لم تعرف عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عناية من أي نوع بالثقافة على خلاف كثير من أسلافه الرؤساء يروى أن جورج بوش الابن سئل عن كتاب قرأه وأعجبه فأجاب بأنه الغريب لألبير كامو 1913 1960 أما ترامب فلا يسأل أصلا عن أمر لم يجد سائله حرجا في توجيهه إلى بوش الذي يمكن أن يوصف بأي شيء إلا بأنه مثقف أو يعنى بالثقافة يروي الكولومبي الحائز جائزة نوبل في الآداب عام 1982 غابرييل غارسيا ماركيز في أحد مقالاته عن ليلة لا تنسى مع بيل كلينتون عام 1995 على مأدبة عشاء شارك فيها المكسيكي كارلوس فوينتس وآخرون وعندما وصل النقاش إلى الكتب المفضلة لدى الحضور ذكر فوينتس أنه معجب بإحدى روايات وليام فوكنر ففوجئ الحضور إذ ذاك بالرئيس الشاب يقف ويبدأ بقراءة مقاطع كاملة غيبا من رواية الصخب والعنف لفوكنر ومعلوم أن الأخير من أساتذة السرد في العالم وسبق لماركيز أن تحدث مرارا عن إعجابه وتأثره بأسلوبه الخاص بالسرد القائم على انثيالات الذاكرة والسرد المتقطع أو ما عرف بتيار الوعي الذي يمثل فوكنر أحد سادته إذا جاز الوصف إضافة إلى جيمس جويس وفرجينيا وولف ونعرف من مقال ماركيز أن كلينتون قرأ رواياته وعلى الأخص أشهرها مائة عام من العزلة التي أشادت بها لجنة نوبل لدى منحه جائزتها كما نعرف من شذرات كتبت عن الرئيس الشاب آنذاك أنه من قراء فوكنر تحديدا وأنه قرأ مائة عام من العزلة عندما كان طالبا في الجامعة وأنه يعتبر ماركيز أهم روائي في العالم بعد فوكنر وهذا يحمد للرئيس السابق الذي يعرف العالم كله تفاصيل علاقته بالمتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي ولا يعرفون أنه من قراء فوكنر وماركيز ماذا عن ترامب وهو رجل أعمال عمل في العقارات والترفيه لا دور النشر أو حتى الإنتاج السينمائي باستثناء ظهوره الخاطف في فيلم أو اثنين صورت مشاهد منهما في برجه الشهير فإن علاقة الرئيس الحالي بالثقافة تقوم على الإقصاء بل الانتقام فلم يعرف عنه اهتمام أو رعاية لأي منشط ثقافي في البلاد إلا إذا اعتبر عزله أمينة مكتبة الكونغرس في مايو أيار الماضي استراتيجية مضادة لثقافة التنوع التي رسخها الأميركيون عبر تاريخهم وهي استراتيجية تقوم على تفكيك الثقافة لا رعايتها وتفريغها من محتواها وتوجيهها لتصبح أحادية واستئصالية ونوعا من خطابات التطرف والعنصرية وفي خدمة السياسة والرئيس تحديدا وكانت أمين المكتبة المعزولة كارلا هايدن أول امرأة وأول أميركية من أصل أفريقي تتولى ذلك المنصب منذ تأسيسه والمكتبة عام 1800 الأمر نفسه فعله أيضا حين وجد شخصا رائعا ومذهلا ليترأس مجلس أمناء مركز كنيدي للفنون بعد أن قطع عنه التمويل وعزل مجلس إدارته وهو يقصد نفسه معلنا أنه سيقود العصر الذهبي للثقافة الأميركية وفي سياق هذا العصر تلغى تأشيرة الكاتب النيجيري وول سوينكا الحائز جائزة نوبل في الآداب عام 1986 وبحسب سوينكا الذي أعلن أن القنصلية الأميركية في لاغوس ألغت تأشيرة دخوله إلى الولايات المتحدة فإن السبب قد يكون انتقاده لترامب ومعلوم أن الأخير لا ينسى ويطلب من مساعديه تسجيل أسماء الدول والأشخاص الذين عارضوه في هذا الشأن أو ذاك ما يشير إلى عصر ذهبي غير مسبوق قد تدخله بلاده في ولايته الثانية ما حدث مع سوينكا يؤكد وجهة نظره في ترامب فهو دكتاتور أبيض الوجه عيدي أمين آخر دكتاتور أوغندا في السبعينيات وعندما تتصرف إدارة ترامب على هذا النحو مع المسرحي النيجيري فذلك يؤكد أنه دكتاتور وعليه أن يفخر بذلك بحسب تعليق ساخر لسوينكا ولا يعرف بم ستوصف ولاية ترامب الثانية وهو يرغب في صفة صانع السلام في العالم كله لكن معاداته للثقافة والتنوع ومساعية إلى ترسيخ ثقافة تقوم على الذكورية الفجة وإعلاء العرق الأبيض واستئصال أي مكون ثقافي كبير آخر في تاريخ البلاد معطوفا على بدائيته وضربه عرض الحائط حتى ببروتوكولات الاستقبال الرسمية من شأنه تحويل بلاده إلى جمهورية موز أخرى بعد أن تحولت هذه الجمهوريات إلى فصول في روايات لاتينية تدرس في الجامعات ويقرؤها ويعجب بها رؤساء من مثل كلينتون وسواه