متحف قطر الوطني يوبيل ذهبي لتراث متعدد الطبقات

١٠ مشاهدات
تحولت المتاحف في الخليج العربي إبان العقود الأخيرة من أماكن عرض المقتنيات إلى مختبرات لإعادة كتابة الذاكرة الوطنية ومساحات للتفاوض بين التاريخ والهوية والخيال العمراني عند المعاينة تبرز تجربة متحف قطر الوطني في الدوحة بوصفها أحد أكثر النماذج اكتمالا وهي تكتسي قبل أي شيء سمة الريادة المبكرة قبل نصف قرن حين افتتح عام 1975 ولم يكن في دول الخليج وقتذاك أي متحف وطني هذا الأسبوع يجيء معرض إرث وطن ذاكرة شعب تروى لخمسين عاما المستمر حتى السابع من فبراير شباط جامعا بين البعد التوثيقي المجتمعي للذاكرة والآخر المستقبلي للعرض البصري والسينوغرافي ما يجعل الزيارة تجربة سردية متعددة الأصوات معنى الأرشفة يعيد المعرض النظر في فكرة المتحف نفسه فهو هنا فعل ثقافي طويل المدى تشكل عبر الأجيال والمعرض لا يكتفي بالاحتفاء باليوبيل الذهبي على تأسيس المتحف إنما يطرح أسئلة حول معنى الأرشفة والطريقة التي تعرض بها ذاكرة الدولة للمجتمع والعالم يقدم مادة نادرة من أرشيف المتحف الوطني القديم منذ سبعينيات القرن الماضي من صور ووثائق وسجلات ومراسلات وأعمال فنية تتيح للزائر أن يرى كيف تحول مشروع المتحف من مبادرة محلية بسيطة إلى رؤية ثقافية شاملة تعيد تعريف علاقة الإنسان بالتراث والمكان يضم المعرض أرشيف المتحف الوطني القديم منذ السبعينيات nbsp ويتتبع الذاكرة المؤسسية في البلاد من فكرة المتحف الأول في سبعينيات القرن الماضي إلى صيغته المعاصرة التي افتتحت عام 2019 بهذا المعنى يظهر المعرض تجسيدا لمرحلة جديدة في الوعي المتحفي العربي حيث تقدم الذاكرة لا بوصفها ماضيا محفوظا وإنما قوة فاعلة في تشكيل الغد شاهد ومنتج المتحف هنا شاهد ومنتج للتاريخ في آن في هذا السياق يسأل من يطالع هذا التاريخ المحفوظ عن كونه كنزا مخبأ فمن المؤكد أن ثمة مقتنيات كبيرة تعزز السردية المتحفية لماذا لا تكون هذه المقتنيات وغيرها جزءا من متحف قطر الوطني القائم حاليا فهي ليست أعمالا فنية قد نؤجلها إلى الغد بل جزء من الحكاية التي لها استهلال فتصاعد سردي يواصل الحكاية حتى يصل إلى شكل شبه مكتمل من كتاب قطر بين دفتي كتاب بصري على سبيل الاستعارة في قاعة العرض المؤقتة رقم 13 يتحول المعرض إلى سجل بصري وزمني يكشف كيف تشكل مفهوم الوطن الجامع للمكان والزمان والوجود البشري من خلال الوثيقة والصورة والعمارة تبدأ الحكاية من قرار الأمير الأب الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني بتحويل قصر الشيخ عبد الله بن جاسم إلى متحف وطني عام 1975 لم يكن هذا القرار ذا طابع تراثي بحت بل خطوة رمزية تختار المبنى بوصفه نقطة التقاء بين السلطة والمكان والذاكرة من فندق الواحة أحد أقدم فنادق البلاد انطلقت اللجنة الأولى برئاسة يوسف جاسم الدرويش واضطلعت بجمع المقتنيات وإطلاق حملة لتشجيع التبرعات ما أرسى علاقة جديدة بين المجتمع ومفهوم المتحف بوصفه مؤسسة جماعية لحفظ المعنى وهنا أسهم الباحث البريطاني مايكل رايس في بلورة الرؤية الأولى وتوثيق مراحل التأسيس أرشيف مصغر في إحدى الواجهات الزجاجية تعرض مجموعة بطاقات هوية تعود إلى موظفي القسم البحري توثق ملامح البنية الإدارية للمتحف الوليد تبدو هذه البطاقات اليوم مثل أرشيف مصغر لبدايات المؤسسة الثقافية الرسمية حيث تتجسد الدولة الحديثة في وجوه موظفيها إلى جوارها تعرض شرائح فوتوغرافية وصور ملونة التقطها المصور البريطاني ويليام فيسي في السبعينيات في هذه اللقطات نرى القصر القديم والسفن الراسية ومشاهد من الدوحة في طور التحول العمراني لا تعرض الصور هنا تاريخا بصريا فحسب بل فعل تأمل في التغير نفسه في العلاقة بين ما يحفظ وما يعاد بناؤه وثيقة بخط يد الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود مؤرخة في مارس 1976 تضاف إلى هذا السرد بوصفها شهادة من خارج الحدود إذ تربط بين الذاكرة الوطنية القطرية ونظرتها الإقليمية بين الدبلوماسية والتاريخ الثقافي أعمال فنية يتبوأ العمل الفني التركيبي للفنانة القطرية شوق المانع مكانه وسط القاعة الرئيسية وهو يعيد تصور الكرة الأرضية الأصلية المشهورة في ذلك الوقت أما اليوم فقد صارت من جديد عملا فنيا يجمع بين التقنية ويحفه عقال الرأس الذي يضعه الرجال على غطاء الرأس الغترة في حين يجسد العمل الفني التركيبي لخليفة آل ثاني الهوية الثقافية المتطورة للدولة ويوظف ماضينا هو الأساس ومستقبلنا يبنى عليه عمل فني تركيبي يبث على شاشات تلفزيونية تصاحبه تقنيات الرسومات بالذكاء الاصطناعي لإعادة تحريك هندسة القصر القديم المعمارية وتاريخه بالإضافة إلى ذلك هناك عمل فني تركيبي آخر للفنان بعنوان اللؤلؤ لا يبقى على الرمال وهو يحول السنبوك التقليدي إلى منحوتة تشع ضوءا تستحضر مبادئ الثبات والاكتشاف يعيد عمل الفنانة القطرية شوق المانع تصور الكرة الأرضية ثم يمتد المعرض إلى القصر القديم حيث تقدم شهادات الزوار تأملات عن المتحف وذكريات شخصية تناقلتها الأجيال أما العمل الفني التركيبي بدر التمام في المجلس المركزي والذي اعتمد على الوسائط المتعددة فيستعرض أربع نوافذ تطل على المناظر الطبيعية للصحراء والشاطئ وضاحية المدينة ومتحف قطر الوطني في دعوة إلى التأمل الهادئ تتصدر جدارية باري إيفانز فضاء العرض استعارة بصرية لمسيرة الدولة رسمت اللوحة عام 1973 قبل اكتمال المتحف وتبدو اليوم مثل مقدمة فنية غير مقصودة له إنها تستعرض مشهدا واسعا يلتقي فيه الماضي بالحاضر شيوخ ومقاتلون وفرسان وأعلام وجموع تحيط بجلوس الحاكم في الوسط يقدم إيفانز التاريخ عرضا مسرحيا تقريبا تتبادل فيه الشخصيات نظراتها في مشهد يتجاوز الواقعية ليصوغ أسطورة التأسيس يذكر هذا المشهد بجداريات الدول الحديثة في لحظات ما بعد الاستقلال حيث يستعاض عن السرد الخطي بصيغة الاحتفال الجمعي وعن الواقعة السياسية بالرمز المتخيل في المكان الذي نتجول فيه كان هنا المتحف السابق لثلاثة عقود 1975 2004 بيد أنه الآن جزء من المتحف الجديد الذي بذلت فيه سنوات طويلة لتشييده حتى افتتح في 2019 وقد صممه المعماري الفرنسي جان نوفيل أقفل القديم مؤقتا وكان يفتح في مناسبات مثل آسياد 2006 أو تقام باسمه فعاليات حتى يبقى اسمه محفورا

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم