دائما للحقيقة وجهان ولكل وجه دعاته وأنصاره المدافعون ما يجعل البحث عن الحقيقة ذات الوجه الواحد وإن غير المطلقة أمرا شاقا إن بإثباتها أنها الحقيقة أو بتسويقها أمام حقائق مزعومة أخرى لها أيضا من يسعى لتسويقها وترويجها الأمر الذي يدفع الرقم ليكون الحكم في ترتيب الحقائق والفيصل في إثباتها إن لم نقل تقبلها كحقيقة دامغة nbsp وذلك رغم ما قد يشوب الرقم من تزوير وما يعتريه من تشويهات تقودها وقت الحاجة استطلاعات الرأي التي يعتمدها من يهمهم أمر تسويق هذه الحقيقة أو دحض تلك أو يعلنها أصحاب القرار فتبدو الأرقام أقرب للحقيقة ما دامت خرجت عن مصدر رسمي ومسؤول ومن جدليات وجهي حقيقة الاقتصاد التركي لعام 2025 الآفل سؤال هل هو بخير ويستمر بطريق الوصول إلى مصاف العشرة الكبار أم كبا وتراجعت مؤشراته ما ينذر بأزمات الوجه الأول لحقيقة متداولة أن عام 2025 مر ثقيلا ومتثاقلا على الأتراك كمستهلكين جراء التضخم وغلاء الأسعار الذي دفعهم مرغمين لتغيير أنماطهم المعيشية والاستهلاكية وعلى قطاع الأعمال الذي قللوا من الطاقات الإنتاجية فيه ووصل الحال ببعضهم إلى إعلان الإفلاس أو نقلوا أعمالهم إلى خارج تركيا من جراء احتدام المنافسة وزيادة تكاليف الإنتاج داخل المنشأة وجمود الأسواق وتراجع قدرة المستهلكين الشرائية كذلك لم تسلم الحكومة من ثقل أحمال العام فاضطرت إلى تخفيض سقف أحلامها ببرنامج الإصلاح الاقتصادي وراجعت من أمانيها في ما يخص نسبة التضخم وسعر الصرف ونسبة النمو وكأنها لا تريد من غنائم خططها إلا الإياب بيد أن ثمة حقيقة أخرى في مشهد الاقتصاد التركي لعام 2025 هي الاقتصاد النامي في عالم يعج بالتضخم والعجز والمراوحة وإن لم يأت النمو كما السنوات السابقة لكنه مقنع وأعلى من توقعات المراكز الدولية ورفعت الوكالات الكبرى تصنيف تركيا الائتماني ما زاد الثقة وتدفق الاستثمارات واستمرت تركيا بالتحليق بجناحيها كليهما بعد أن زاد السياح وعائداتهم عن العام الماضي وإن لم تصل إلى المخطط والطموح وسجلت الصادرات أعلى قيمة في تاريخ البلاد وإزاء وجهي الحقيقة هذين يقع المتابع في تيه الحكم ما دمنا نتكلم عن الاقتصاد هذا العلم الذي لا تجدي معه كما السياسة أعتقد وأرى وأتوقع لأن الرقم هو الدليل ومعدة المستهلك هي الفيصل لذا لا مناص مرة أخرى من العودة إلى الرقم والتصريح الرسمي في آن واحد إذ قد يكون من ملامح شبه مكتملة للحقيقة إن أمسكنا برقم صادر عن مصدر مسؤول قصارى القول ليس أدل على مجريات عام 2025 وأماني عام 2026 مما كشفه نائب الرئيس التركي جودت يلماز وأمام صناع القرار الاقتصادي وزيري المال والاقتصاد ومحافظ البنك المركزي خلال إعلان تفاصيل البرنامج الاقتصادي متوسط المدى للفترة 2026 و2028 فالرجل وبمنتهى الصراحة وبعد الاعتراف بأثر التبدلات والأزمات الإقليمية والدولية على الاقتصاد التركي كعوامل موضوعية أشار إلى الأسباب الذاتية التي تجبر تركيا على تعديل التوقعات والخطط المتفائلة والتعامل خلال الأعوام الثلاثة المقبلة بواقعية أكبر بعيدا عن الرغبوية والجنوح بالأماني ما يقتضي العودة عن الوصول بنسبة التضخم إلى 17 5 خلال عام 2025 إلى 28 5 والرجوع عن خطة كبح التضخم بعودته إلى 9 7 عام 2026 وتبديلها بنسبة واقعية عند 16 من دون أن يزرع نائب الرئيس التركي الإحباط أو يحد من أهداف برنامج الإصلاح بعيدة المدى آملا أن يتراجع التضخم إلى 9 عام 2027 و8 عام 2028 من خلال سياسات نقدية ومالية صارمة ومنسقة وتابع نائب الرئيس مد اليد على أرقام الخطط وبرنامج الإصلاح الاقتصادي فعدل من قيمة الصادرات من 302 2 مليار دولار إلى 282 مليارا عام 2026 وتناميها إلى 294 مليارا عام 2027 ثم إلى 308 5 عام 2028 وبدل من نسبة نمو الاقتصاد التركي لعام 2025 من 4 إلى 3 3 وأعلن استهداف نمو 3 8 بدل 4 5 عام 2026 وتراجع مستهدف عام 2027 من 5 إلى 4 3 ونمو عام 2028 إلى نحو 5 كآخر عام ضمن خطة متوسطة المدى ونهاية فترة برنامج الإصلاح تاركا في الآن ذاته الآمال معقودة وقائمة على سوق العمل بتراجع البطالة إلى 9 3 عام 2026 واستمرار تحسن مؤشرات القطاع الخارجي متوقعا أن يتراجع عجز الحساب الجاري إلى ما يعادل 1 4 من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025 ثم إلى 1 3 في 2026 قبل أن يستقر عند 1 2 في 2027 وينخفض إلى 1 بحلول 2028 أي أن ينخفض العجز قيمة من 22 3 مليار دولار في 2026 إلى نحو 18 5 مليار دولار في 2028 نهاية القول رغم أن كلام ثاني أكبر مسؤول تركي وتعديله على البرنامج الاقتصادي تعديا كونهما تعديلا فنيا على الأرقام والطموحات وحملا كثيرا من الواقعية المستندة إلى الداخل وأرسل إلى الخارج مستثمرين ومؤسسات ووكالات تصنيف أن بلاده تخطط وفق علمية ونهج يتوافقان مع الإمكانات المحلية والتقديرات الدولية ما يعزز المصداقية والثقة ورغم كل ذلك ومع بالغ التقدير وحتى الإعجاب بما نسفه نائب الرئيس من مبالغة بالتفاؤل أفلا تقتضي الحقيقة التي انطلقنا من نشدها أن نقيس ذلك وفق مؤشرات المستهلك وبطون الجائعين من دون أن نرهق القارئ بمزيد من النسب والأرقام وتوقعات المحللين والمحرمين على اعتبار أن توازن تكاليف المعيشة مع مستوى الدخل هي الحقيقة الأقرب لجميع نتائج الخطط والبرامج والتصريحات فالحد الأدنى للأجور وبعد زيادة مطلع العام لا يتجاوز 28 ألفا و75 ليرة تركية 655 دولارا في حين لا تقل تقديرات المعيشة للأسرة عن 90 ألف ليرة وتضخم الأسعار السنوي ورغم الخطط والوعود لم يهبط عن 31 ما يعني وفق إحصاءات العام الماضي أن عدد الفقراء في تركيا يبلغ 16 مليونا و739 ألف نسمة وأن 39 3 من الأفراد أي ما يقرب من أربعة من كل عشرة أشخاص لا يستطيعون تحمل تكلفة وجبة تحتوي على اللحوم أو الدجاج أو السمك كل يومين الأمر الذي يستدعي إشعال الضوء الأحمر ووضع عام 2026 عاما انتقاليا على صعيد سياسات التشدد النقدي وضبط التضخم وتحسين مستوى المعيشة عاما انتقاليا لتعود الرفاهية للمستهلك والأرباح للصناعي والتاجر عاما انتقاليا لتعود تركيا قبلة السياحة والاستثمار وأما كيف فتلك مهمة تركيا التي تمتلك من جميع المقومات ما أبهر العالم بتجربة العدالة والتنمية كنمر اقتصادي جامح ضمن مجموعة العشرين لتعيد النظر وفق منطق الإنسان وحده حامل التنمية وكل ما عداه محمول ويكون العام الجديد عام انطلاقة وعودة تركيا جنة لمن فيها وأنموذجا قاطرة لمن حولها