التوترات بين باكستان وأفغانستان أبعد من خلافات الحدود و طالبان
٥٢ مشاهدة
لا يزال وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان الذي تم الاتفاق عليه بين البلدين إثر اجتماع وفدين رفيعين لهما في العاصمة القطرية الدوحة فجر الأحد في 19 أكتوبر تشرين الأول الحالي صامدا وسط رفع إسلام أباد في وجه حركة طالبان الحاكمة في كابول مطلب كبح جماح مسلحي حركة طالبان الباكستانية هذا الأمر أكده وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف مرات عدة آخرها أول من أمس السبت بعد يوم أول من المحادثات الجديدة عقدت بين الطرفين في مدينة إسطنبول التركية إذ أعرب عن اعتقاده بأن أفغانستان تريد السلام لكن عدم التوصل إلى اتفاق سيعني حربا مفتوحة nbsp واستأنفت باكستان وأفغانستان محادثاتهما في تركيا السبت بهدف إرساء وقف دائم لإطلاق النار على حدودهما المشتركة ولبحث تفاصيل أعمق في اتفاق وقف النار وبحسب وكالة فرانس برس فإن الوفد الأفغاني قاده نائب وزير الداخلية حاجي نجيب في حين لم تكشف إسلام أباد عن ممثليها في المحادثات وبحسب صحيفة ذا إكسبرس تريبيون الباكستانية أمس الأحد فإن إسلام أباد عرضت أول من أمس في إسطنبول خطة مفصلة لأفغانستان تهدف إلى إزالة الإرهاب الصادر من أراضيها وقد استمرت المحادثات بين باكستان وأفغانستان تسع ساعات وفق مصادر الصحيفة التي تحدثت عن وفد باكستاني مؤلف من سبعة أعضاء أعادوا التشديد على مطلب بلادهم تفكيك الإرهاب ومخيمات التدريب داخل أفغانستان وبحسب ذا إكسبرس تريبيون فإن الوفد الباكستاني قدم لنظيره الأفغاني مسودة اقتراح شامل مفصل تعمل قيادة حركة طالبان حاليا على مراجعته كما أعادت إسلام أباد تأكيد موقفها الصارم من الجماعات الإرهابية بما فيها فتنة الخوارج في إشارة إلى طالبان باكستان ومنظمات مسلحة أخرى وقالت مصادر مطلعة على المسألة إن المفاوضات تهدف إلى إرساء توافق على آليات من شأنها أن تساعد على معالجة التحديات الأمنية عبر الحدود ومنه الأنشطة الإرهابية على أن تستكمل المحادثات خلال اليومين المقبلين أمس الأحد واليوم الاثنين في وقت يحاول فيه الطرفان التوافق على أرضية مشتركة بشأن المسائل الأمنية الأساسية العالقة وبحسب مصادر الصحيفة فإن باكستان قدمت خلال مفاوضات الدوحة السابقة أجندة بنقطة واحدة تقوم على تفكيك الشبكات الإرهابية الشعب الأفغاني مستاء جدا من الدولة العميقة في باكستان من جهته قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس الأحد إنه سيقوم بحل أزمة باكستان وأفغانستان سريعا جدا وقال ترامب على هامش قمة رابطة جنوب شرق آسيا آسيان في ماليزيا لقد سمعت أن باكستان وأفغانستان بدأتا المناقشات لكني سوف أحل هذا الأمر سريعا جدا اتفاق هش بين باكستان وأفغانستان وكان آصف قد أكد لوكالة رويترز يوم الاثنين الماضي أن بقاء الاتفاق بين باكستان وأفغانستان صامدا مرهون بقدرة حركة طالبان الأفغانية على كبح مسلحي طالبان باكستان عبر الحدود المشتركة ما قد يشير إلى هشاشة الاتفاق ومع صمود الاتفاق حتى الآن تطرح أسئلة عدة حول الأسباب التي دفعت إلى التصعيد أخيرا بين الطرفين وهو الأكبر منذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان في عام 2021 وسط تحليلات عدة تصب جميعها في خانة الاعتقاد بأن لإسلام أباد دوافع عدة من وراء التصعيد بعضها مرتبط بحسابات خارجية وبعضها الآخر بحسابات داخلية ما يتخطى خلافات الحدود بين باكستان وأفغانستان وهجمات المسلحين في الداخل الباكستاني وكان التصعيد بين باكستان وأفغانستان قد بلغ حد قصف الجيش الباكستاني العاصمة الأفغانية كابول أكثر من مرة قبل أن يتم احتواء الوضع من خلال هدنة مؤقتة مدتها 48 ساعة تبعتها محادثات في الدوحة ففي التاسع من أكتوبر الحالي نفذ سلاح الجو الباكستاني قصفا استهدف قلب كابول ويبدو أنه كان يستهدف قيادات في طالبان الباكستانية وتحديدا زعيم الحركة المفتي نور ولي محسود لكن طالبان نفت أن يكون الهدف صحيحا وأكدت مصادر استخبارية أفغانية لـالعربي الجديد حينها نجاة محسود وقيادي بارز في الحركة من قصف كابول الذي استهدف سيارة كانا يستقلانها وردا على القصف توعدت طالبان الأفغانية بالرد وشنت قواتها بعد يومين فقط هجوما شاملا على امتداد الحدود بين الدولتين مستهدفا قوات الجيش الباكستاني ما أسفر وفق الرواية الأفغانية عن مقتل 58 من عناصره وتحدثت إسلام أباد عن مقتل 23 فقط من جنودها ومع تفاقم التوتر العسكري بين الطرفين دخلت السعودية وقطر على خط محاولة التهدئة وهو ما لم ينجح بداية إلى أن أبرم التوافق بينهما على وقف إطلاق النار في الدوحة الذي أعلن عنه الأحد الماضي والذي يتضمن تعهد كل دولة باحترام سيادة الأخرى وفي خضم هذا التوتر طرح مراقبون في كابول وإسلام أباد تساؤلات حول الدوافع التي حذت بالجيش الباكستاني إلى قصف كابول رغم أن الهدف المعلن وهو زعيم طالبان الباكستانية نور ولي محسود لم يكن موجودا في العاصمة الأفغانية وهو عاد وظهر فعلا بعد أيام قليلة من القصف في 15 أكتوبر في مقاطعة خيبر القبلية الباكستانية ونفى زعيم طالبان الباكستانية في تسجيل مصور من خيبر حيث ينتشر الجيش الباكستاني بكثافة ويشن عمليات مسلحة واسعة في التسجيل وجوده أو استهدافه من سلاح الجو الباكستاني في كابول مؤكدا أن إسلام أباد تختلق الذرائع لشن هجوم على أفغانستان أو الانخراط في حرب معها كما أن من التساؤلات المطروحة سبب إصرار باكستان على استهداف طالبان الباكستانية داخل الأراضي الأفغانية علما أن الحركة تنفذ هجماتها في العمق الباكستاني وبعيدا كثيرا عن الحدود الأفغانية في بعض الأحيان وبأعداد كبيرة تثبت أن لها مراكز قوية داخل الأراضي الباكستانية وهنا يمكن ذكر أمثلة عدة ومنها هجمات عدة نفذها مسلحون خلال الأيام الأخيرة الماضية في مدينة بنو التي تبعد عن أقرب نقطة في الحدود الأفغانية 80 كيلومترا وكذلك في مدينة لكي مروت التي تبعد عن الحدود الأفغانية 120 كيلومترا وشارك فيها أكثر من 100 مقاتل ما أثار تساؤلات عن مجيء كل هؤلاء المقاتلين من أفغانستان وفي هذا السياق فإن الاعتقاد السائد في باكستان هو أن عناصر طالبان الباكستانية في الداخل الباكستاني هم بالآلاف ولهم مراكز عدة ولكن قيادة الحركة تقيم في أفغانستان وبالتالي فإن ما حصل يعتبر ردة فعل طبيعية وحق للجيش الباكستاني لأن حكومة طالبان لا تتعاون في القضاء على تلك القيادات وبهذا الشأن أوضح الإعلامي الباكستاني حسن خان في حديث لـالعربي الجديد أنه يوميا يقتل رجال وعناصر أمن وحتى ضباط باكستانيون بالعشرات وإسلام أباد ترسل الوفود واحدا تلو الآخر إلى كابول من أجل إقناع الحركة بالعمل ضد قيادات طالبان الباكستانية وضد كل من يعبث بأمن باكستان وهم في الداخل الأفغاني لكن كابول لا تحرك ساكنا وأضاف أنا لا أقول إنه لا يقع لوم على عاتق باكستان ولكني في الوقت ذاته لا أظن أن هناك خيارا آخر أمام باكستان سوى العمل المسلح ضد قادة الجماعات المسلحة التي تعبث بأمن البلاد حرب بالوكالة رغم ذلك إلا أن هناك في الداخل الباكستاني من يرى أسبابا أبعد من ذلك أدت إلى التصعيد من جانب إسلام أباد والجيش بقيادة عاصم منير إذ إن هناك اعتقادا أيضا بأن باكستان أصبحت تريد إضعاف طالبان الأفغانية أو حتى القضاء على حكومتها بعدما وجدت أن الحركة الأفغانية تغيرت تماما بعد عودتها للحكم وفي رأي هؤلاء فإن تطلعات الجيش الباكستاني تتناغم مع تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لـطالبان الأفغانية بعواقب سيئة إذا ما تمسكت برفض تسليم قاعدة باغرام العسكرية 50 كيلومترا شمال كابول لبلاده مؤكدين أن واشنطن أوكلت للجيش الباكستاني مهمة معاقبة طالبان هكذا يكون ما حصل تنفيذ لتهديد ترامب وفق هذا الاعتقاد يرى معلقون أن الحرب مع أفغانستان أصبحت حربا بالوكالة لصالح الولايات المتحدة التي تريد قاعدة باغرام وتعليقا على ذلك رأى الإعلامي الباكستاني عمران رياض خان في حديثه على قناته في يوتيوب يوم 14 أكتوبر الحالي أنه بالنظر إلى مجريات الأحداث فإننا نرى أن الجيش الباكستاني إلى جانب الحكومة يوليا مهمة جر طالبان الأفغانية إلى الحرب وذلك بعد زيارات متكررة لمسؤولين باكستانيين إلى واشنطن تحديدا قائد الجيش المشير عاصم منير وأشار خان إلى أن وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف أعلن قبل وقوع الأحداث وبعد تهديدات ترامب لأفغانستان أن هذه الدولة عدوة من دون أدنى شك وبرأيه فإن تلك التصريحات جاءت صادمة للجميع ولكنها كانت توحي بأن الجيش الباكستاني أصبح يتبنى سياسة جديدة ومن هنا وفق اعتباره فإن الحرب مع أفغانستان أصبحت حربا بالوكالة لصالح الولايات المتحدة هذا الكلام جاء مطابقا لما صدر عن الزعيم الديني الباكستاني المولوي فضل الرحمن وهو زعيم جمعية علماء الإسلام كبرى الأحزاب الدينية في باكستان إذ اعتبر في خطاب بمهرجان شعبي أقيم في منطقة ديره إسماعيل خان بإقليم خيبربختونخوا شمال غربي باكستان في 17 أكتوبر أن ما يقوم به الجيش الباكستاني حيال أفغانستان في الوقت الحالي هو سعي للانخراط في الحرب بالوكالة لصالح أميركا ودول أخرى كما فعل الجيش نفسه في عام 2001 بقيادة الرئيس العسكري السابق برويز مشرف من خلال الانضمام للتحالف الأميركي موضحا أن الجيش الباكستاني يرى المسلحين في أفغانستان ولكنه لا يراهم داخل الأراضي الباكستانية بعيدا عن الحدود الأفغانية بمئات الكيلومترات وهذا منطق عجيب لا يمكن تقبله كما أكد المولوي فضل الرحمن أن الأحزاب الدينية وقفت في وجه الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف إبان الانضمام إلى التحالف الأميركي ضد طالبان في عام 2001 وقالت له إنك تكذب فهذه الحرب ليست من أجل باكستان بل من أجل أميركا واليوم تابع المولوي فضل الرحمن نقول للجيش الكلام ذاته فما يحدث مع أفغانستان تكرار لما حدث معها في عام 2001 العامل الهندي ثمة من يرى أن العامل الرئيسي الذي تفجر بسببه التصعيد الأخير بين باكستان وأفغانستان خلال شهر أكتوبر الحالي هو تحسن العلاقات بين الهند وأفغانستان وخصوصا زيارة وزير الخارجية الأفغاني المولوي أمير خان متقي إلى الهند التي بدأها في 9 أكتوبر واستغرقت ستة أيام وأكد خلالها أن إسلام أباد فشلت في التصدي لقضاياها وبالتالي فإنها تلقي الاتهامات على بلاده ولاقت زيارة متقي حفاوة كبيرة في الهند سواء على المستوى السياسي أو الشعبي لكن باكستان اعتبرتها ضربة قوية لعمقها الإستراتيجي والذي من أجله عملت إسلام أباد لأكثر من أربعة عقود لذا منذ الإعلان عن زيارة أمير خان متقي إلى نيودلهي تغير أسلوب المسؤولين الباكستانيين لدى الحديث عن حكومة طالبان وصولا إلى حد اعتبارها حكومة متواطئة مع الهند وفي هذا الشأن قال رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ووزير الدفاع خواجة آصف في 16 أكتوبر إن كابول تلعب الآن في ملعب الهند متهمين حركتي طالبان الأفغانية والباكستانية بتنفيذ الأجندة الهندية حيال باكستان محمد أياز خان طالبان بطبيعتها لا يمكن أن تعمل من أجل أجندة هندية وتعليقا على ذلك رأى المحلل الأمني الباكستاني اللواء المتقاعد محمد أياز خان في حديث لـالعربي الجديد أنه إذا كنا واقعيين فإن ما يقوله رئيس الوزراء ووزير الدفاع فيه غلو لأن طالبان بطبيعتها لا يمكن أن تعمل من أجل أجندة هندية ولكن تعاملها مع إسلام أباد بالشكل الذي هو عليه وتقاربها مع نيودلهي أغضب باكستان لأن أفغاستان تعد منذ أربعة عقود العمق الاستراتيجي لباكستان في المنطقة والذي لا يمكن لإسلام أباد التخلي عنه أبدا وأوضح اللواء المتقاعد أن صناع القرار في إسلام أباد يدركون خطورة التقارب بين الهند وأفغانستان وثمة مشاكل بين باكستان وأفغانستان لها جذور تاريخية مثل خط ديورند الحدود التي رسمها الاستعمار بين البلدين كما أن الشعب الأفغاني مستاء جدا وفق تعبيره من الدولة العميقة في باكستان ويقود كل ذلك برأيه إلى بروز خشية من أن الهند قد تستغل كل هذه الخلافات لتنتقم من باكستان وأوضح الخبير الأمني الباكستاني أنه من هنا فإنه لا الجيش ولا الاستخبارات في باكستان يسمحان بحصول تقارب أفغاني هندي موضحا أن هذا هو العامل الأساسي لكن بحسب اللواء المتقاعد فإن إسلام أباد لم تكن تريد لتصعيدها أن يصل إلى هذا الحد وفق اعتباره إذ إنه عندما قصف سلاح الجو كابول كان هناك اعتقاد بأن طالبان سترد بشكل خفيف لكن ما فعلته القوات الأفغانية وفق تعبيره أدهش الجميع فقد قتل عشرات الجنود الباكستانيين على يدها ما أرغم باكستان على المضي قدما في التفاوض تغطية على ملفات داخلية ثمة اعتقاد ثالث وهو أن باكستان ترغب من وراء تصعيدها خلط الأوراق في الداخل وجذب أنظار الشعب بعيدا عن الملفات الداخلية المتأزمة فالشعب الباكستاني منقسم جدا اليوم بسبب تدخل الجيش في الشؤون السياسية وإبقاء رئيس الوزراء السابق عمران خان مسجونا فضلا عن أزمة الغلاء والتضخم من هنا كان النزاع مع أفغانستان هدفه استعادة اللحمة الوطنية واعتبر السفير الأفغاني السابق في باكستان مولوي عبد السلام ضعيف في تصريح صحافي في 14 أكتوبر أن إسلام أباد كانت تحاول فقط أن تخفي فشل مؤسساتها في مواجهات الملفات الداخلية خصوصا الأمنية عبر قصف أفغانستان لكنها لم تعتقد أن رد طالبان سيكون بهذا الحجم وأن قيادة الحركة الأفغانية ستأخذ الأمور على هذا القدر من الجد وأضاف الآن أصبحت القيادة الباكستانية تعلم أنها أخطأت جدا وهي ليس بمقدورها تحمل حرب من هذا النوع أبدا وبالتالي آمل ألا يستمر الأمر بهذا الشكل وأن تعيد إسلام أباد النظر في سياساتها حيال أفغانستان أما الأكاديمي الأفغاني سميع الله أصف زوي فرأى في حديث لـالعربي الجديد أنه يمكن أن تكون كل هذه الدوافع معا هي ما جعلت باكستان تصعد الصراع مع أفغانستان فالملف الداخلي يمكن أن يكون له نصيب وكذلك تناغم الأهداف الباكستانية الأميركية لكن الأهم برأيه هو العامل الهندي فزيارة المولوي أمير خان متقي فجرت الغضب مذكرا بأن القصف على كابول حصل أثناء وجود متقي في العاصمة الهندية وأوضح أن إسلام أباد تعمل كل ما في وسعها للحد من النفوذ الهندي في كابول ولكن عليها أن تعي أن أفغانستان دولة ذات سيادة يحق لها أن ترتب علاقتها مع أي دولة تشاء وفي أي وقت وفي أي مستوى ويجب أن يكون المهم هو أن تكون لإسلام أباد علاقات متينة مع كابول بغض النظر عن علاقات كابول مع عواصم أخرى