سخرية قاتمة السواد
سخرية قاتمة السواد
زوايا /> بسمة النسوركاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة تايكي المتخصصة بالإبداع النسوي.
23 يونيو 2025 alt="صواريخ تعبر المجال الجوي الأردني (14/6/2025/فرانس برس)"/>صواريخ إيرانية تعبر الأجواء الأردنية باتجاه مواقع إسرائيلية (14/6/2025فرانس برس)
+ الخط -استمع إلى المقال:
لا يمكن وصف المشهد الراهن في عمّان، وفي باقي المدن الأردنية، إلا بالسوريالي. فما إن تنطلق صفّارات الإنذار مدوّيةً في الفضاء، معلنةً حالة التأهّب، يتبعها صوتٌ أجشّ لرجل أمن قائلاً: الإخوة المواطنون، في ظلّ التصعيد العسكري في الإقليم، ورصد أجسام طائرة في سماء المملكة، نهيب بالجميع البقاء في أماكن وجودهم والابتعاد عن النوافذ والأماكن المكشوفة حفاظاً على السلامة العامّة واتباع الإرشادات الصادرة عن الجهات المختصّة. ما إن يحدث ذلك، حتى يهرع مواطنون كثيرون إلى النوافذ وأسطح المنازل والشرفات، يجهّزون بحماسة واندفاع مستلزمات السهرة من بطّيخ وشمّام ومكسّرات وأباريق شاي ودلال قهوة، ثمّ يُشهرون كاميرات هواتفهم النقالة لتصوير المسيّرات الهائمة في السماء، ونقلها في بثّ مباشر، فتسمع في الخلفيات أصواتهم المبتهجة. تمتلئ الشوارع بالصغار الأشقياء، الذين يتراكضون معجوقين فرحين منفعلين، يقلّدون صوت صفّارات الإنذار، ويرقبون السماء التي تشتعل بين الحين والآخر، رغم ورود الأنباء عن إصابات بين الأفراد، وعن خسائرَ في الممتلكات، ورغم صدور أكثر من بيان يهيب بالمواطنين عدم الاقتراب من الأجسام الساقطة. وقد وصل الأمر بأصحاب مطاعم ومقاهٍ إلى إعلان محالّهم مواقعَ استراتيجيةً مطلّةً على الصواريخ العابرة، كما ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بالطرائف والنكات والتعليقات الساخرة، وتنافست المحطّات الإخبارية في استضافة المحلّلين السياسيين. وما زال التراشق اللفظي والاتهامات المتبادلة بالخيانة والعمالة والصهينة بين المتابعين على أشدّه، علاوة على نشر الإشاعات ومقاطع الفيديو المفبركة.
نفهم حالة الارتباك التي يشهدها الشارع الأردني ولجوء الناس إلى السخرية مداراةً لمشاعرالخوف، فتلك حيلة نفسية قديمة، يمارسها الشخص الخائف في مواجهة المجهول المحمّل باحتمالات مرعبة، في ظلّ التهديد بحرب نووية طاحنة
أرسل هذا الخبر لأصدقائك على