هل تتحول الخصومة بين الهند والصين إلى تعاون استراتيجي

٥٧ مشاهدة
تربط الهند والصين علاقة معقدة فهذان البلدان الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم هما خصمان إقليميان مباشران خاضا حربا حدودية في ستينيات القرن الماضي وقد بلغت العلاقات بينهما مستوى متدنيا منذ اشتباكات عام 2020 التي أدت إلى مقتل جنود من الجانبين ورغم ذلك فإن بين البلدين روابط اقتصادية متنامية إذ تمتلك الصين مجموعة من التقنيات والمواد الحيوية التي تحتاجها الهند لدعم طموحاتها الصناعية بينما ترى الصين في الطبقة الوسطى المتنامية في الهند سوقا استهلاكية جديدة مهمة وفق ما ذكرت وكالة بلومبيرغ منذ أن شن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حربا تجارية ضد البلدين كثفت الهند والصين جهودهما لإصلاح العلاقات ففي نهاية أغسطس آب زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الصين للمرة الأولى منذ سبع سنوات لحضور قمة أمنية في أحدث إشارة إلى إعادة ضبط العلاقات مع الجار القوي وفي أواخر أكتوبر تشرين الأول أقلعت أول رحلة ركاب بين الهند والصين من كلكتا بعد خمس سنوات من تعليق الرحلات المباشرة ومن المتوقع أن يعزز استئناف هذا الخط الجوي العلاقات الثنائية عبر تنشيط السياحة والتعليم والسفر التجاري بين البلدين جذور التنافس التاريخي بينnbsp الهند والصين تعود جذور التنافس بين الهند والصين إلى السنوات التي تلت استقلال الهند عام 1947 ففي البداية جمعت بينهما صداقة قصيرة لكن عندما سيطرت الصين على التبت عام 1950 أصبح للبلدين أول حدود مشتركة في تاريخهما ما أثار التوترات وجاء قرار الهند منح اللجوء للدالاي لاما عام 1959 بعد فشل انتفاضة ضد الحكم الصيني ليشكل أول مصدر رئيسي للخلاف وبعد ثلاث سنوات خاض الطرفان حربا قصيرة حول الحدود المتنازع عليها في جبال الهيمالايا انتهت بانتصار حاسم للصين بينما بقيت المطالبات المتنازع عليها في منطقتي أكساي تشين غربا وأروناشال براديش شرقا دون حل وظلت العلاقات متوترة خلال الحرب الباردة إذ تقربت الهند من الاتحاد السوفييتي الخصم آنذاك للصين وخلال العقود الأخيرة تقدمت الصين بسرعة لتصبح القوة الاقتصادية المهيمنة بين البلدين لكن فترة ما بعد الحرب الباردة شهدت أيضا تخفيفا في التوترات ونموا في العلاقات التجارية غير أن السياسة الخارجية العدوانية المتزايدة لبكين وتوسع تدخلها في محيط الهند عبر مبادرة الحزام والطريق أثارا شكوك نيودلهي خلال العقد الماضي تدهور الثقة وتزايد القيود بلغت العلاقات مستوى منخفضا جديدا بعد المواجهة الحدودية في منطقة دوكلام المتاخمة لبهوتان عام 2017 وأوقفت الهند منح التأشيرات السياحية للمواطنين الصينيين وفرضت قيودا على التكنولوجيا الصينية وحظرت بيع معدات الاتصالات من شركة هواوي وكذلك تطبيق تيك توك وفي الآونة الأخيرة شددت الهند الرقابة على الاستثمارات الصينية فرفضت مقترحات استثمارية منفصلة بقيمة مليار دولار لكل من شركتي BYD وجريت وول موتور لإقامة مصانع في البلاد كما دفعت التوترات المتجددة الهند إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة التي كانت علاقاتها مع الصين أيضا في توتر متصاعد nbsp واستمرت الشكوك خلال الاشتباك القصير بين الهند وباكستان هذا العام إذ زعمت باكستان أن طائرات J 10C الصينية الصنع استخدمت لإسقاط خمس مقاتلات هندية خلال النزاع ورغم كل هذه الاحتكاكات تبقى بين الهند والصين علاقة اقتصادية مهمة فالصين هي ثاني أكبر شريك تجاري للهند بعد الولايات المتحدة بفضل الطلب الكبير على السلع الصينية وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي 127 مليار دولار منها 109 مليارات دولار صادرات صينية إلى الهند كيف تحتاج الهند إلى الصين بحسب بلومبيرغ تعتمد الطموحات الصناعية للهند بشكل متزايد على الوصول إلى التكنولوجيا الصينية وقد استوردت الهند نحو 48 مليار دولار من الإلكترونيات والمعدات الكهربائية من الصين عام 2024 وهو ما يبرز اعتمادها الكبير على المكونات الصينية لتجميع الأجهزة الإلكترونية من الهواتف الذكية إلى شبكات الاتصالات كما تستورد صناعة الأدوية الهندية معظم المواد الفعالة من الصين وتعتمد الهند بشدة أيضا على المغناطيسات الأرضية النادرة لتحقيق أهدافها الطموحة في مجالات السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة والإلكترونيات وقد شكلت القيود الصينية على صادرات هذه المواد تهديدا بإيقاف قطاع السيارات الهندي ولا تقتصر حاجة الهند إلى الصين على السلع والمعدات فقط بل تمتد إلى المهارات والمعرفة التقنية خاصة في مجالات بطاريات السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة النظيفة هذه المجالات التي تفتقر فيها الهند إلى الخبرة المحلية وتجد صعوبة في إيجاد بدائل تدفع أكبر التكتلات الاقتصادية في البلاد إلى استكشاف شراكات مع الشركات الصينية فعلى سبيل المثال زار الملياردير الهندي غوتام أداني الصين للقاء مسؤولي شركة CATL أكبر مصنع للبطاريات في العالم كما أجرى محادثات أولية مع شركة BYD الصينية العملاقة في مجال السيارات الكهربائية حول شراكة محتملة في تصنيع البطاريات كما عقدت شركة JSW المملوكة لرجل الأعمال سجان جندال صفقة مع شركة شيري أوتوموبيل الصينية للحصول على التكنولوجيا والمكونات اللازمة لخطتها في سوق السيارات الكهربائية كيف تحتاج الصين إلى الهند من جهتها لدى بكين دوافع قوية للحفاظ على علاقات جيدة مع الهند فمع تباطؤ نموها المحلي ترى الصين في السوق الاستهلاكية الهندية التي يغذيها عدد سكان ضخم واحدة من آخر أسواق التوسع المتبقية لها ففي عام 2024 استوردت الهند وباعت نحو 156 مليون هاتف ذكي وهو تبن رقمي هائل يمثل فرصة كبرى لشركات الهواتف الصينية مثل شاومي وفيفو وأوبو التي تهيمن على المبيعات الهندية كما أن الهند كونها ثالث أكبر سوق للسيارات في العالم بقرابة 4 3 ملايين سيارة ركاب مباعة عام 2024 تمثل هدفا مغريا وقد أعلنت شركات السيارات الصينية خصوصا BYD عن طموحاتها في الاستحواذ على ما يصل إلى 40 من السوق الهندية إلى جانب ذلك ضخت عمالقة التكنولوجيا الصينية مليارات الدولارات في النظام البيئي للشركات الناشئة الهندية إذ استثمرت شركات مثل علي بابا وتينسنت في مؤسسات هندية بارزة مثل Paytm وZomato وOla Electric وByju s مراهنة على ازدهار الاقتصاد الرقمي الهندي وشهية المستهلكين كما ترى الشركات الهندية فوائد في التعاون مع نظيراتها الصينية ترى الشركات الصينية أيضا ميزة في الشراكة مع شركات هندية لتجاوز التعقيدات التنظيمية والوصول إلى أحد أسرع الأسواق الاستهلاكية نموا في العالم مؤشرات على تحسن العلاقات شهد العام الماضي تسارعا في خطوات إصلاح العلاقات بين البلدين مع تبادل الزيارات الدبلوماسية رفيعة المستوى وتزايد التواصل بين رجال الأعمال ففي يوليو تموز زار وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار بكين للمرة الأولى منذ عام 2020 وفي أغسطس آب زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي نيودلهي لأول مرة منذ ثلاث سنوات وقد عبر الجانبان عن روح جديدة من التعاون كما ظهرت مؤشرات أخرى على الانفراج حيث خففت بكين القيود على صادرات اليوريا إلى الهند وأعادت نيودلهي منح التأشيرات السياحية للمواطنين الصينيين وجاءت خطوة كبيرة نحو تحسين العلاقات في 31 أغسطس آب عندما التقى مودي بالرئيس شي جين بينغ خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون في مدينة تيانجين وبحسب مسؤول هندي رفيع ناقش الزعيمان سبل زيادة وتوازن التجارة الثنائية وتعزيز العلاقات بين الشعوب والتعاون بشأن الأنهار العابرة للحدود ومكافحة الإرهاب بشكل مشترك وفي 26 أكتوبر تشرين الأول أقلعت أول رحلة ركاب مباشرة منذ أكثر من خمس سنوات من الهند إلى الصين في إشارة جديدة إلى دفء العلاقات ومن المتوقع إطلاق المزيد من الرحلات المباشرة بين البلدين إذ أعلنت شركة طيران شرق الصين عن تسيير رحلات بين شنغهاي ودلهي بدءا من نوفمبر بينما تعمل الخطوط الجوية الهندية Air India على خطة لإعادة الرحلات المباشرة أيضا ورغم أن التقارب سبق بداية الولاية الثانية للرئيس ترامب فإن الانفراج يعود جزئيا إلى تحول موقف الولايات المتحدة من الهند ففي فترة ترامب الأولى كانت واشنطن ترى في الهند شريكا أساسيا في مواجهة الصين أما هذه المرة فقد تبنى ترامب نهجا أكثر صرامة تجاه نيودلهي فرض عليها رسوما جمركية مرتفعة وانتقد حواجزها التجارية وهاجم شرائها النفط الروسي الرخيص ما وضع الهند والصين في زاوية متشابهة أمام حربه التجارية هل يمكن أن تصل العلاقات إلى مصالحة كاملة هناك أسباب للشك في إمكانية تحقيق مصالحة كاملة بين البلدين ولا توجد مؤشرات قوية على أن الهند تنوي رفع القيود التقنية والاستثمارية المفروضة على الصين قريبا فذكريات اشتباك 2020 ما زالت حاضرة في أذهان الطرفين والخلافات الحدودية التي أشعلت تلك المواجهات ما زالت دون حل وبالنسبة للهند فإن الحذر مبرر إذ إن الاعتماد المفرط على الصين قد يؤدي إلى تكرار هشاشات الماضي أما الصدمات التي ضربت سلاسل التوريد من قيود المعادن النادرة إلى القيود على تصدير المكونات الأساسية فأظهرت أن بكين يمكنها بسهولة قطع الإمدادات كما توفرها أما بالنسبة للصين فالمخاطر استراتيجية أكثر فهي تدرك أن الهند تسير على نفس المسار التنموي الذي سلكته الصين سابقا أي استيراد المعرفة الأجنبية لتجاوز مراحل التطور الصناعي وهذا يجعل بكين متحفظة في نقل الخبرات خشية أن تتحول الهند لاحقا إلى منافس مباشر في مجالات التكنولوجيا الخضراء والإلكترونيات والتنقل النظيف ويكمن الرهان في ما إذا كانت الهند ستنجح في تأمين التكنولوجيا اللازمة لتحقيق أهدافها المناخية وبناء حلول منخفضة التكلفة لمليار وأربعمئة مليون نسمة أم أن الصين ستقيد هذا الوصول لحماية هيمنتها العالمية أما بالنسبة للشركات الصينية فإن جاذبية السوق الهندية هائلة لكنها تقترن أيضا بمخاوف من أن تؤدي شراكات اليوم إلى خلق منافس قوي في الغد توازن المصالح أقوى من الحدود المتنازع عليها تأتي إعادة التقارب بين الهند والصين في وقت يشهد فيه النظام الدولي تحولات اقتصادية وجيوسياسية عميقة فبينما تواجه الصين تباطؤا في النمو وتحديات داخلية تسعى الهند لملء فراغ التصنيع العالمي الذي خلفته بكين بعد قيودها على التصدير وارتفاع التكاليف هذا التوازن الجديد يجعل من التنافس بين البلدين جزءا من إعادة توزيع القوة في آسيا وينظر إلى التعاون الاقتصادي بين العملاقين كعامل استقرار محتمل في منطقة يعاد رسم موازينها بين الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي غير أن استمرار الخلافات الحدودية والتوجس الأمني المتبادل إلى جانب التحالفات المتقاطعة مثل الشراكة الهندية الأميركية مقابل التنسيق الصيني الروسي يجعل العلاقة بين نيودلهي وبكين رهينة الحسابات الاستراتيجية أكثر من المصالح التجارية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم