بين البيانو الذي رافق به فيروز والاستديو الذي صاغ فيه أعمالا تمتد من الأغنية الملتزمة إلى الإعلان ومن الموسيقى الإلكترونية إلى موسيقى الأطفال تتشكل تجربة هاني سبليني في مسار متعدد الطبقات لا تحكمه هوية واحدة بقدر ما تحركه روح البحث والتجريب هو مؤلف موسيقي ومنتج انتقل بين الشرق والغرب من دون أن يحسم انتماءه إلى أي منهما مكتفيا ببناء لغة موسيقية تغذيها التقاليد بقدر ما تسيرها المغامرة وفي هذه المقابلة مع العربي الجديد يستعرض الموسيقي اللبناني تجربته الفنية المميزة ويكشف عن رؤيته الخاصة في التأليف الموسيقي بداياتك كانت مع فيروز وزياد الرحباني كيف تصف تلك المرحلة وما الذي تركته في وعيك الموسيقي المبكر في بداياتي رافقت السيدة فيروز على البيانو وبعد أن توطدت علاقتي بزياد الرحباني اعتمد علي كثيرا في حل مشكلات الأوركسترا ومساعدة قادتها في حال غيابه وأطلعني على جميع أوراقه كان يعزف البيانو إلى جانبي ومن خلال ذلك عرفت كيف يبتكر الحركات الموسيقية ويطور أفكاره على الآلة لهذا كله أعترف أنني تعلمت من هذه المدرسة الكثير وما زلت أتعلم حتى اليوم ورغم تأثري الواضح بأعمال زياد فإن المحبة والاحترام المتبادلين كانا نابعين من حرصي على ألا أقلده إذ سعيت منذ البداية إلى أن يكون لي صوتي الخاص من تجاربك المميزة التأليف المشترك مع شربل روحانا في مدى كيف تنظر اليوم إلى هذه التجربة وماذا أضافت إلى لغتك الموسيقية هذه التجربة أضافت أكثر إلى الموسيقيين الذين كانوا في طليعة المشهد آنذاك بحسب شهادات من قيموا العمل كانت لدينا رؤية سباقة وسعينا إلى تطوير لغة موسيقية جديدة لكن المشروع لم يكتمل بسبب ظروف عاكستنا إضافة إلى أن لكل منا طريقته الخاصة ومع ذلك كانت تجربة مهمة جدا بالنسبة إلي وأتصور أنها لو استمرت لوصلت إلى نتائج لافتة شجعني هذا المشروع الموسيقي على الاندماج أكثر في الوسط الفني إذ كنت قبلها أميل إلى العزلة إلى حد ما أما اليوم فأصبحت مؤمنا بالمشروعات المشتركة ولذلك ما زلت محتفظا بفرقتي الموسيقية وأحرص على التعاون والالتقاء المستمر مع الموسيقيين لأن هذا التفاعل هو ما يغني التجربة الموسيقية لك تجربة مختلفة في إعادة توزيع أغان تراثية مثل زوروني كل سنة مرة ويا حبيبي تعال ما الذي ميز مقاربتك لهاتين الأغنيتين ولماذا لم تتكرر التجربة لاحقا ما قدمته في هاتين الأغنيتين هو إعادة صياغة وهيكلة كاملة وليس مجرد إعادة توزيع أدخلت حبكة تأليفية على الموسيقى وغيرت في نمط الجملة الموسيقي وفي يا حبيبي ضمنت العمل تأليفا موسيقيا لا سيما في المقطع الأخير ما يميز هذه التجربة أيضا أنها جاءت مقاربة إلكترونية إذ كان الهدف دمج أعمال من العصر الذهبي ضمن تجربتي الإلكترونية التي كنت أعمل عليها عام 2000 غير أنني لم أكررها لأن الفكرة انحرفت عن مسارها فصار بإمكان أي منسق موسيقي DJ إعادة برمجة أغنية قديمة عبر موسيقي راقصة وأصوات صاخبة وهو ما لم يكن مقصودا من هذه التجربة لذلك حولت العملين إلى صيغة أوركسترالية وما زلت أقدمهما حتى اليوم بالتوزيع نفسه صوت أميمة الخليل مرتبط بقضايا إنسانية وسياسية هل تفرض هذه الحمولة قيودا على قراراتك التقنية في العمل معها أنا مرتبط بهذه القضايا قبل أن أقرر العمل مع زوجتي أميمة والتحدي لم يكن في تقييد خياراتي بل في أن تقترب أميمة من عالمي الموسيقي لأني لا أغير شروط عملي ولا خلفيتي الموسيقية القائمة على مدارس مثل الروك والجاز والفانك وبذلت أميمة جهدا كبيرا ومشكورا في هذا الاتجاه وفي المقابل عملت على تطويع جملتي الموسيقية بما يتناسب مع صوتها فلم يقدم أي منا تنازلات لا على مستوى القضايا الجادة ولا على المستوى التقني ما الذي تميزت به أعمالك لها عما قدمه غيرك لا أرى أن لدي تميزا عن غيري أنا شخص أستمتع بموسيقاي حتى عندما تكون درامية ولدي هوية موسيقية تميل إلى الغرب نوعا ما سواء في طريقة معالجتي الجملة الموسيقية أو في التوزيع واختيار أصوات الآلات هذا سؤال أفضل أن يجيب عنه الآخرون إما لينصفوني أو ليختلفوا معي لكنني شخصيا لا أرى تميزا بقدر ما لدي خط خاص أسير فيه حتى اليوم يلاحظ المستمع إلى أعمالك مع أميمة ترددا بين لون شرقي يميزها ومزاج غربي تصرح به هل نجحت في تحقيق الموازنة بينهما وما الأعمال التي حققت فيها ذلك بما يرضيك نشأت في عائلة مرتبطة بالموسيقى الشرقية لكني اتجهت إلى الموسيقى الغربية لهذا أرى أن هذه الموازنة حاضرة في موسيقاي منذ البداية ومع ذلك لا أستطيع الجزم في ما إذا كنت قد نجحت في تحقيقها فالجمهور هو صاحب الحكم في النهاية ما أستطيع قوله بثقة هو أنني أستمتع حين أؤلف موسيقاي هناك العديد من أعمالي لأميمة تحمل ذلك النسيم العربي باستثناءات قليلة مثل آخر أغنيتين لها نتفة عتم وأربع فصول فهما أقرب إلى الموسيقى الغربية في المقابل هناك أعمال مثل شو بحب غنيلك تميل إلى الشرقي لكن بتوزيع غربي خالص وهذا يعبر عني إلى حد بعيد فأنا لا أبذل جهدا لبلوغ معادلة أغنية شرقي بتطعيم غربي بل أترك الأغنية تتدفق في مسارها الطبيعي مثل الطبقة الوسطى وشاب صبية ووجد للأطفال أنت مؤلف موسيقي ومنتج أي الجانبين يمتلك الكلمة الأخيرة في الاستديو وهل سبق أن تخليت عن فكرة لحنية لأنها لا تخدم العمل من منظور إنتاجي دائما ما يتفوق المنتج لدي على المؤلف فأنا مؤلفا لا أستمع عادة إلى رأي الآخرين مع ذلك هناك أعمال لحنتها ووزعتها مرارا لكنني لم أكن راضيا عنها من منظور إنتاجي ولذلك لم تصدر حتى اليوم وأتصور أن آخر أغنيتين قدمتهما نتفة عتم وأربع فصول هما نتيجة مباشرة لغلبة المنتج على المؤلف إذ سخر المنتج المؤلف لإنجاز هذه المهمة من بين المسارات المتعددة التي سلكتها يمتد مسار التأليف الموسيقي للإعلانات لما يقرب من ثلاثة عقود كيف انعكس هذا الجانب على تجربتك الفنية كان مجال الإعلانات شغفي منذ الصغر ولذلك استمتعت كثيرا بالعمل فيه أتاح لي هذا المجال تنفيذ تجارب موسيقية لم أكن قادرا على إنجازها خارج إطاره بسبب كلفتها المادية العالية ومن هنا مكنني هذا القطاع من خوض توليفات موسيقية جديدة أسهمت في صياغة لغتي الموسيقية لا سيما على مستوى التوزيع ألفت الموسيقى لمسلسلات كرتون عالمية هل تختلف عملية التأليف عندما يكون المتلقي طفلا أقدم أعمالا للأطفال منذ عام 2009 وأرى أن الاختلاف يكمن أساسا في ضرورة أن تكون النغمة واضحة ومختصرة أي تقديم جملة لحنية من دون تطويل أو إرهاق ذهني أو كما نقول نرخي الوضع باللحن أما على مستوى التوزيع الموسيقي فلا أرى فارقا وفي تصوري الطفل يستحق عناية كاملة بما يقدم له ولا ينبغي حصر موسيقاه في آلتين أو ثلاث بدعوى تسليته ويكفي أن أشير إلى أن اسم مثل موزارت حين كتب للأطفال قدم تأليفا موسيقيا كاملا لذلك الجدية مطلوبة لأن تنمية السمع لدى الطفل مسؤولية كبيرة لا يجوز الاستهانة بها