تتبدى أعمال الفنان المغربي عبد الكريم الوزاني في معرضه التكريمي الذي يختتم اليوم الأحد في رواق مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بمدينة أصيلة كأنها كائنات خرجت من حلم طويل لتستعرض حضورها مخلوقات حية تملأ الفضاء بخفة وصرامة في آن nbsp لا نرى في المعرض الذي افتتح في اليوم الخامس من الشهر الجاري ضمن nbsp موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ46 اللوحة بمعزل عن المنحوتة ولا الشكل مفصولا عن اللون ولا اللعب عن الجد في سياق الاحتفاء بمسار يمتد إلى أكثر من نصف قرن كل شيء يتجاور في انسجام طفولي عميق وكأن الفنان يضع المتلقي في قلب ورشته الأولى حيث الخيال وحده هو القانون وفي جملة تختصر فلسفته الجمالية يقول الفنان للعربي الجديد أنا لا أنحت بل أجسد رسوماتي لأمنحها أكثر من بعد بهذه البساطة الماكرة ينسف الفنان الحواجز بين المدارس والتقنيات ويعيد تعريف فعل الإبداع باعتباره مغامرة حرة في المادة والفراغ في أعماله لا وجود لمركز ثابت ولا لتقنيات مهيمنة فكل خط يمكن أن يصبح هيكلا وكل لون قد يتحول إلى جسد نابض اللوحات المعلقة على الجدران بألوانها البكر وخطوطها الصافية تحاور المنحوتات الواقفة على الأرض كما لو كانت انعكاسا لها يقام المعرض في سياق الاحتفاء بمسار يمتد إلى أكثر من نصف قرن العين تنتقل بين الاثنين من دون أن تشعر بقطيعة فكل عمل يبدو امتدادا لآخر في تداخل يحول المعرض إلى فضاء مفتوح يتنفس بين المنحوتات المعروضة تتقدم ماعز وحين يقترب الزائر منها تلوح تفاصيلها البسيطة رأس مائل قدمان نحيلتان وضرع مطعم بلون أخضر فاتح وديع الملامح على المادة الأصل أردت أن تظل المادة مكشوفة للمتلقي لا أحجبها تماما ففي الظاهر ما يشي بجوهر الأشياء يقول الوزاني خلف هذا الشكل الظاهري تختبئ قصة طفولة طازجة كما يرويها الفنان نفسه وهو يتجول في القاعة في طنجة قبل عقود في بيت جدته لأمه بمدينة طنجة كان يترقب صوت جرس بائع الحليب الإسباني الذي كان يجوب الأزقة صباحا تقوده خمس عنزات حلوبة كلما رن الجرس خرج الناس من بيوتهم بأوانيهم الصغيرة ليحلب الحليب مباشرة من الضرع إلى الإناء ذلك المشهد البسيط ظل راسخا في ذاكرته حتى عاد اليوم في هيئة منحوتة تعيد الإنسان إلى لحظة نادرة من الصفاء في زمن كان فيه الحليب يقاس بالثقة لا بالثمن منحوتات الوزاني وألوانه الزاهية قد توهم الزائر بأنها لعبة بصرية لكنها سرعان ما تكشف عن جد دفين في قلب الملهاة فالهزل عنده ليس سخرية بقدر ما هو فلسفة نظر إلى العالم ولهذا تطل الكائنات الغريبة في أعماله التي قد تمثل زرافة ذات مروحة أو طائرا ذا عيون دائرية ضخمة ورموزا لفرح متيقظ يحرسه وعي دقيق بالخط واللون والتكوين ومن بين الأعمال الأكثر تميزا في المعرض تبرز لوحة قديمة على جذع شجرة أقدم قطعة يتضمنها المعرض تعود إلى عام 1980 الجذع لم يكن سطحا وإنما هو شريك في التكوين في أسفله يظهر كائن طفولي بملامح بريئة ويد مرفوعة كأنه خارج من جوف الأرض وفي أعلاه ظل غامض لحيوان أسطوري يراقب ويرافق وقد يحذر اللون فيه ليس تجميلا بقدر ما هو نظام رمزي الأزرق روح الأسود ارتباط بالأرض والبني دفء المادة الأم هكذا يتحول الجذع إلى سردية منقوشة تجمع بين أساطير الطفولة والتأمل الوجودي الألوان في أعماله ليست مجرد زينة يصفها في حديثه للعربي الجديد إنها قيم وجودية الأحمر حياة والأخضر خصوبة والأزرق حلم والأصفر إشراق إنساني لا نريده أن يغيب حتى المواد الخشنة التي يصنع منها منحوتاته تخضع لنعومة داخلية تحول الصلابة إلى دفء وتبقي على أثر اليد التي لامستها كما لو أنها تريد أن تلفت الانتباه إلى أن الفن لا ينتج في المعمل وإنما يستمد من الحياة كل أعمال المعرض ليست للبيع بل تضم قطعا بقيت من معارض سابقة احتفظ بها الفنان لنفسه جزءا من إرثه الشخصي وعائلته لا يروي الوزاني سيرته الذاتية وإنما باعتباره صوتا يذكر بما نسيه عالم اليوم بساطة العيش ودفء الجيرة وخفة الأشياء الأولى