يفتح فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك معقل الرأسمالية العالمية الباب أمام البدء في تغيير مستقبل النظام الاقتصادي الأميركي القائم على الطبقية الرأسمالية الضيقة التي تملك المال وتسيطر على وسائل الإنتاج وتتحكم في السوق بفضل نفوذها السياسي ويفسح المجال للاقتصاد الاشتراكي الديمقراطي بإلزام الدولة بالمشاركة بحصة في الإنتاج والخدمات تحقق بها العدالة الاجتماعية وتحمي مصالح الطبقات الاجتماعية وتضبط السوق وتمنع الاحتكار وتلجم غول الرأسمالية وتحمي المنافسة وسيكون لهذا التغيير في معقل الرأسمالية دور في إبطاء برامج الخصخصة وسياسات التكيف الهيكلي في دول العالم الثالث التي انصهرت في بوتقة الاقتصاد الأميركي الرأسمالي ورضخت لسياسات صندوق النقد والبنك الدوليين ولن يكون فوز ممداني الذي يتولى مهام عمله مع بداية السنة الجديدة مجرد مجد شخصي كأصغر عمدة ينتخب لأكبر مدينة في الولايات المتحدة خلال القرن الماضي وأول عمدة مسلم للمدينة وأول عمدة من أصول أفريقية ــ هندية لم يتجاوز عمره 34 عاما إنه نجاح لتيار الاشتراكيين الديمقراطيين من داخل الحزب الديمقراطي وهو تيار عريض وقديم تأسس في بداية ثمانينيات القرن الماضي بعد وصول رونالد ريغان ومارغريت تاتشر إلى الحكم ويدعو إلى توزيع أكثر عدالة للثروة وتعزيز دور الدولة في إدارة القطاعات الحيوية لا سيما في مجالي الرعاية الصحية والخدمات العامة والنظر للناس بوصفهم مواطنين لا زبائن تيار قوامه 100 ألف عضو منتشرون في كل الولايات وزاد عددهم 20 بمجرد نجاح دونالد ترامب في رئاسته الثانية ويرى أن الرأسمالية نظام صممته طبقة مالكة في سبعينيات القرن الماضي لاستغلال العمال والموظفين لتحقيق مكاسبها الخاصة ويجب استبدالها بالاشتراكية الديمقراطية كنظام اقتصادي يكون فيه للطبقة العاملة صوت حقيقي في أماكن عملهم وأحيائهم ومجتمعهم ويتيح الرفاه للجميع لا مجرد البقاء على هامش الحياة ويحل مشاكل المجتمع الجوهرية بمشاركة الجميع ويمتلك المواطن فيه جماعيا المحركات الاقتصادية الرئيسية مثل إنتاج الطاقة والنقل نظام يحقق إصلاحات جذرية في الرعاية الصحية الشاملة للجميع ويخفض ميزانية الشرطة ويدعم تمويل الأسرة ويعزز الطاقة الخضراء المتجددة وغيرها كخطوة نحو حياة أكثر حرية وعدلا تيار يريد ديمقراطية يقودها عامة الناس من غير المستبعد أن يغير فوز الاشتراكيين في مدينة نيويورك وما أدراك ما نيويورك نهج الاقتصاد الرأسمالي العالمي إنها أكبر مدن أميركا بعدد سكان 8 5 ملايين نسمة وما يتقرر فيها يتكرر في الولايات التسع والأربعين ويستنسخ في معظم دول العالم بفضل تنوعها الثقافي والحضاري حيث يعيش فيها مهاجرون من 180 دولة ويتحدثون أكثر من 200 لغة إنها متحف العالم وهي العاصمة الاقتصادية للولايات المتحدة وللعالم وأكثر المدن زيارة في العالم فيها حي المال الشهير وول ستريت ومقر بورصة نيويورك ومركز التمويل العالمي وهي موطن صناعات الإعلام والتكنولوجيا والتعليم والسياحة والسينما في عام 2024 بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولاية 2 3 تريليون دولار وإذا كانت دولة مستقلة لكانت في المرتبة الثامنة عالميا من حيث الناتج المحلي الإجمالي وفي 2023 حققت أعلى إيرادات من السلع والخدمات على مستوى العالم ستنتقل عدوى الاشتراكية الديمقراطية إلى ولايات أميركية عديدة بفضل معاناة المواطن الأميركي من غول الرأسمالية التي خلقت الأزمات في الصحة والتعليم والسكن والمواصلات والطعام بسبب الرأسمالية تعاني الولايات المتحدة التي تقدم مساعدات غذائية للعشرات من حكومات العالم من انعدام الأمن الغذائي وفق مكتب الإحصاء الأميركي تعاني 18 مليون أسرة أميركية 13 5 من الأسر من نقص الطعام وانتشار بنوك الطعام الخيرية في الولايات مؤشر على حضور الفقر وغياب الأمن الغذائي إذ يستفيد منها 47 مليون أميركي بينهم 13 مليون طفل وفق بيانات وزارة الزراعة وهناك 36 مليون أميركي يعيشون تحت خط الفقر وفي السكن يعاني مواطنو أغنى دولة في العالم من أزمة مساكن وغلاء إيجارات حتى إن 771 ألف أميركي مشردون في الشوارع بلا سكن أو يعيشون في ملاجئ ومساكن مؤقتة وفق إحصاء وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأميركية لأنهم لا يستطيعون دفع إيجار السكن أو شراء بيت تجميد إيجار المساكن غالبية سكان نيويورك مستأجرون ويعيش أكثر من مليونين منهم في شقق ثابتة الإيجارات يفترض أن تكون هذه المساكن أساسا للأمن الاقتصادي للطبقة العاملة في المدينة لكن بدلا من ذلك رفع العمدة إريك آدامز إيجارات الشقق بنسبة 12 6 سنويا وهي أعلى نسبة منذ تولي الجمهوريين رئاسة مجلس المدينة بلغ متوسط الإيجار في مانهاتن 4700 دولار بزيادة قدرها 9 3 عن العام الماضي في الصيف الماضي ولأول مرة منذ 15 عاما سمح لسكان نيويورك بالتقدم بطلبات للحصول على مساعدة في دفع إيجاراتهم عبر القرعة استمرت القرعة لمدة أسبوع واحد فقط فتقدم أكثر من 630 ألف شخص لطلب المساعدة لبرنامج لا يقبل سوى 250 شخصا شهريا وتشهد مدينة نيويورك حاليا أعلى مستوى للمشردين منذ الكساد الكبير في عام 1929 حيث يعاني أكثر من نصف الأسر من عبء دفع الإيجار اعتمدت حكومة المدينة بشكل شبه كامل على القطاع الخاص في مشاريع البناء العقاري وكان سبب الأزمة لأن عدد المساكن التي كانت تبنى قليلة وأسعارها بعيدة المنال عن الأسر العاملة يقول ممداني لا يمكننا الانتظار حتى يحل القطاع الخاص أزمة السكن سيضاعف ثلاث مرات إنتاج المدينة من المساكن المدعومة حكوميا ومنخفضة التكلفة التي تشيدها النقابات العمالية وثابتة الإيجار وذلك ببناء 200 ألف وحدة سكنية جديدة خلال السنوات العشر المقبلة بصفته عمدة سيجمد زهران الإيجارات يعني من دون زيادة سنوية وسيوفر الموارد لبناء المساكن الجديدة إنها إحدى المهام التي تخلت عنها حكومة الولايات المتحدة والكثير من حكومات العالم لذلك انخفضت أسهم شركات الاستثمار العقاري 5 بعد فوز ممداني الغذاء ورعاية الأطفال أسعار المواد الغذائية خارجة عن السيطرة في نيويورك وفي غيرها من الولايات والدول الأخرى يقول 90 من سكان نيويورك إن تكلفة البقالة ترتفع بوتيرة أسرع من دخلهم سينشئ ممداني شبكة من متاجر البقالة المملوكة للمدينة تركز على خفض الأسعار لا على تحقيق الربح الفكرة لاقت رواجا في مدن أخرى كوسيلة لمعالجة ما يسمى بمناطق نقص الغذاء حيث يقل عدد المتاجر الكبرى السوبرماركت وسارعت شيكاغو وأتلانتا وغيرهما إلى تنفيذ المقترح وظهرت بالفعل متاجر بقالة مملوكة للبلديات في كانساس وويسكنسون تعد تكاليف رعاية الأطفال أكبر بند في ميزانية الأسر العاملة في نيويورك وهذا يدفعها إلى مغادرة المدينة إذ يغادر سكان نيويورك الذين لديهم أطفال دون سن السادسة المدينة بمعدل ضعف معدل مغادرة غيرهم ويقع العبء الأكبر على عاتق الأمهات اللواتي يتخلين عن وظائفهن مدفوعة الأجر للقيام برعاية الأطفال من دون مقابل سيوفر ممداني رعاية أطفال مجانية لسكان نيويورك الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أسابيع وخمس سنوات وسيرفع أجور العاملين في مجال رعاية الأطفال الذين يعيش ربعهم حاليا تحت خط الفقر لتصبح مساوية لأجور معلمي المدارس الحكومية سيعزز ذلك تنمية الطفولة المبكرة ويوفر المال على الآباء وهذا دور آخر من أدوار الدولة المهملة يعاني سكان نيويورك من غلاء أجرة المواصلات وحافلات نيويورك هي الأبطأ في البلاد ما يحرم الموظفين من وقت ثمين كان يمكنهم قضاؤه في راحة مع عائلاتهم يستهدف ممداني إلغاء الأجرة نهائيا في جميع حافلات المدينة وسيجعلها أسرع من خلال إنشاء مسارات جديدة قدر الخبير الاقتصادي تشارلز كومانوف أحد مهندسي برنامج تسعير الازدحام المروري في نيويورك تأثير إلغاء الأجرة على جميع حافلات المدينة وأثبت أن مشروع الحافلات المجانية يوفر سنويا 36 مليون ساعة عمل ويولد دخلا مهدرا مقداره 1 5 مليار دولار وأن كل دولار يستثمر في المشروع يولد دولارين تكلفة النقل أزمة عالمية والحافلات المجانية ستنتقل عدواها عبر العالم وستخلق خدمة حكومية عالمية المستوى يستحقها السكان في كل دول العالم لدى ممداني خطة لتمويل مشروعات بناء المساكن ومتاجر البقالة ورعاية الأطفال تقوم على مكافحة تهرب الشركات الكبرى والأثرياء من الضرائب سيرفع معدل ضريبة الشركات ليعادل مثيلتها في ولاية نيوجيرسي البالغ 11 5 ما سيدر خمسة مليارات دولار وسيفرض ضريبة ثابتة بنسبة 2 على أغنى 1 من سكان نيويورك أولئك الذين يكسبون أكثر من مليون دولار سنويا حاليا معدلات ضريبة الدخل في المدينة متطابقة تقريبا سواء كان دخلك 50 ألف دولار أو 50 مليون دولار وسينهي عقود الشراء بالأمر المباشر من دون مناقصة ما سوف يوفر مليار دولار إضافية إذا نجح ممداني في تحقيق برنامجه وأثبت أن الحافلات المجانية والإيجارات الثابتة ورعاية الأطفال المدعومة يمكن أن تجدي نفعا في السياق الأميركي فسيكون ذلك بمثابة تغيير جذري ليس فقط لمدينته بل للحزب الديمقراطي وللولايات المتحدة والعالم ويصبح نموذجا يحتذى به في بقية دول العالم