وافق مجلس النواب الأردني في نهاية الأسبوع الماضي على مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2026 بعد مناقشات حامية وقد أرسل المشروع إلى مجلس الأعيان حيث أقره المجلس وصدق عليه الملك عبد الله الثاني وسينشر بعد ذلك في الجريدة الرسمية ليصبح ساري المفعول وهذه الموازنة هي الأولى منذ عدة سنوات تعد ويصدق عليها قبل نهاية السنة المالية التي تسبق سنة التطبيق للقانون الجديد وهذا إنجاز يحسب للحكومة خصوصا أن الموازنات السابقة كانت تقر بعد مرور شهرين على بداية السنة المالية الجديدة وقد أبرز النقاش للموازنة العامة عددا من النقاط الحامية التي لا بد وأن توفر الحكومة عليها إجابات محددة لأن الشعب عموما بدأ يشعر أن كلفة الحكومة صارت مرتفعة جدا على دافع الضرائب والرسوم والغرامات وبالمقابل فإن التوظيف الحكومي في الأردن الذي يشمل العسكريين والأمنيين يشكل حوالى 30 من مجموع القوى العاملة في الأردن على أقل تقدير وهذا الرقم يعتبر نسبيا مرتفعا ولا يضاهيه في هذه النسبة إلا الدول الإسكندنافية التي تقدم خدمات كثيرة إلى دافعي الضرائب من صحة وتعليم وخدمات اجتماعية ورياضية ودبلوماسية اتساع عدد سفاراتها وغيرها من الأمور التي تتسق مع فلسفة هذه الدول المركزة على الرأسمالية الاجتماعية ولو أضفنا الأشخاص الذين يعملون في الأردن في الاستثمارات الحكومية مثل شركات التعدين والمناطق الاقتصادية والمؤسسات العامة والتي تزيد على 70 واحدة فإن النسبة ستقفز إلى 40 ولذلك فإن فاتورة الرواتب الشهرية تبلغ أكثر من 500 مليون دينار أو ما يساوي 700 مليون دولار وهذا يعني أن حوالى 65 إلى 70 من الموازنة الجارية تذهب للرواتب والأجور ولو أضفنا إليها كلفة خدمة الدين الفوائد على القروض فإنها تتجاوز ملياري دينار ومن هنا تنبع شكوى النواب الذين طالبوا الحكومة بزيادة أجور العاملين فيها ورواتب التقاعد خصوصا أن هذه لم يجر عليها تعديل منذ عدة سنوات ولكن الحكومة ترفض ذلك بدعوى أن زيادة الرواتب ستكون تضخمية في أثرها الكلي على الاقتصاد وسيؤدي ذلك إلى تآكل القدرة الشرائية للزيادة خلال عامين أو ثلاثة أما النقطة الثانية التي أثارت كثيرا من القلق والغضب من بعض النواب فهي قضية ارتفاع الدين العام إلى ما يقارب 46 مليار دينار أو ما يساوي 117 تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي ويرى النواب أن ارتفاع حجم الدين العام ونسبته إلى الإنتاج المحلي فيها خطر ليس على العوامل الاقتصادية بل هو يهدد أمن الأردن إذ يجعله في موقف الضعف حيال الدول الدائنة وفي ظل التوترات الدولية وتأثر المنطقة بالأحداث والاضطرابات والمعارك الدائرة دون نهايات تزيد من اضطراب الأردنيين وحساسيتهم حيال ارتفاع المديونية وكان وزير المالية عبد الحكيم موسى قد ألقى خطاب الموازنة يوم الحادي عشر من شهر نوفمبر هذا العام مبينا فيه أن الناتج المحلي الإجمالي المقدر لعام 2025 سيزيد قليلا على 36 مليار دينار وأن نسبة النمو ستكون في حدود 2 9 مقارنة بالعام الماضي 2024 لكن الحكومة بعد حوالى شهر من تاريخ إلقاء خطاب الموازنة بينت من خلال دائرة الإحصاءات العامة أنها قد عدلت رقم الناتج المحلي من 36 مليار دينار إلى 39 6 مليارا لعام 2025 بعدما غيروا سنة الأساس من عام 2016 إلى عام 2023 وعندما تبين أن جزءا من الاقتصاد غير الرسمي كان قد أدمج في القطاع الرسمي ولكنه لم يحسب سابقا فيها وبناء على ذلك حصل تغيير على نسبة الدين العام للناتج المحلي الإجمالي فهبطت إلى دون 100 وكذلك تعدلت نسبة النمو وغيرها من مؤشرات مهمة والكل يدرك أن إيرادات الحكومة هي أصلا تقديرية ولها مؤشرات من أهمها الناتج المحلي الإجمالي ومعدل التضخم والصادرات والمستوردات ولذلك فإن أرقام الموازنة التي قدرت على أساس 36 مليار دينار يجب أن تعدل لتعكس الارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي وهذا لم يحصل بل إن أحدا من النواب لم يثر هذا السؤال حسب أفضل المعلومات المتوفرة لدي أما النفقات فهي الجانب الأكثر ثباتا ومعظمها محدد أصلا بدءا من النفقات الجارية رواتب وأجور خدمة الدين العام حجم الدعم والنفقات الاجتماعية وغيرها ولذلك فلا مجال للمناورة فيها بغض النظر عن حجم الإيرادات ومن هنا فإن رفع تقدير الايرادات وتثبيت حجم النفقات الجارية والرأسمالية بما في ذلك سداد أصل القروض سيقلل من العجز ولكن بعض النواب قالوا إن تعديل الأرقام المؤدي إلى تخفيض نسبة الدين العام سيدفع الحكومة إلى مزيد من الاستدانة وهذه القضية مؤرقة جدا بالنسبة إلى الأردنيين عموما أما النقطة الثالثة التي أهاجت عواطف الأردنيين فهي كبر حجم القروض التي يقدمها الضمان الاجتماعي إلى الحكومة ويقول جمهرة الشعب إن وضع يد الحكومة في جيب الضمان الاجتماعي العميقة سيعرض أموال الضمان العائدة للعمال للمخاطرة وزيادة نسبة الاشتراكات في هذه المؤسسة القوية وتقدر ديون الضمان على الحكومة في حدود عشرة مليارات دينار وهو رقم يساوي حوالى 22 من مجموع القروض المستحقة على الخزينة العامة وقد زاد من حجم التساؤل إعلان الحكومة لمشروع مدينة جديدة بجانب عمان اسمها مدينة عمره لوقوعها بالقرب من قصر عمره الأموي في منطقة شبه صحراوية قريبة من عمان العاصمة وخصصت الحكومة مساحة 500 كيلومتر مربع من أراضي الخزينة لبناء هذه المدينة التي يقدر لها أن تكتمل عام 2050 ولكن الحكومة قد باعت أقل من 12 من المساحة أو ما يساوي 58 كيلومترا مربعا لمؤسسة الضمان الاجتماعي وبحسب ما أشيع فإن كل كيلومتر مربع قد بيع بين 2 75 إلى 6 ملايين دينار أو برقم يبلغ مجموعه 172 مليون دينار وقالت الحكومة إن هذا استثمار جيد للضمان الاجتماعي لأن أسعار الأراضي مع بدء تنفيذ مشروعات البنى التحتية سترتفع محققة للضمان أرباحا جيدة فالقضايا الثلاث التي تؤرق الناس هي ثبات أجور العاملين في القطاع العام ورواتبهم وارتفاع الدين العام وحجم التزامات الحكومة حيال الضمان الاجتماعي وبالطبع فإن الضمان يدافع عن نفسه بأن موجوداته بخير وقد بلغت 18 مليار دينار أردني أو ما يساوي 45 من الناتج المحلي الإجمالي المعدل ولكن يجب أن نتذكر أن دفعات الضمان لرواتب المتقاعدين والمعلولين أو أصحاب الإصابات في موقع العمل تزداد ومن هنا فإن المطلوب إجراء دراسات اكتوارية حددها القانون مرة كل ثلاث سنوات ويخشى المؤمن عليهم أن تؤدي الدراسات الاكتوارية إلى ضرورة زيادة نسب الاقتطاع من رواتب المشمولين بالضمان أو من أصحاب العمل ولذلك على الحكومة أن تكون أكثر شفافية في شرح هذه النقاط للناس حتى لا يبقى كثير منهم أسيرا لظنون كثيرة وتفسيرات قد لا تقوم على أسس صحيحة ولكن ونحن نعيش في الأردن فترة يتحدث الكل فيها عن الإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية وتشكيل الأحزاب الدائمة وتمكين الشباب يصبح من الضروري تعديل الدستور الأردني ليسمح للنواب بمزيد من المرونة والمفاوضات في أثناء نقاش الموازنة وبحسب الدستور فإن أعضاء مجلس النواب لا يستطيعون زيادة النفقات أو الإيرادات الواردة في مشروع الموازنة ولكنهم يستطيعون تقليص النفقات وكذلك لا يسمح لهم بالمناقلة بين مخصصات بنود على حساب بنود أخرى في الموازنة مع إبقاء حجم النفقات الوارد من الحكومة ثابتا وأرى أن تعدل هذه المادة لتسمح للنواب وبخاصة الممثلون للأحزاب بإجراء هذه المناقلات خدمة لمناطقهم أو إنصافا لبند في الموازنة يراه النواب مهما على حساب بند آخر قد يكون أقل أهمية في نظرهم وهذا سيعطي مرونة إضافية في مناقشة الموازنة ويجعلها أكثر حيوية