شوارع إيران موسيقى للعابرين في مدينة متعبة

١٢ مشاهدة
حين تفتح نوافذ المدن على أنغام تهب من الأرصفة ندرك أن الموسيقى لا تعيش في القاعات الفاخرة ولا ضمن الجوقات الرسمية فحسب بل تنبض في قلب الشارع حيث يلتقي وجدان الناس بإيقاع الحياة اليومية في إيران اليوم لم تعد موسيقى الشوارع مجرد عزف عابر بل أصبحت مرآة لزمن يتغير وصوتا يخرج من أعماق مجتمع يبحث عن متنفس فني وسط تضادات الواقع وضجيج الأزمات تحت ظلال الأبنية القديمة وفي زوايا المترو وحدائق طهران يولد فن جديد إذ تعيش إيران اليوم تنوعا في أنماط أداء الموسيقى من الموسيقى المرخصة والرسمية إلى الموسيقى تحت الأرض المحظورة وصولا إلى موسيقى الشوارع التي باتت ظاهرة مميزة لكل من هذه الأنواع سماته الخاصة غير أن هذا التعدد يعبر عن عمق حضور الموسيقى في الوجدان الإيراني رقم قيود وعراقيل تدفعها أحيانا إلى الانتقال تحت الأرض أو إلغاء حفلات موسيقية بهذا يمكن القول إن موسيقى الشوارع أصبحت جزءا من هوية طهران منذ أواخر عام 2022 ومع انتشار ظاهرة نزع الحجاب في إيران وسحب دوريات شرطة الآداب في الشوارع أخذت أشكال جديدة من موسيقى الشوارع تبرز إلى السطح من ظهور شابات عازفات ثم العروض الجماعية المختلطة بين الشابات والشبان في الشوارع المزدحمة للعاصمة يختار المغنون والعازفون الشباب زاوية من الرصيف أو حديقة أو محطة مترو ليعرضوا فنهم أمام المارة ويجنون منها شيئا من الرزق جواد مهدوي مغن وعازف إيراني شاب يعزف ألحانا حزينة في شارع بلوار أباذر غرب طهران أمام إحدى دور السينما وتعكس موسيقاه الحال التي يعيشها الناس في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة الراهنة يقول مهدي لـالعربي الجديد إنه يمارس الغناء والعزف منذ التاسعة من عمره وقد حصل على شهادة دبلوم في العزف وأكمل دورات عديدة غير أن التعليم الحقيقي بالنسبة إليه بدأ في الشارع ليس من مقاعد الدراسة يضيف جواد البالغ من العمر حاليا 43 عاما أن هذا الفن هو مصدر رزقه الوحيد ويكسب منه نحو 200 دولار شهريا كان في شبابه يدخل الأزقة ليغني ويعزف أما اليوم فيكتفي بزاوية من الرصيف في مكان مزدحم ليؤدي فنه أمام الناس يؤكد أن الجمهور غالبا ما يتفاعل إيجابيا مع موسيقاه لكن عدم امتلاكه رأس مال أو شهرة يمنعه من أداء فنه في القاعات الكبرى موسيقى الشارع في إيران ليست وليدة اليوم فلها جذور ساهمت في نمو الموسيقى الوطنية ففي خمسينيات القرن الماضي ظهر في طهران نمط موسيقي يعرف باسم موسيقى السوق أو الزقاق كوجه بازاری وهو مصطلح يطلق حاليا على مجموعة من الأغاني الشعبية القديمة سمي بهذا الاسم لأن مطربيه كانوا يغنون بأصوات حارة في سوق طهران الكبير التاريخي وأزقة شارع لاله زار جنوبي طهران الذي كان آنذاك من أكثر شوارع ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979 صخبا وشهرة وخلال ندوة في نوفمبر تشرين الثاني من عام 2024 تحدث الشاعر الإيراني سجاد عزيزي آرام قائلا مصطلح كوجه بازاری ليس سيئا لدينا نمط الموسيقى الشعبية والروك جزء منها موسيقى السوق نابعة من الناس وليست مجرد غناء في الشارع هذا اللون الموسيقي يمزج بين العود والدف والناي والطبلة والسنطور والكمان والكمنجة والقانون والهارب وأحيانا الأكورديون مع لمسات من الأسلوب العربي الشرقي أما بويا العازف الإيراني البالغ من العمر 26 عاما الذي يعزف في الرصيف الطويل لشارع ولي عصر فقال لـالعربي الجديد بدأت العزف في الشارع قبل ثلاث سنوات في البداية كان الخوف يلازمني خشيت من نظرات الناس وأحكامهم أو حتى من الشرطة لكن حين دوى صوت غيتاري بين ضجيج السيارات ورأيت شخصين يتوقفان للاستماع أدركت أن ما أفعله ليس مجرد موسيقى بل نوع من الحوار الإنساني أوضح أن العمل في الشارع بالنسبة إليه درس في الحياة فيه يتعلم كيف يتحمل الأحكام المسبقة وكيف يعزف في الحر والبرد ويستبدل الخوف بالثقة ونظرات الناس الباردة بابتسام صادقة قال هدفي ليس المال فحسب إنما أن أشبع روحي وأن يصل صوت الإنسان من قلب المدينة إلى أذن الآخر نرجس موظفة مصرف في الـ29 من عمرها من طهران تروي لـالعربي الجديد أنها تمر كل صباح في طريقها إلى العمل من ميدان هفت تير شمالي طهران وغالبا ما تسمع شابا يعزف الغيتار في زاوية من الميدان مضيفة في البداية كنت أعبر بسرعة من دون أن أنتبه لكن ذات يوم رأيت امرأة تلقي قطعة نقد في صندوق العازف وتبتسم في تلك اللحظة فهمت أن موسيقى الشارع ليست مجرد أنغام إنها حوار بين الفنان والمدينة توضح أن هذه الألحان تمنح الشارع روحا إنسانية دافئة وسط صخب الحياة أما علي رحمتي سائق سيارة أجرة عبر التطبيقات ويبلغ من العمر 39 عاما فيقول لـالعربي الجديد أقضي معظم يومي في الشارع وكثيرا ما أرى عازفين في الزوايا أحيانا غيتار وأحيانا ناي أو كمان عندما يعلو صوتهم وسط الزحام وأفتح نافذة السيارة لأستمع أشعر بالراحة أحس أن في هذه المدينة رغم ضجيجها وتعبها من لا يزال يتحدث بلغة النغم وليس بلغة التذمر يروي أنه شاهد يوما شابا يعزف بعينين مغلقتين وإلى جواره طفل صغير يهز رأسه بانسجام مع الإيقاع قائلا ذلك المشهد لا ينسى وكأنه فاصل من حلم وسط يوم متعب موسيقى الشوارع في إيران بكل ما تحمله من جماليات وتحديات ظهرت أخيرا في فيلم وثائقي بعنوان فالس لطهران للمخرجة زينب تبريزي التي جابت شوارع العاصمة لتروي حكايات العازفين المغمورين يروي الفيلم قصة مهرداد الذي يعشق العزف وسط الناس بعيدا عن القاعات اللامعة يعزف للنساء والرجال الذين يقفون قريبا منه من دون وسيط أو حاجز ويحول موسيقاه إلى تجسيد للحب والإصرار فالس لطهران ليس مجرد فيلم عن الجنون أو المعاناة بل رحلة إنسانية عن رجل يرى في الشارع مسرحا لحياته تتبع المخرجة خطوات مهرداد وهو يسعى إلى إحياء فرقته وتنظيم حفلاته في الأزقة والمناطق الشعبية فتغدو مغامرته رمزا لبحث الإنسان عن معنى الفن وسط ضجيج المدينة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم