توقفت الحرب الوحشية على قطاع غزة وهو إنجاز يتيح للغزيين تفقد حيواتهم محاولين استعادتها لقد كشفت مجددا الحرب ووحشيتها إجرام إسرائيل في حق الفلسطينيين وحتى ذريعة الدفاع عن النفس سرعان ما سقطت فالدفاع عن النفس يجب أن يتناسب مع الفعل بحسب القانون الدولي لا أن يتحول إبادة جماعية لذلك اعتبرت محكمة الجنايات الدولية ما جرى في القطاع جرائم حرب وأصدرت مذكرات توقيف بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت وباتا مطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية سيكشف توقف الحرب أبعادا أكبر لجرائم الحرب الإسرائيلية في القطاع لأن إسرائيل حرصت طوال فترة الحرب على منع الطواقم الصحافية الأجنبية من تغطية جرائمها وبعد توقف الحرب التي استخدم فيها الجيش الإسرائيلي أدوات القتل والإذلال والتجويع والتهجير كلها المرة بعد الأخرى بحق سكان القطاع يفترض أن يتدفق الصحافيون لتغطية هذه الجريمة وأبعادها المهولة توقف الحرب سيكشف حجم المأساة بعدما منعت إسرائيل الصحافة العالمية من تغطية جرائمها في غزة ليس هناك أي ضمانة لالتزام إسرائيل وقف الحرب فتجارب المفاوضات الفلسطينية معها تقول إنها دائما تسوف وتساوم وتعيد طرح القضايا والتفاصيل بأشكال مختلفة حتى لا تخرج المفاوضات بنتيجة وحتى عندما تكون النتيجة لا تناسبها تعمل في تآكل أي اتفاق وتخريبه وادعاء أن الطرف الآخر هو الذي سبب فشل الاتفاق أو أخل به وسياسة تغريق أي مفاوضات في التفاصيل والتسويف والمساومات التي لا يمكن للطرف الآخر قبولها أشد ما نراه في تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين وذلك يعود إلى النظرة الإسرائيلية للمسألة الفلسطينية التي تختلف عن نظرتها إلى الصراع مع الدول العربية الأخرى لطالما نظرت إسرائيل إلى الدول العربية أعداء يمكن التوصل معهم إلى تسويات بشأن القضايا المختلف عليها خصوصا قضايا الحدود مع الدول التي تحتل إسرائيل أراضيها فرغم المساومات والتسويف في مفاوضاتها مع مصر في كامب ديفيد توصلت إسرائيل في النهاية إلى اتفاقية سلام مع مصر 1979 وانسحبت من الأراضي المصرية مع بعض الترتيبات الأمنية في سيناء وكذلك الحال مع الأردن واتفاقية وادي عربة 1994 التي انتهت بتأجير أراض لإسرائيل حتى مسار المفاوضات السوري الذي واجه تعقيدات كبيرة بحكم طبيعة أراضي الجولان المحتلة سواء بالمعنى العسكري وأهميتها الاستراتيجية لوجود أعلى مرتفعات المنطقة فيها وقدرتها على كشف مسافات بعيدة في الأراضي السورية أو أهميتها المائية بوصف هضبة الجولان الخزان والمصدر الرئيس للمياه الإسرائيلية رغم ذلك كله وصلت المفاوضات إلى مكان متقدم لم يكن الانسحاب من الجولان عقبة نهائية لهذا المسار وقد احتوت وديعة رابين تعهدا بانسحاب من الجولان مع ترتيبات أمنية لكن المفاوضات لم تستمر بسبب اغتيال إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق كذلك لبنان وبعد فشل قمة جنيف بين حافظ الأسد وبيل كلينتون في العام 2000 قرر أيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها الانسحاب من طرف واحد من لبنان وكلفت الأمم المتحدة ترسيم الخط الأزرق بين البلدين لا نستدعي هذه الأحداث بوصفها قضايا بسيطة بل معقدة استلزمت كثيرا من الوقت سواء تلك التي نجحت في الوصول إلى اتفاقات أو تلك التي فشلت واحتاجت إلى التعامل بصبر مع التسويف والمماطلة الإسرائيلية حتى من الراعي الأميركي الراعي الوحيد للمفاوضات التي نجحت مع دول عربية للمشكلة مع الفلسطينيين مكانة أخرى عند إسرائيل فهي ليست صراعا يمكن التوصل إلى تسوية حدودية للوصول إلى اتفاقية سلام مع الفلسطينيين كما هو الحال مع الدول العربية العلاقة مع الفلسطينيين وشكل الحل السياسي معهم أكثر من قضية أمنية وحدودية تحل بانسحابات وترتيبات أمنية مع الطرف الآخر بل هي قضية داخلية إسرائيلية ومعنى أنها قضية داخلية أن إسرائيل لا يمكنها مغادرتها كما يتم مغادرة أراضي دولة عربية محتلة وبالعودة إلى اتفاق أوسلو 1993 الذي وقعته إسرائيل مع منظمة التحرير نرى أنه صمم بتقسيم المناطق إلى أ وب وج للتخلص من حكم إسرائيل للسكان الفلسطينيين فالمنطقة أ التي للسلطة الفلسطينية فيها حق السيطرة المدنية والأمنية التي لا تتجاوز 18 من أراضي الضفة فيها حوالي 80 من الفلسطينيين في الضفة الغربية اتفاق أوسلو الانتقالي خمس سنوات لم يمض إلى حل نهائي مع الفلسطينيين بفعل التسويف والمماطلة والتخريب الإسرائيلي فحسب بل أخذت إسرائيل تقضم حتى الحل الانتقالي ومناطق سيطرة السلطة الفلسطينية فاختزلته في سلطة تنسيق أمني مع إسرائيل ونسي الحل النهائي القضية الفلسطينية بالنسبة إلى إسرائيل ليست صراعا خارجيا بل قضية داخلية تمس طبيعة الدولة اليهودية نفسها لا مبالغة في القول إننا وصلنا إلى هذه الحالة من فشل عملية السلام في المنطقة لأن إسرائيل غير قادرة على الوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين والاعتراف بهم وبحقهم في إقامة دولة يقررون فيها مصيرهم لأن إسرائيل ترى المسألة مع الفلسطينيين تمر عبر المتطلبات الإسرائيلية وفي رأسها الأمنية وعندما أراد أرييل شارون تبرير انسحابه الأحادي من قطاع غزة في العام 2005 قال إنه عندما يكون الخيار بين ديمقراطية إسرائيل والدولة اليهودية الكاملة فسنختار الدولة نحن اليوم أمام نخبة إسرائيلية يمينية ويمينية متطرفة تحكم فضلت الدولة اليهودية على ديمقراطيتها ويعود هذا الخيار إلى ما قبل 7 أكتوبر 2023 عندما أرادت حكومة نتنياهو تعديل القانون بشأن المحكمة العليا ما سبب مظاهرات إسرائيلية اعتبرت ذلك اعتداء على ديمقراطية الدولة وهذه النخبة لا تريد أي حل مع الفلسطينيين لا دولة ولا حكم ذاتي إنما تعمل في ضم الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين من قطاع غزة ومن الضفة الغربية أيضا اليوم يعمل بنيامين نتنياهو وحكومته على استعادة الأسرى وما إن يصبحوا في إسرائيل حتى نرى تسويفا ومماطلة وأكاذيب لا تنتهي للتنصل مما يتبقى من بنود اتفاق وقف الحرب هذه إسرائيل التي ترى في كل تفصيل فلسطيني تهديدا وجوديا