مؤسسات جوفاء بنى حديثة ظاهريا وهياكل تقليدية باطنيا في كردستان
٥٣ مشاهدة
طرق الثلاثيني الكردي سردار أمين أبوابا كثيرة للظفر بوظيفة حكومية لكن أمله خاب بعد محاولات عديدة رغم سماعه عن فرص ملائمة لشهادة الماجستير في الفنون الجميلة التي حصل عليها منذ خمسة أعوام nbsp والسبب أن كل شيء في الإقليم له علاقة ما بالانتماء الحزبي المستند إلى جذر عشائري فالعشيرة تدعم أبناءها سياسيا وتوزع عليهم المناصب والمغانم وأنا لا أنتمي إلى واحدة منها يقول أمين الذي يعيش في مدينة السليمانية لـالعربي الجديد بلغة أكثر وضوحا منظومة إدارة الإقليم مبنية على العشيرة يقول الباحث وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل فراس إلياس موضحا لـالعربي الجديد أن دورها معقد فكلما كانت العشيرة قريبة من السلطة زاد نفوذها وسيطرتها على مواقع استراتيجية سياسيا واقتصاديا وضرب مثالا بسيطرة عشيرة الهركي التي استوطنت أراضي غنية بالنفط بمنطقة خبات غرب محافظة أربيل وظلت مسيطرة عليها بسبب قربها من عائلة البارزاني الحاكمة ومن ثم تطور الأمر حتى شكلت عائلة البارزاني وعشيرة الطالباني قلبي الحزبين الحاكمين في الإقليم كما يقول السكرتير السابق للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني كاوه محمود واصفا المشهد في الإقليم بـحكم الأسر السياسية موضحا لـالعربي الجديد أن العلاقة بين العشيرة والحزب في كردستان لا تزال ضمن بنى تقليدية لم تشق حتى اليوم طريقها إلى المدنية بما يحقق العدل والمساواة وحماية حقوق الأفراد nbsp سطوة البنى التقليدية على الحديثة تأسس الحزب الديمقراطي الكردستاني على أساس عائلي واستند إلى عشائر ذات ثقل ونفوذ مكنت له التأييد الداخلي والخارجي كما يقول أحد الزعماء في عشيرة الطالباني فضل عدم الإشارة إلى اسمه لحساسية الموضوع قائلا لـالعربي الجديد لم توفر العشيرة الموارد البشرية فقط بل ساهمت بشكل كبير في تمويل الحزب وتزويده بالأسلحة والرجال وخاضت معه النزاعات في مواجهة مختلف الحكومات العراقية على مر التاريخ في مناطق أربيل ودهوك وباهدينان ومنها عشائر السورجي والهركي والجاف ذات الثقل الاجتماعي الكبير ما جعل الحزب واجهة سياسية لسلطة اجتماعية أكثر تجذرا في بنيته ومن ثم في دوره المفترض من مفهوم الدولة المدنية وفي عام 1975 انشق جلال طالباني عن الحزب الديمقراطي الكردستاني إثر خلافات بينه وبين الملا مصطفى بارزاني وأسس الاتحاد الوطني الكردستاني ويشير الدكتور عقيل عباس المختص في الهويات القومية والدينية والأستاذ السابق في الجامعة الأميركية في السليمانية إلى أنه بشكل أو بآخر كرر التجربة التي كان فاعلا فيها من قبل لكنه تميز بأن تنظيمه كان مدعوما من الأغنياء والطبقة البرجوازية في التمويل واستقطاب الكوادر والتمدد المجتمعي والسياسي وفي القلب منه أسرته وهو امر لا يختلف فيه الإقليم عن بقية العراق إذ يحتفظ ما بين 75 و80 من العراقيين بروابط عشائرية قوية تحدد شكل حياتهم ورغم اختلاف شمال العراق عن جنوبه من حيث التاريخ السياسي والجغرافية واللغة إلا أنهما يتقاطعان في أن الدولة الحديثة لم تجد سبيلا لكسر سطوة البنى التقليدية فيهما بل تكيفت معها وأعادت إنتاجها بأشكال مختلفة بحسب دراسة السلطة القبلية في العراق المعاصر تحليل اجتماعي المنشورة في مجلة كلية التربية للبنات بجامعة بغداد في السادس من يونيو حزيران 2020 التي توصلت إلى أن البنى العشائرية تفوق الانتماءات الدينية أو القومية في بعض الحالات من ناحية الولاء الشخصي والمجتمعي nbsp مصالح متبادلة على الدوام أعطى حكام كردستان الأولوية لمصالح القلة على احتياجات الأغلبية إذ تدعي النخب السياسية تمثيل السكان والعمل نيابة عنهم لكنها تسن في الواقع سياسات عامة تدعم في أغلب الأحيان مصالح ذاتية وجماعية ضيقة بحسب ما جاء في تقرير أزمة التمثيل في إقليم كردستان العراق الصادر عن المعهد الهولندي للعلاقات الدولية مؤسسة بحثية وأكاديمية مستقلة في إبريل نيسان 2023 ويضرب على ذلك مثالا عبر قانون الاستثمار الذي يمكن المجلس الأعلى للاستثمار هيئة حكومية من نقل ملكية قطع الأراضي وتخصيصها للاستثمار الاستراتيجي وفق قاعدة المصلحة العامة إما مجانا أو بأقل من أسعار السوق ما بين 75 و80 من العراقيين يحتفظون بروابط عشائرية قوية نظريا يبدو هذا منطقيا لكن القانون يستخدم عمليا لصالح مجموعة صغيرة من رجال الأعمال المرتبطين بالحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وهؤلاء حولوا هذه القطع إلى مشاريع عقارية حضرية قيمة بحسب التقرير السابق اللافت أنه بمرور الوقت ومع تطور الحياة السياسية في الإقليم لم تكن السيطرة العشائرية موازية أو خارج الدولة بل تعمقت ضمن هيكلها فقد بنيت الأحزاب الكبرى على شبكات ولاء عشائرية متينة وهذه سيطرت على مفاصل الدولة المهمة عبر احتكار المناصب القيادية فتذهب المواقع الحساسة في الحكومة والهيئات الأمنية إلى العشيرة المهيمنة على الحزب الأكبر كما يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الكاثوليكية بأربيل الدكتور هاوكار جبار nbsp تقويض فكرة المدنية قوضت العلاقة بين العشائر والأحزاب الحاكمة في الإقليم أساس بناء نموذج حكم مدني ومؤسساتي حقيقي في كردستان كما يقول الدكتور عباس مضيفا في المنطقة الكردية تشكل العشيرة مصدرا للهوية وبرغم أن الحزبين الحاكمين ليس لهما صبغة عشائرية في تسميتهما فإنهما سرعان ما تحولا إلى أحزاب عشائرية تتبع نظام التوريث في القيادة حتى الأحزاب الأقل سلطة في الإقليم تتحالف مع العشائر وتمنح مناصب لزعمائها بغية الحصول على أصوات انتخابية بشكل أكثر تنظيما ويجري اختيار هؤلاء المرشحين العشائريين عبر الحزب خلافا لما يحصل في جنوب العراق حيث تدعم العشائر أبناءها المرشحين مباشرة وليس من خلال عملية حزبية شكلانية وفق الدكتور عباس الذي يرى أن العشائرية تخرب الحياة السياسية التي يجب أن تقوم على التنافس السياسي بين الأحزاب وتعوق التطور السياسي في الإقليم بشكل واضح إذ تتحول العشيرة إلى أداة من أدوات السيطرة للأحزاب الكبرى وتتلاشى بذلك قيمة المناهج والأفكار السياسية المختلفة وتظهر الانقسامات بين المدن والمناطق قوضت العلاقة بين العشائر والأحزاب أساس بناء نموذج حكم مدني النتيحة كانت أن حكم العوائل في كردستان حد من نمو الديمقراطية وأبطأ عملية التحول المدني حسب ما يراه أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الكاثوليكية بأربيل أحمد كردو الذي يقول هيكل السلطة الذي يعتمد على العشيرة يعكس طبيعة المجتمع الكردي نفسه فلا تزال العائلة أو العشيرة تحتل مكانة محورية في كردستان وعلى الرغم من أن بنية الحكم العائلي توفر الاستمرارية والاستقرار خصوصا في السياقات الهشة بالمنطقة فإنها في الوقت نفسه تشكل تحديا أمام تطوير منافسة ديمقراطية شاملة كما يثير الحكم العائلي تساؤلات حول طبيعة المشاركة في صنع القرار وفرص الإصلاح المؤسساتي في الإقليم مرجحا أن هذه البنية في الحكم ستستمر وهي التي تحدد وتيرة وعمق التحول الديمقراطي وبسبب ضلوع العشائر في صنع القرار السياسي من خلال اعتماد الأحزاب عليها لم يقترب الإقليم من نموذج الدولة الحديثة لأن الأحزاب لا تمتلك برنامجا سياسيا ولماذا قد تمتلكه بينما تسنى لها الاعتماد على العشائر في الحفاظ على السلطة بحسب إفادة رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة كركوك الدكتور برهان علي محمد الذي قال لـالعربي الجديد أعطت العشائر السلطة للأحزاب ومنحت الأحزاب المناصب للعشائر وهكذا باتت الدولة في الإقليم لا تعتمد على الكفاءات إنما على المصالح المتبادلة بين العشائر والأحزاب nbsp ما تأثير كل ذلك في مجريات الحياة قادت سيطرة العشائر إلى تغييب فكرة المواطنة وسيادة القانون حتى صار لدى الحزبين الكبيرين وحدات موالية لكل منهما داخل قوات البيشمركة إلى ما سبق يضيف الدكتور جبار المنظومة القانونية والأمنية منقسمة وموزعة ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الألقاب إذ ينتمي المديرون العامون وضباط الجيش الكبار ومسؤولو الأمن إلى عشائر تدعم الحزبين الحاكمين في مختلف المؤسسات بما في ذلك رئاسة إقليم كردستان والمؤسسات الأمنية كما تغيب المساواة أمام القانون مما يسهل الإفلات من العقاب ومع ذلك يوجد جانب إيجابي إذ يسهل حل بعض القضايا حين يصعب تحقيق سيادة القانون فتتقدم الوساطات العشائرية لتفرض حكما على الطرفين وفق الأعراف والتقاليد حسب جبار لكن تلك الميزة لا تضاهي الآثار السلبية المترتبة على الهيمنة السياسية والاقتصادية وتجاوز مؤسسات الدولة إنفاذا لرؤيتها ومن وقائع ذلك ما حدث في يوليو تموز الماضي من نزاع عشائري في محافظة أربيل بين عشيرة الكوران التي يدعم بعض المنتمين لها الاتحاد الوطني الكردستاني وعشيرة الهركي التي تدعم الحزب الديمقراطي الكردستاني بسبب أرض متنازع عليها في منطقة خبات مما خلف أربعة قتلى من عشيرة الهركي وفق الدكتور عباس الذي قال تتشابه النزاعات العشائرية التي تنشب في الإقليم مع جنوب العراق في أسباب وقوعها لكن المختلف في كردستان هو أن العشيرة تغلغلت داخل أروقة الحزبين الكبيرين حتى باتت جزءا من البنية القيادية للإقليم بينما يقتصر دورها في الجنوب على تعبئة الولاء السياسي وحل النزاعات خارج القانون