساء ليست قضية سياسية بل قضية إنسانية اتفاقية إسطنبول ونقاش حول النوع الاجتماعي تعد اتفاقية إسطنبول المعتمدة عام 2011 من مجلس أوروبا أول اتفاقية دولية ملزمة قانونيا تعنى بالعنف ضد المرأة وهي تلزم الدول الموقعة بمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي ومقاضاة مرتكبيه وضمان المساواة بين الجنسين وتنص المادة الثالثة من الاتفاقية من بين أمور أخرى على أن مصطلح الجنس يفهم على أنه الأدوار وأنماط السلوك والأنشطة والخصائص التي ينشئها المجتمع والتي يعتبرها مجتمع معين مناسبة للنساء والرجال لكن البرلمان اللاتفي برر قرار انسحابه بأن الاتفاقية توسع مفهوم النوع الاجتماعي ليتجاوز البعد البيولوجي في إشارة إلى النقاشات المحتدمة في البلاد حول الهوية الجندرية والأدوار الاجتماعية والتوجه أكثر نحو أفكار اجتماعية محافظة وارتفاع نبرة رفض المثلية في البلد الصغير ورغم أن لاتفيا كانت قد صادقت على الاتفاقية قبل عامين فقط فإن قرار التراجع عنها فجر انقساما واسعا داخل المجتمع بين من يرونها تعارض القيم التقليدية ومن يعتبرونها حاجز الحماية الأخير للنساء من العنف الأسري والمجتمعي غضب في الشارع أي بلد نعيش فيه في ساحة الحرية بوسط ريغا احتشد المئات مساء الجمعة حاملين لافتات كتب عليها لا نريد خطوة إلى الوراء في حقوق النساء والعنف ليس قضية رأي وقالت الناشطة ومنظمة الاحتجاجات الشبابية سينديا ميرتور إن القرار مس جوهر الهوية اللاتفية الأمر يتعلق بنوع البلد الذي نريد أن نعيش فيه هل نحن دولة تعلي من شأن المساواة أم دولة تدير ظهرها لحقوق الإنسان واعتبرت أن اتساع رقعة المشاركة فاجأ المنظمين أنفسهم هذه ليست حركة نخبوية في الشوارع ترى المعلمين والأطباء والطلاب والآباء وحتى رجال الأعمال لقد أصبح الدفاع عن حقوق المرأة قضية وطنية جامعة الرئيس يعيد القانون إلى البرلمان في خضم الغضب الشعبي تدخل الرئيس اللاتفي إدغارز رينكيفيتش وأعاد مشروع الانسحاب إلى البرلمان لإعادة النظر فيه في خطوة رمزية تعبر عن القلق من تداعيات القرار داخليا وأوروبيا ورغم أن الدستور لا يمنح الرئيس حق النقض فإن إعادة القانون تعد دعوة صريحة للمشرعين إلى التراجع بعد الانتخابات المقبلة وقال الرئيس إن من الغريب أن يرفض البرلمان الحالي اتفاقية كان هو نفسه قد أقرها قبل عامين فقط انتقادات أوروبية واتجاه مقلق وبرأي مارلين ويند أستاذة العلوم السياسية بجامعة كوبنهاغن فإن ما يحدث في لاتفيا يذكر بالتحولات التي شهدتها بعض دول أوروبا الشرقية ونقلت عنها قناة دي آر الدنماركية تأكيدها أن أوروبا تشهد تصاعد خطاب مناهض لمفاهيم النوع الاجتماعي وهو مشابه لما حدث في بولندا والمجر وسلوفاكيا إذ تصور الاتفاقية على أنها تهديد للقيم الأسرية وتضيف أن انسحاب لاتفيا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يشكل سابقة خطيرة لأنها ستكون أول دولة أوروبية تنسحب من الاتفاقية بعد المصادقة عليها في وقت تبقى فيه دول أخرى مثل بلغاريا والمجر وليتوانيا دون تصديق رسمي من الشارع إلى بروكسل في المقابل جمعت حملة إلكترونية ضد الانسحاب من اتفاقية إسطنبول أكثر من 70 ألف توقيع خلال أسبوع واحد ما يعكس الغضب الشعبي المتزايد ويعتقد مراقبون أن القرار قد يثير نقاشا داخل الاتحاد الأوروبي حول التزام الدول الأعضاء بمواثيق حماية المرأة وحقوق الإنسان وتعد مظاهرات ريغا بهذا الحجم هي الأكبر منذ استقلال لاتفيا عن الاتحاد السوفيتي فهذا التحرك الشعبي قد يعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع في قضايا المساواة والعدالة وشددت سينديا ميرتور أمام المتظاهرين على أن العمل لن يتوقف حتى يتراجع البرلمان نهائيا عن الانسحاب سنواصل التنظيم والإعلام والتعبئة إلى أن يرفض القرار رفضا قاطعا الانسحاب من اتفاقية لحقوق الإنسان ليس شأنا إداريا بل رسالة خطيرة تضعف قيم الحرية والمساواة في بلادنا