يعيش اليمن على وقع أحداث متسارعة منذ سيطرة التشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا على مناطق شرقي وجنوبي اليمن راسمة بذلك خريطة جديدة للنفوذ على الثروات النفطية والمعدنية والمنافذ البرية الإيرادية المحاذية للسعودية وسلطنة عمان تشمل هذه الخريطة المهمة من الجغرافية اليمنية حقول النفط في حضرموت وشبوة وهي حقول منتجة تعرضت خلال الفترة الماضية لتغيرات وتلاعب في عقود الإنتاج خاصة الحقول العاملة في محافظة شبوة وإحلال شركات بديلة لإدارتها كما كرست التطورات الأخيرة سيطرة التشكيلات العسكرية الموالية للإمارات على خطوط التصدير في الموانئ الواقعة في محافظات اليمن الشرقية في حين لا تسيطر سلطة الحوثيين في صنعاء على حقول النفط والغاز لكنها بالمقابل تسيطر على جزء كبير من ديناميكية وحجم الاقتصاد والمال في اليمن باعتبار أن الكثافة السكانية تقع في المحافظات الشمالية التي يسيطر الحوثيون على غالبيتها خريطة النفوذ تتغير يوضح الخبير الاقتصادي أحمد شماخ في تصريح لـالعربي الجديد أن محافظات جنوبي اليمن تتركز فيها النسبة الكبرى من ثروات البلاد خاصة في حضرموت وشبوة غير أن سلطة صنعاء تتحكم بورقة السيطرة على موانئ مهمة جوية وبحرية لتكون ورقة ضغط بالإضافة إلى وجود النسبة الكبرى من السكان في الشمال وتعتبر الموانئ في محافظات اليمن الجنوبية والتي تقع في خليج عدن وبحر العرب جزءا مهما في هذه الخريطة متعددة القوى وأطراف النفوذ حيث تتقاسم السيطرة عليها الحكومة المعترف بها دوليا وقوى ومليشيات مختلفة معظم قياداتها وأفرادها ينتمون لمحافظات جنوبي اليمن مدعومة من الإمارات على وجه التحديد إضافة إلى السعودية فيما تسيطر سلطة الحوثيين في صنعاء على موانئ البحر الأحمر الثلاثة في الساحل الغربي لليمن والمتمثلة بموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى إذ يعتبر ميناء الحديدة الشريان الأساسي لدخول الغذاء والوقود والدواء إلى المحافظات شمالي اليمن ذات الكثافة السكانية التي تزيد على 70 وذلك بالرغم من الحصار المفروض عليها أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة حضرموت محمد الكسادي يوضح في تصريح لـالعربي الجديد أن التطورات الأخيرة التي حدثت في ديسمبر كانون الأول الجاري فرضت واقعا جديدا على خريطة النفوذ والثروات وأدت بالمقابل لانحسار نفوذ الحكومة الشرعية بعدما باتت القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي تسيطر على مساحات شاسعة من البلاد منها حضرموت التي تساوي وحدها ثلث هذه المساحة الكلية للجمهورية مؤكدا أن الانحسار يشمل كذلك نفوذ الحوثيين الذين كانت لهم نوعا ما قوى موالية تابعة للمنطقة العسكرية الأولى ومناطق عديدة تم استخدامها للتهريب ويتحدث الكسادي عن سيطرة المجلس الانتقالي خلال تطورات الأحداث الأخيرة على عدة موانئ ومسافة تزيد على ألفي كيلومتر من الشريط الساحلي الممتد من خليج عدن إلى البحر العربي إضافة إلى حقل المسيلة الذي يمثل نحو 50 من حجم الإنتاج النفطي في اليمن إلى جانب حقل العقلة النفطي في شبوة لذا أصبح نفوذه أقوى على حساب الحكومة الشرعية أو على حساب الحوثيين الذين فقدوا جزءا كبيرا من نفوذهم على موانئ البحر الأحمر المدمرة والمغلقة واقع جديد في المنافذ البرية الإيرادية حسب مراقبين لـالعربي الجديد باتت هناك خريطة محدثة للمواقع والثروات الاقتصادية المهمة التي فرضتها الأحداث الأخيرة إذ استطاعت القوى الموالية للإمارات كسر نفوذ واحتكار التشكيلات وقوى النفوذ الأخرى الموالية للسعودية بالسيطرة على محافظة المهرة الاستراتيجية المحاذية لسلطنة عمان وعلى جزء كبير من الشريط الساحلي الممتد على مسافة واسعة من بحر العرب وما تحتويه من موانئ وثروات نفطية ومعدنية حيث مكن ذلك القوى الموالية للإمارات من بسط نفوذها على أهم المناطق الاستراتيجية الممتدة من باب المندب في البحر الأحمر والتي تقف عليه كحامية عسكرية القوات العسكرية التي يقودها طارق صالح والتي تم تشكيلها بإشراف ودعم إماراتي في حين انحسر نفوذ القوى الموالية للسعودية المعروفة باسم درع الوطن كثيرا خلال التطورات الأخيرة لصالح القوى العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الموالية للإمارات على المنافذ البرية الرئيسية الواقعة جنوبي اليمن والتي تعتبر من أهم المصادر الإيرادية وأبرزها منفذ الوديعة في حضرموت ومنفذا شحن وصرفيت في المهرة الخبير الاقتصادي علي التويتي يتطرق إلى نقطة في هذا الخصوص بالإشارة إلى أن الإمارات حققت خلال التطورات الأخيرة ما عجزت عنه طوال السنوات الماضية ليس خلال فترة الصراع فقط بل من سنوات وعقود ماضية وذلك بسيطرتها على أهم الموانئ ومواقع الثروات المعدنية وهناك تنقيب في عدة مواقع منها جبل النار في المخا وفي أبين بحجة بناء سد حسان وهناك كذلك عدة مواقع في حضرموت وما خفي أعظم بحسب التويتي ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن السعودية تنقب كذلك عن ثروات في حضرموت قرب منفذ الوديعة إذ إن هناك كما يبدو تقاسما للنفوذ والمنافع بين الدولتين في اليمن لذلك تم تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ وجيوش تخضع بشكل كلي لهما تقسيم الثروات المعدنية والنفطية في السياق تتوزع الثروات المعدنية التي تأتي على رأسها مناجم الذهب والزنك وغيرها بين محافظات شبوة وحضرموت جنوبي اليمن وحجة وصعدة شمالا وتعز جنوب غربي البلاد إضافة إلى الأحياء البحرية التي تزيد عن 650 نوعا بحريا تجاريا تتركز معظمها في محافظتي حضرموت والمهرة شرقي اليمن بالإضافة إلى أبين وشبوة جنوبا والسواحل الغربية للبحر الأحمر إذ يؤكد الخبير الاقتصادي أحمد شماخ أنها تتعرض للنهب كما هو حاصل لمناجم الذهب والزنك والتي تسيطر عليها شركات إماراتية أو محسوبة عليها أو للاستنزاف والاصطياد الجائر بطرق وأدوات محرمة دوليا من مليشيات في عدة مناطق بحرية يمنية ويضيف شماخ أن كل هذه الثروات تسيطر عليها أطراف تتبع دولتي التحالف أو محسوبة عليها ومدعومة منها حيث قامت بتحويلها إلى موارد ذاتية خاصة بها وتتعامل معها كغنائم وليست موارد وطنية للبلاد والشعب اليمني ويتحدث الخبير علي التويتي أن الإمارات تعتقد أنها حققت ما فشلت فيه سابقا كذلك بالسيطرة التامة على ميناء عدن الذي حاولت كثيرا شركات موانئ دبي الاستحواذ على إدارته لكنها لم تتمكن من ذلك لصالح شركات صينية إضافة إلى ميناء بلحاف للغاز الطبيعي المسال الذي خسرته كذلك الإمارات سابقا لصالح توتال وشركات كورية لذا هناك تركيز خلال التطورات الأخيرة على هذا الجزء الواسع من محافظات جنوبي وشرقي اليمن حسب التويتي لبسط السيطرة عليه للتحكم واستغلال ثرواته الضخمة ويقول التويتي لو دققت فستجد أن كل القوى المتصارعة في اليمن والتي تحلم بالانفصال فشلت في توفير أبسط الخدمات كالكهرباء مثل المجلس الانتقالي كذلك الحوثيون لهم حلم لبناء دولتهم إلا أنهم فشلوا في صرف المرتبات وتوفير أبسط الخدمات رغم الإيرادات الكبيرة التي يتحصلون عليها وحتى الإصلاحيون الذين طوال عقود طويلة يتحدثون عن الفساد فشلوا برفع أكوام القمامة من مدينة تعز ولم يوفروا أبسط المقومات والخدمات كما أن الشرعية لم تستطع إيجاد مكان لرئيسها ولا لحكومتها بما فيها عدن التي أصبحت تحت سيطرة تامة من المجلس الانتقالي الجنوبي حسب التويتي الذي يرى أن القوى والدول النافذة تعمل على فرض سلطات أمر واقع يجب على الشعب القبول بها انعكاسات سلبية على معيشة المواطنين تسبب الانقسام الحاصل في اليمن بفعل الصراع الدائر في تشظي الإيرادات وعدم توحيد الموازنات العامة للدولة وانقسام مؤسسة البنك المركزي إلى رأسين في عدن وصنعاء والآن تتجه نحو ثلاثة رؤوس وأدى كل ذلك وفق الخبير الاقتصادي أحمد شماخ إلى تدهور مالية الدولة وزيادة الأعباء والنفقات وتوسع الفجوة بينها وبين الإيرادات مع ارتفاع التضخم النقدي والسلعي الذي يصل في بعض الفترات إلى 500 دون أي زيادة في الأجور والمرتبات إضافة إلى توسع الفساد والنهب لثروات البلاد وغياب الشفافية والحكم المؤسسي وكذا ضياع وتراجع الإيرادات الجمركية والضريبية وازدواجية التعرفة والرسوم وزيادة الجبايات والإتاوات بين المحافظات اليمنية فكل ذلك يضاف إلى قيمة السلع والتي يتحملها في نهاية المطاف المواطن اليمني كما أدى انقسام البنك المركزي وضعف القطاع المصرفي وغياب السيولة والمرتبات إلى تدهور أسعار الصرف وخلق ثلاثة أسعار للريال اليمني الأول القديم مقابل الجديد والثاني الشيك مقابل النقد في حين يتمثل الثالث بالتالف من العملة مقابل السليم ويؤكد شماخ أن كل هذه العناصر مجتمعة تسببت بخلق وفرض واقع جديد صعب على معيشة وحياة كل اليمنيين وهو الأمر الذي أدى منذ سنوات إلى ارتفاع وانتشار كوارث إنسانية محققة مثل ارتفاع الفقر وأعداد الجوعى حيث أصبحت نسبة كبيرة من السكان يعتمدون على وجبة واحدة فقط في اليوم للمحافظة على البقاء مقابل بروز طبقة أمراء الحرب التي تهيمن على ثروات اليمن وتنهبها وتستفيد منها إلى جانب الاستفادة من التهريب والجبايات وغيرها والتي كانت على حساب تدهور الخدمات العامة كالكهرباء والمياه والتعليم والصحة والبنى التحتية ويحذر شماخ مما يحصل من فرض واقع جديد ونهب لثروات اليمن وإدارتها والتعامل معها كغنائم وليس موارد وطنية سيادية لأسباب كثيرة من أهمها تشظي البلاد إلى كيانات وجماعات متنازعة لكل منه ثروته وقوته وسلطته ومليشياته بينما إدارة القطاعات الاقتصادية في البلاد عموما تحتاج إلى توافق سياسي وإصلاحات عميقة ومراجعات شاملة خاصة للعقود والتسهيلات التي أبرمت خلال فترة الصراع