احتجاجات جيل Z في المغرب ودوافعها الثقافية

٤ مشاهدات
سبق لعالم الاجتماع المغربي عبد الرحمن رشيق أن استعرض في كتابه المجتمع ضد الدولة الحركات الاجتماعية واستراتيجية الشارع بالمغرب التحولات التي طرأت على ثقافة الاحتجاج في المغرب وكيف أصبح الاحتجاج جزءا من الثقافة السياسية والاجتماعية إذ اتخذ في السابق إطارا مؤسساتيا لكنه الآن يعمل خارج الإطار المؤسساتي بل خارج التنظيمات المؤسساتية مما يعكس أزمة كبيرة في الوساطة السياسية في ظل متغير جديد وحاسم في أدوات التعبير عن المواطنة لدى جيل Z وبخلاف ما أبدعته الأجيال السابقة من تعبيرات ثقافية كشف جيل Z في المغرب من خلال حركته الاحتجاجية التي تتنامى منذ أيام عن بداية مرحلة ثقافية غير مسبوقة إذ لم تعد الثقافة محصورة في المدارس أو المكتبات أو المسارح أو قاعات العروض بل تقيم بالدرجة الأولى في الميتافيرس الذي يتيح تجربة حضورية مغايرة تشمل الإبداع الرقمي والمنصات الاجتماعية والألعاب التفاعلية والفيديوهات القصيرة كما أن وسائل التعبئة مختلفة تمام الاختلاف عن أشكال الاحتجاج السابقة من حيث التنسيق اللوجيستيكي وبناء القواعد كما تشير إلى ذلك عالمة الاجتماع الأميركية من أصول تركية زينب توفيكجي في كتابها تويتر والغاز المسيل للدموع قوة الاحتجاج الشبكي وهشاشته إذ توضح كيف غيرت الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي طبيعة التعبئة السياسية والاجتماعية في العالم وكيف انتقل بناء القواعد من مقرات الأحزاب والنقابات ووسائل الإعلام التقليدية الصحف والمجلات إلى الأدوات الرقمية مما منح هذه الحركات قوة غير مسبوقة للتعبئة والانتشار الثقافة لم تعد محتوى يستهلك بل فضاء يصنع ويبدع فيه لقد شكلت التجربة الحضورية المزدوجة التي خاضها شباب جيل Z بطابعها الحر والانضباطي جسدا ودعاية رقمية التطبيقات المخفية والمحصنة ومنصات التواصل الاجتماعي الخلفية التي ينمو فيها وعي الشباب وتؤثر في تصورهم للسلطة والرغبة في التعلم والمعرفة في استقلال تام عن العلب الثقافية القائمة وبتحيز شامل لـالعيش في اللحظة بعيدا عن التأملات الفكرية النسقية هذا ما سبق للاختصاصية الفرنسية في علم النفس التربوي بريجيت بروت أن استعرضته في كتابها الجيل Z تحرير الرغبة في التعلم إذ أوضحت أن هذا يحتاج إلى سلطة موثوقة لا تفرض عليه قوانينها دون شرح أو تبرير ويحتاج إلى سلطة جديدة تكون شرعية واضحة ومصحوبة بإطار يتيح له الفهم والمشاركة إنه وفق بروت لا يرفض السلطة في جوهرها بل يرفض السلطة التي تمارس عليهم دون احترام لعقولهم وحاجاتهم وكرامتهم وبمعنى آخر إنهم يطالبون بالمشاركة في القرار يفرض هذا التشخيص علينا الالتفات إلى الترابط الذي أقامه الفيلسوف ميشيل فوكو بين السلطة والمعرفة فالسلطة ليست مجرد مركز هرمي يرتبط بما يمكن أن نسميه الشبكة الإدارية للسلطة بل هي في العمق شبكة من الترابطات المتغلغلة في تفاصيل الحياة اليومية من المدرسة إلى الأسرة إلى وسائل الإعلام وهي كلها أجهزة للانضباط تراقب الأجساد والعقول وهذا ما يسعى جيل Z إلى تعديله أي إلى إعادة النظر في العلاقة التي تفرضها السلطة لتتحول إلى علاقة تشاركية تتيح للشباب أن يفهموا السبب وراء بناء القواعد وأن يشاركوا في عملية التعلم بفاعلية بحسب ما تورده بروت في كتابها السالف الذكر يسعى الجيل لعالم كوني يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية بمعنى آخر لم تعد السلطة مركزية أو قسرية لأن الجيل الذي خرج إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والتطبيب والتعليم ومحاربة الفساد يرفض التلقين الأعمى ويريد أن يكون شريكا في صناعة المعرفة دون أن يضع نفسه في أي قالب حزبي أو مجموعة أيديولوجية إنه جيل يقع خارج أي تماسك هوياتي لأنه قادم من كتلة مظلمة من التنوع والاختلاف وينتج خطابات ثقافية تسائل السلطة التقليدية الدين الأسرة المدرسة الدولة دون أن يرفضها بالمطلق وإذا كانت المنظرة السياسية حنة أرندت ترى أن الثقافة عالم مشترك ينقل من جيل إلى جيل فإن الخطر الذي يواجه جيل Z وفقا لتنبيهات بروت هو العيش في اللحظة الراهنة واستهلاك ما تتيحه الفضاءات الافتراضية وهو ما قد يؤدي إلى فقدان الصلة بالذاكرة الجماعية والقيم المشتركة أي بما يشكل رابطا بينهم وبين الأجيال السابقة الموروث التاريخ المتخيل الجماعي خاصة أن هذا الجيل يكتفي على نحو واسع بتعبيرات تربطه بأبناء زمنه في كل مكان الموسيقى العالمية ألعاب الفيديو العلامات التجارية تقليعات الموضة إلخ لهذا السبب بالذات يتفاعل مع الأنظمة الاجتماعية والثقافية التي تتيح له الانتماء إلى العصر ومن هنا يصبح ربط الرغبة في التعلم بالبعد الثقافي مسألة ذات أهمية قصوى ما دام الإطار الذي يسمح للشباب بالانتماء والتفاعل هو إطار الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية في نموذجها الغربي وبهذا المعنى فإن هذا الجيل لا يسعى إلى الانتماء إلى العالم المشترك بحدوده الجغرافية والسياسية والثقافية بل يتجه إلى الانتماء إلى عالم كوني يستهلكه في المنصات الاجتماعية تبعا لذلك فإن جيل Z يسعى في محيطه الرقمي إلى فتح أفق ثالث تعكسه فلسفة جيل دولوز الذي يرى أن الرغبة قوة مبدعة تفتح مسارات جديدة فيما المؤسسات الثقافية القائمة مجرد آلات لكبت هذه الرغبة عبر التلقين والامتحانات والروتين ولهذا يمكن تحويل التعلم إلى خطوط هروب مثلما يفعل جيل Z الذي نجح في تحويل الثقافة الرقمية إلى مسرح للإبداع المتواصل من الميمات إلى الألعاب من الموسيقى إلى الفنون البصرية إلى درجة أن التعلم أصبح اختبارا ثقافيا متواصلا يعمل على صناعة المعنى من حوله بمنأى عن السلطة التربوية والثقافية التقليدية في نهاية المطاف يمكن القول إن كتاب بريجيت بروت يطرح تحولا مفصليا في العلاقة بين السلطة والثقافة وهو تحول قائم على تغيير الوظائف إذ تتحول السلطة من آلة للقولبة والضبط إلى قوة إنسانية كما تتحول الثقافة من محتوى قادم من أعلى وموجه للاستهلاك العام إلى فضاء للإبداع والحرية والاختلاف

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم