البحر خلف ظهر أبي القاسم الشابي ورفاقه

نجم الدين خلف الله

باحث وأستاذ جامعي تونسي مقيم في باريس

استمع إلى الملخص

يتوقع الدارس أن يجد في نصوص الأدب التونسي حضوراً بارزاً للبحر، بحكم خريطة البلاد بمدنها الكبرى المُطلة عليه، بل لعلّه يظنّ أن ما اصطلح على تسميته بـأدب البحر ستكون تونس إحدى حواضنه، لكن لا شيء من ذلك يبدو على صفحات نصوص الأدب التونسي الحديث؛ إذ لم تتشكل تجربة سردية متراكمة حول هذا المحور كالتي نجد آثارها في روايات الكاتب السوري حنة مينة أو المؤلف المصري صالح مرسي، حيث يتجاوز البحر كونه فضاء مكانياً عابراً للأحداث إلى مولّد للمعنى، أو مصفوفة دلالية بعبارة رولان بارت في كتابه Système de la mode، فتنبع منه الصور والاستعارات والبنى النصية. والأمر سيان بين شعر وسرد في الأدب التونسي، فكأن كليهما قد أدار ظهره للماء فلا يلتفتان إلا إلى ما يدور في اليابسة.

بين أسطرة وسخرية

قد يعتقد البعض أن النزعة الرومانسية التي ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين وسكنت شعر أبي القاسم الشابي ستهديه إلى البحر ثيمةً رئيسة، غير أن الغابة والحقول والمراعي قد تصدّرت شعره، فضلاً عن الثيمات الوجدانية مثل الإرادة والحزن والموت والحب، وجميعها كان يمكن للبحر أن يُسند التعبير عنها غير أن صاحب أغاني