شهد لبنان في الأيام القليلة الماضية تصاعدا ملحوظا في الاختراقات الإسرائيلية بالتزامن مع التدريبات التي أجراها جيش الاحتلال قرب الحدود اللبنانية لمحاكاة أي مواجهة على الجبهة الشمالية لكن هذه المحاكاة تخطت حدود افتراض الخطر لتصل إلى حدود استجرار أخطار سواء عبر الغارات الوهمية فوق العاصمة اللبنانية بيروت وضاحيتها الجنوبية أو عبر تكثيف الغارات في الجنوب والبقاع والتي وصلت أمس إلى شن أكثر من عشرين غارة على مواقع قالت دولة الاحتلال إنها مراكز تدريب ومصانع أسلحة في الشرق اللبناني لم يكن هذا التصعيد مفاجئا كثيرا بل كان متوقعا منذ سبتمبر أيلول الماضي مع انتهاء المهلة الأميركية التي أعطيت للحكومة اللبنانية لوضع خطة لنزع سلاح حزب الله كان الرهان الأميركي والإسرائيلي أن تفشل الحكومة اللبنانية في وضع مثل هذه الخطة إلا أن الحكومة نجحت في كسب بعض الوقت وكلفت الجيش إعداد الخطة وهو ما فعله الأخير لكن هذا الوقت المكتسب يبدو في طريقه إلى النفاد خصوصا أن أي خطوات تنفيذية لم ترفق بالخطة التي صادقت عليها الحكومة وبقيت حبرا على ورق وهو أمر مفهوم بالنظر إلى المخاطر التي قد تحملها أي محاولة من الجيش اللبناني لاقتحام مراكز تابعة لحزب الله تحت ذريعة نزع السلاح ولا تقف هذه المخاطر عند حدود اندلاع حرب أهلية بين الحزب والقوى الأمنية النظامية بل تحمل بذور انشقاق داخل هذه القوى والتي ينتمي كثير من أبنائها إلى البيئة الحاضنة لحزب الله هذا الانشقاق اختبره لبنان في سنوات الحرب الأهلية 1975 1990 إذ كان في بعض المراحل جيشان وحكومتان ووسائل إعلامية حكومية مختلفة ومتناحرة والأمر من الممكن أن يتكرر في هذه المرحلة أيضا لأن أرضية الانشقاق جاهزة وهي بحاجة فقط إلى تحفيز ودعم خارجي وهو أمر ليس بعيدا أيضا ورغم أن الأمر لا يزال غير مطروح إلا أن السيناريوهات الماثلة أمام لبنان اليوم لا تحمل أي مؤشرات تفاؤلية للمستقبل خصوصا بعد تصريحات المبعوث الأميركي للبنان وسورية توم براك أخيرا ووضع فيها لبنان عمليا بين واحد من خيارين وحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية التلكؤ في تحقيق الشروط الأميركية ملوحا بإمكان اندلاع مواجهة جديدة مع إسرائيل بغطاء أميركي كامل هذا الأمر عمليا ووفقا لمسار الأوضاع في الأيام الماضية في طريقه إلى الحدوث خصوصا في حال نفذ حزب الله تهديداته بالرد على التصعيد الإسرائيلي والذي كانت أخطره غارات أمس الترقب الآن سيد الموقف في لبنان والاستعداد للأسوأ هو حال اللبنانيين لا تشير التوقعات اليوم إلى أن الحزب سيلجأ إلى التصعيد فرغم مباهاته بإعادة ترميم قدراته العسكرية وهو أمر غير مؤكد إلا أن من المستبعد أن يجازف بتعريض بيئته بالدرجة الأولى واللبنانيين عموما إلى مخاطر تهجير وتدمير في وقت لم يعد فيه مهجرون كثيرون إلى بيوتهم التي غادروها خلال حرب العام الماضي فيما لا يزال كثيرون بلا بيوت في ظل عدم انطلاق ورشة إعادة الإعمار رغم ذلك لا تنتظر إسرائيل رد فعل حزب الله للتحرك لا سيما أنها اليوم تتبنى فكرة الحروب الاستباقية بعد عملية طوفان الأقصى قبل عامين وهو ما تفعله في لبنان وفي سورية والعراق وحتى اليمن وبالتالي من غير المستبعد أن تفتح دولة الاحتلال الجبهة اللبنانية في أي وقت بعد أن تطمئن إلى سريان وقف إطلاق النار على جبهة غزة وإذا كان هذا الخيار الأول الذي وضعه براك أمام الحكومة اللبنانية فإن الخيار الثاني لا يقل سوءا وهو ترك لبنان لنفسه وحل مشكلاته ما يعني وقف الدعم المادي والسياسي عن الدولة اللبنانية وربما فرض عقوبات اقتصادية تطاول مؤسسات الدولة مع ما يعني ذلك من دمار اقتصادي في بلد يعيش على حافة الإفلاس ويقتات على المعونات الخارجية ومثل هذا الوضع أيضا سيقود إلى احتجاجات داخلية قد تصل إلى حدود المواجهات التي لا يستبعد أن تقود إلى حرب أهلية الخياران أمام لبنان اليوم يضعان البلد على شفير الانهيار والإنقاذ يحتاج إلى معجزة لا أفق لحدوثها