يشهد ملف الدين العام في العراق خلال عام 2025 تصاعدا مثيرا للجدل وسط نقاشات حادة بين الحكومة والمختصين بشأن المخاطر المحتملة لما يصفه البعض بـإغراق العراق في الديون في ظل بيئة اقتصادية أحادية يطغى عليها تذبذب أسعار النفط وضعف الإيرادات غير النفطية وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي العراقي إلى أن حجم الدين الداخلي بلغ في نهاية حزيران يونيو الماضي نحو 87 تريليونا و748 مليار دينار قبل أن يسجل ارتفاعا سريعا خلال شهرين فقط ليصل حتى نهاية آب أغسطس إلى حدود 92 2 تريليون دينار وهو أعلى مستوى تصل إليه المديونية الداخلية وفقا لمتخصصين أما الديون الخارجية فتختلف التقديرات بشأنها إلا أنها تدور ما بين 20 إلى 30 مليار دولار وهو رقم يقل عن الذروة المسجلة في السنوات الماضية التي تخطت 54 مليار دولار لكنه يبقى مقلقا بالنظر إلى محدودية الموارد المالية واعتماد الموازنة بشكل شبه كامل على العوائد النفطية وتضع هذه المؤشرات العراق أمام تحديات معقدة تتعلق ليس فقط بقدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها بل أيضا بضرورة إيجاد حلول هيكلية لتفادي أزمة ديون خانقة قد تنعكس سلبا على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحكومة تهون من التحذيرات من الديون من جانبه علق المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح على الأنباء التي تتحدث عن إغراق العراق في الديون والتحذيرات من مستقبل مظلم للاقتصاد مؤكدا أن هذه المخاوف مبالغ فيها ولا تستند إلى المعطيات الفعلية وقال صالح إن الديون الخارجية واجبة السداد مجموعها أقل من 20 مليار دولار ونصفها يستحق الدفع حتى عام 2028 وستخصص لها في الموازنة العامة أبواب صرف سنوية محددة في وقت لم يتخلف فيه العراق مطلقا عن التسديد بفضل التنسيق بين وزارة المالية والبنك المركزي وأوضح صالح أن الدين العام الداخلي البالغ 92 تريليون دينار هو بحوزة الجهاز المصرفي الحكومي حصرا وأقل من نصفه لدى المحفظة الاستثمارية للبنك المركزي ويدار بكفاءة فنية ومالية عالية وشدد على أنه لا داعي للقلق طالما أن هناك آليات تسديد قيد البحث داخل الدوائر الرسمية تعمل عليها السياستان النقدية والمالية لإطفاء الدين الداخلي عبر حلول موضوعية منها تحريك ثروات حقيقية قابلة لإعادة الاستثمار ضمن صندوق وطني متكامل وبين أن النموذج المعتمد حاليا يقوم على تحويل الدين إلى حقوق استثمارية في مشاريع منتجة بما يقود إلى تحريك النشاط الاستثماري الحقيقي ويضمن سداد الدين مشيرا إلى أن العراق يمتلك ثروات اقتصادية هائلة تفوق حجم تلك الديون بلا شك وفي السياق قال الخبير الاقتصادي كريم الحلو في حديث خاص مع العربي الجديد إن العراق يعيش حالة واضحة من إغراق متواصل في الديون نتيجة تراكم عدة عوامل داخلية وخارجية مشيرا إلى أن السبب الأبرز يتمثل في الترهل الوظيفي الذي يستهلك الجزء الأكبر من الموازنة العامة وأضاف الحلو أن رواتب ما يقارب خمسة ملايين موظف تكلف الدولة سنويا أكثر من 60 nbsp تريليون دينار عراقي وهو رقم يفوق طاقة الاقتصاد ويعد واحدا من أبرز مصادر الضغط على المالية العامة وأوضح أن ضعف الإيرادات العامة غير النفطية واعتماد العراق شبه الكلي على إيرادات النفط جعلا البلاد رهينة لتقلبات الأسواق العالمية محذرا من أن أي انخفاض في أسعار النفط دوليا قد يقود إلى انهيار كامل في المنظومة الاقتصادية العراقية بما في ذلك العجز عن تمويل الرواتب والخدمات الأساسية nbsp وبين أن الفساد المستشري وضعف منظومة الرقابة والقانون يزيدان من تفاقم الأزمة حيث تهدر مليارات الدولارات سنويا بعيدا عن مسارات التنمية الحقيقية وهو ما يدفع الحكومة إلى المزيد من الاقتراض الداخلي والخارجي لتغطية العجز مما يرسخ حالة إغراق العراق في الديون عجز مالي غير مسبوق في العراق من جانب آخر قال الخبير الاقتصادي همام الشماع لـ العربي الجديد إن ارتفاع الديون الداخلية للعراق بشكل متسارع يمثل خطرا مباشرا على الاستقرار المالي خصوصا مع تجاوزها حاجز الـ92 تريليون دينار في الأشهر الأخيرة فيما تشكل الديون الخارجية عبئا إضافيا إذا استمر توسعها في ظل ضعف الإيرادات غير النفطية وحذر الشماع من أن تنامي الديون الداخلية والخارجية معا في ظل عجز مالي غير مسبوق يقدر بنحو 98 تريليون دينار وهو الأعلى في تاريخ العراق قد يدفع البلاد إلى مأزق مالي خانق ويقوض قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية بما في ذلك رواتب الموظفين والخدمات العامة وأكد أن الحد من هذه المخاطر يتطلب معالجة جذرية تبدأ بتنويع مصادر الإيرادات عبر إصلاح النظام الضريبي وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي إلى جانب ترشيد النفقات العامة وتقليص الترهل الوظيفي الذي يثقل الموازنة وشدد على أهمية مكافحة الفساد وتعزيز الرقابة المالية وتوجيه الاقتراض نحو مشاريع استثمارية منتجة بدلا من تغطية النفقات التشغيلية بما يضمن تقليص الدين العام وتحقيق استدامة اقتصادية على المدى البعيد