لا أحد يستحق جائزة نوبل للسلام في نظر دونالد ترامب غير دونالد ترامب قال ذلك مرارا وتكرارا وأعاد قوله يوم الثلاثاء 30 سبتمبر أيلول أمام حشد من كبار الضباط مضيفا أنه وضع حدا لست حروب في ستة أشهر وأن عدم منحه هذه الجائزة سيكون إهانة كبرى لبلاده ترامب الذي بنى حملاته الانتخابية على خطاب الكراهية ورفع شعار الجدار العازل وفرض العقوبات على شعوب بأكملها وبات شريك حرب الإبادة في غزة قرر فجأة أن ينصب نفسه حمامة سلام وأن يضع اسمه في القائمة نفسها التي تضم مقاومين من أجل الحرية والكرامة وإنسانية الإنسان مثل نيلسون مانديلا أو الأم تيريزا السؤال الآن لماذا ظل ترامب كل هذا الوقت يلاحق جائزة نوبل للسلام كما يلاحق طفل بالونا طائرا إنه يلهث وراءها منذ سنوات كأنها خاتم سليمان الذي سيخول له الجلوس على عرش التاريخ وهو ما أدركه نتنياهو حق الإدراك لذلك اغتنم فرصة عشاء في البيت الأبيض لـيفاجئ مضيفه بهديته المذهلة رسالة ترشيحه لـنوبل مشهد أقرب إلى عرض زواج بين اثنين مطاردين بالمحاكم والفضائح وبالطبع ذاب ترامب تأثرا وتذاوب المحيطون به نفاقا ديبلوماسيا قد يرجع هوس الرجل بهذه الجائزة إلى عطش مرضي للاعتراف الخارجي فهو يزين نوادي الغولف بصور مجلات مزيفة تظهره شخصية العام كما لو كان طفلا يعلق رسوماته على ثلاجة أمه وقد يعود تعلقه بهذه الجائزة إلى عقدة أوباما خصمه الأبدي الذي حصل عليها عام 2009 بمجرد أن جلس على كرسي الرئاسة ترامب لم يهضم الإهانة قط ولعله صار مقتنعا منذ ذلك اليوم بأن نوبل تدين له بجائزة على الأقل للتعويض ولعله في النهاية مجنون آخر من مجانين العظمة يريد أن ينحت وجهه على جبل راشمور ولعله يدرك في قرارة نفسه أن القوة تصنع السلطة لكن الصورة تصنع التاريخ لذلك يغرق العالم بالصور صوره مع الأطفال صوره مع النساء صوره وهو يزرع شجرة وغدا صورته وهو يتسلم الجائزة وحين تتراكم هذه الصور في الإعلام تذوب الحقيقة تحت ركام الدعاية والحق أن جائزة نوبل للسلام مسؤولة بعض الشيء عما يحدث لها لقد حصل عليها هنري كيسنجر مهندس الانقلابات والحروب في فيتنام وتشيلي وكمبوديا بحجة دوره في محادثات السلام وحصل عليها مناحيم بيغن الرجل الذي قاد عصابة الأرغون المتورطة في مذابح ضد الفلسطينيين والواقع أن النفاق الدولي هو الذي يمنح ترامب جرأته اليوم لماذا لا يطلب نوبل وهو يرى أن كيسنجر نالها لماذا لا يطمح إليها وهو يرى من وقف على منصتها إنه منطق الصفقات كل شيء قابل للابتزاز خصوصا السلام لم يسبق للبشرية أن عرفت تسفيلا بالقدر الذي تعرفه اليوم كانت الجرائم في الماضي تتخفى وتتكتم وترتكب من وراء حجب وستائر وذرائع أما اليوم فقد صارت ترتكب على مرأى ومسمع وصار بإمكان مرتكبها أن يوظف شركات العلاقات العامة وأن يصمم حملة إعلانية لتبييضه على المباشر ولعل نتنياهو وترامب بطلان أولمبيان في هذا المجال يبيد الأول شعبا بأكمله ويقول من دون أن يرف له جفن إنه صاحب أفضل جيش أخلاقي في العالم وينسحب الثاني من اتفاقيات المناخ ثم يقول إنه يحمي البيئة هل يمكن لشخص بهذه الصفات أن يحصل على جائزة نوبل للسلام يستبعد ذلك لكن الأمر يبقى فرضية حتى آخر لحظة علما أن لجنة نوبل تلقت 338 ترشيحا لعام 2025 وستبقى القائمة سرية 50 عاما أين الحروب الست التي وضع ترامب حدا لها لا أحد يعرف لكننا نستطيع أن نتوقع اشتعال مزيد من الحروب بفضل حنكته السياسية الباهرة ولا يذهبن الظن ببعضهم إلى أن الرجل ليس على علم بأن الترشح إلى نوبل لا يتم بشكل مباشر بل يتم عبر ترشيح من طرف آخر رئيس دولة وزير نائب برلماني أو حتى أحد الحاصلين على الجائزة سابقا كما أن على المرشح أن يكون قد كرس حياته للسلام وقد رأينا أنه استوفى الشرط الأول بفضل المنافقين أما إذا كان الشرط الثاني لا ينطبق عليه فالأمر سهل الرجل صاحب نظرية السلام بالقوة فلماذا لا يحصل على نوبل للسلام بالقوة