وهذا من حسن حظ زهران ممداني المرشح لمنصب عمدة نيويورك وربما حظنا وحظ نموذجه إذ يتوهم البعض ممن تسيطر عليه هرطقات اللاسياسة المتمددة في الفراغ المصري بمختلف تياراته وارتداداتها على أداء تسوقه خرافات أنا ومن بعدي الطوفان وترجمتها التنفيذية إما أن أحوز كل شيء أو أهدم المعبد على الجميع أن ممداني عدو لدود للشركات الكبرى وفي صراع وجودي معها باعتباره اشتراكيا ديمقراطيا أو العكس حسب ما تراه من موقعك في مقصورة المتفرجين وأنا معك في متابعة لمباراة سياسية ممتعة لم نعشها منذ نهاية الربيع العربي بله لا تزيد إن وصفت بـالنادرة في تاريخ مجتمعاتنا العربية قليلة الحظ الديمقراطي منذ خرج المحتل الخارجي من أراضيها إلى هؤلاء هل تعلمون وبالتأكيد لا تتوقعون أن زهران التقى شراكة مدينة نيويورك وهو اتحاد يضم 350 عضوا يمثلون البنوك وشركات المحاماة ومؤسسات اقتصادية كبرى لتهدئة مخاوفهم والوصول إلى صيغة حلول وسطية لا نؤمن بها ولا تعنينا فنحن من لا يقبلون سوى أن تخر الجبابر لهم ساجدينا وفي المقابل تقول سالي سوسمان المديرة التنفيذية المخضرمة وعضو اللجان المالية للحملات الرئاسية لباراك أوباما وهيلاري كلينتون وجو بايدن وهي واحدة ممن قابلوا زهران لقد طرح أسئلة مثل ماذا تعرفين عن القيادة التي تغير قواعد اللعبة وكيف ينبغي لي تشكيل إدارة وأوضح أنه لن تكون هناك اختيارات حاسمة للأدوار التي سيقوم بها الموظفون في إدراته بما يعني أنه لم يحدد بشكل نهائي وظائفهم ومهامهم ترقبا لمشاركة أوسع من مختلف فئات المجتمع ومن بينهم الأثرياء والرأسماليون الذين لن يدخل معهم في معركة صفرية تدمره ونموذجه من قبله وتقتل آمال من جلبهم لأول مرة إلى عالم السياسة أو استعادهم مرة ثانية لمصلحة حزبه منذ ذلك الحين أصبحت سوسمان حليفا قيما وشاركت في تنظيم اجتماعين وديين في مكتب حملة ممداني الانتخابية حضرهما قادة الأعمال ومستثمري التكنولوجيا الراغبين في مقابلته وعلاوة على سوسمان يبدي روبرت وولف وهو عضو آخر في شراكة مدينة نيويورك وجامع تبرعات رئيسي للحزب الديمقراطي إعجابه بأداء زهران وكما يقول لـنيويورك تايمز أتبادل الرسائل النصية مع المرشح باستمرار وهكذا استطاع زهران تحويله إلى أداة تواصل غير رسمية يقيس من خلالها نبض مجتمع المال والأعمال في المدينة حتى إن وولف يقول أنه اقتنع من خلال تفاعلاتهما الخاصة بأن زهران يدرك أهمية ازدهار القطاع الخاص في نيويورك وهدفه الأساسي إيجاد طريقة مناسبة لاستخدام الإدارة في تحقيق وعوده بالمساواة ودعم الفئات المهمشة إنه مفرط هكذا سيراه اليساري المصري وحتى العربي نقي الأيدولوجيا عظيم الوفاء لمبادئ طوباوية لا تغادر أحلامه إلا في مقالات مكتوبة أو عبر وسائط إعلامية وفي أحسن الأحوال الجماهيرية يمكن لأفكاره أن ترى النور في ندوات لن تعقد إلا بعد موافقة أجهزة الأمن وفي المحصلة لن يصل ما يقوله إلى مرحلة الأخذ والعطاء مع الوسطاء السياسيين والاقتصاديين والأجهزة التنفيذية من أجل محاولة انتزاع أفضل صفقة لمصلحة الجمهور عبر الاشتباك مع السلطة لجعلها أكثر عدالة أي أن نقاء الأيدولوجيا وبقائها سليمة محفوظة بورقها في النيش خزانة لا تمس في البيوت المصرية السياسي أعظم درجة من تسوية أو تفاهم قد يفضي إلى أي تغيير ولو كان ضئيلا وليس أدل على ذلك من رصد كيف تغير مصطلح الصفقة في سياقنا المصري الإعلامي والسياسي المتصلب وصار يقدم باعتباره مؤامرة بدلا من موائمة بين مختلف الأطراف أما رحلة زهران وقد اقتربت من نهايتها السعيدة ما لم تقع مفاجأة في اللحظة الأخيرة فإنها تنم عن وعي سياسي متطور يجسده نجاح السياسي الشاب في مواجهة شبكات نفوذ وتأثير متعددة الانتماءات سواء كانت جمهورية أو يمينية وإسرائيلية راسخة سياسيا وماليا عمدت إلى نصب فخاخ في طريقة ورمت في وجه حملته الانتخابية عراقيل تنوء بها العصبة أولي القوة فما بالك بشاب ينتمي إلى جيل الألفية بين 1981 و 1996 ولم يزد عمره عن 33 عاما وقت الإعلان عن ترشحه بينما ماكينته الانتخابية قوامها جيل زد المولود بين 1997 و2012 ما يكشف عن حداثة يقف في وجهها كهول الحزب الديمقراطي ممن توقف بهم الزمن عند لحظة إسرائيل في السياسية الأميركية ومن هنا يتضح لماذا لم يعلن زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر وهو من نيويورك كذلك ويمتلك أصولا انتخابية مهمة فيها دعمه لزهران حتى اليوم وعلى غراره العديد من قيادات الحزب وإن كان كان بعضهم أخيرا رضخ لضغوط الجمهور فيما السباق الانتخابي يقارب نهايته وأهمهم حاكمة ولاية نيويورك كاثي هوشول التي تكرمت وزعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز وهو من نيويورك أيضا وأعلنا تأييد زهران ولا يعود الفضل وحده إلى المرشح الكاريزمي المثقف والقادر على المناظرة وهي صفات نفتقدها في السياق المصري والعربي بل إلى حملة يشبهها وتشبهه تتسم بالحيوية الرائعة قوامها الجيل زد غير المضطر إلى التظاهر في الشوارع طلبا لخدمات أساسية ولماذا ويمكنه nbsp ببساطة فرض إرادته عبر صناديق الاقتراع مصوتا لزهران وبرنامجه الذي حظي بتأييدهم الغائب عن قادة الحزب الديمقراطي التاريخيين بكل ما تعنيه الكلمة من معان فالمتصدرون للمشهد الحالي انتهى زمنهم لذا استبدلهم الجمهور ولم يستعملهم رافضا تشبثهم بالسلطة على حساب الجيل الجديد الباحث عن نموذجه من القادة المحفزين الذين يشبهونهم ويقدمون لهم أفكارا سياسية تعنى بواقعهم السيئ وهذه وصفة النجاح لأي تغيير قائد مؤهل وجماهير متعطشة وبرنامج يعبر عن أولوياتها الحياتية ويقدم أملا جديدا في حل مشكلات تراكمت وأسفرت عن تراجع جودة الحياة ونوعيتهاnbsp أي القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي هي لب أفكار اليسار وإن لم يقدم حلولا لها فماذا يضيف إلى الحياة السياسية وكيف يجذب الجماهير إلى رؤاه بالضبط هذا ما يفعله زهران ورفاقه على نقيض ما يحصل في مصر إذ لا نسمع صوتا لاشتراكييها وأحزابهم غير المحظورة أو المطاردة إلا في المعارك الآمنة لتجدهم يسبقون الصفوف في نقاشات الهوية الاستقطابية متجاهلين خيارات السلطة الحالية اقتصاديا وسياسيا بالرغم من كونها تمنح من يريد العمل منهم فرصا لن تتكرر بهذا المعنى الاشتراكيون المصريون في واد والشعب في واد آخر ويجدر بهم التعلم من نموذج زهران وحملته وتنزيل ما أمكن على واقعهم استلهاما من شباب يعملون بكل جد من قلوبهم قبل عقولهم تطبيقا لمقولة مارتن لوثر كينج في خطابه إلى مجلس العمل الأميركي الأسود عام 1961 سمها ديمقراطية أو سمها اشتراكية ديمقراطية ولكن لا بد من توزيع أفضل للثروة في هذا البلد