مليكة تلك السيدة التي ملكت الصحراء

٥٧ مشاهدة
ماذا يعني أن تكون امرأة في آخر عمرها وقد رمت نفسها من سنوات في مقهى بسيط لها في صحراء الجزائر تديره بنفسها امرأة ليس لها من أحد سوى قطة وكلب وتقول في شبه أسف ما وقد اختلط بحزن ما غير محدد من سنة 1994 عندما سرقني أهل المنيعة جئت إلى هنا فيلم وثائقي عن وحدة الإنسان الوحيد واختياره القاطع لوجوده لحسان فرجاني 2019 وهو إنتاج جزائري فرنسي قطري ونال جائزة الأوز الأبيض في بمهرجان سول الدولي للأفلام التسجيلية وجائزة أفضل مخرج واعد من لوكارنو بسويسرا عجوز وحيدة مع قطة وكلب وفانوس صغير في مكان موحش بصحراء لا تحدها حدود تحت اسم شارع الصحراء 143 لا تخاف مليكة من بعدها على شيء سوى على القطة والكلب كثبان رملية هناك على مد البصر وليس لديها سوى الشاي وبعض البيض والخبز والماء كي تبيع بضاعتها البسيطة لسائقي المقطورات في الصحراء وبعض المغامرين والمغامرات من الأجانب عابري الصحراوات والبلدان ترقص بأسى لا يفارقها أبدا إن رأت السعادة تخاتلها في ناس الصحراء كما حدث في آخر الفيلم وتحكي مع العتال والسائق واللص والمثقف الذي لا يعرف إن كانت حبيبته تحبه أم لا وهي ترد عليه ببساطة طالما أكلت معك البيض في الصحراء مخلوطا بالرمال فهي بالتأكيد تحبك عن ماذا تبحث هذه السيدة في ذلك العالم الموحش من حولها وما يقينها الذي يدفعها إلى الاستمرار فيه حتى حين ما جاءت بجوارها بنزينة ومع البنزينة مطعم والحارس أيضا جاء وكان ذلك بمثابة شبه تهديد مباشر لخبزها وشايها ورزقها إلا أنها استبشرت رغم خوفها على رزقها بوجود حارس بجوارها تتكلم معه في أوقات ضيقها في الصحراء خصوصا لو هجرتها القطة أو مشت أو مات الكلب أو انقطعت عنها أخبار بقية أهلها وقد تركتهم هناك تدافع عن نفسها بالضحك تارة وبالسخرية من العالم أيضا وتتأمل الكثبان الرملية وخطباء الدين ومن يذهب كثيرا للحج والعمرة ثم تعود لتأمل الكثبان الرملية واحتضان قطتها ميمي أو البحث عن الكلب إن شرد هنا أو هناك هما صلتها الباقية بالعالم مع بعض الزوار وتضحك مع رجل في أسى عن أمر زواجها قائلة إنها لم يبق لها في الدنيا سوى الكفن والقبر ما الذي يقوله هذا الفيلم الوثائقي والذي يبدو أن صانعه دخل إلى حزن تلك السيدة بنبل ورهافة وبلا ميوعة أو تعاطف ساذج والمرأة مليكة هي الأخرى حزينة رغم أنها تمتلك ثقة ما وكأن تلك الثقة هي التي تمدها بذلك الفرح الخفي حتى وإن كان شحيحا ثقة رغم هول الصمت في تلك الصحراء الجزائرية القاسية والأيام القاسية أيضا وكأن الفيلم يقف مع المرء الوحيد أمام قسوة مرور الزمن في صحراء شاسعة ذلك المرء الذي لا يملك في مواجهة العالم والكثبان الرملية وأطماع الأهل سوى ذلك الكلب وتلك القطة والسخرية المرة من العالم والرؤساء الذين كانوا وراحوا مثل هواري بومدين حين ما افتتح الطريق الذي به مقهاها البسيط أما الرؤساء الحاليون فمكانهم كما تقول مليكة الطائرات وتكمل بأنها لا تنتظر أي شيء من الحكومة لأنها جالسة تحمي نفسها بنفسها في الصحراء وهي التي تأتي بالبضاعة من المنيعة رغم أنهم سرقوا مشروعها الأول حتى أسطوانة الغاز فأسست مقهاها هذا الجديد الذي تم فيه وحوله تصوير هذا الفيلم الوثائقي شارع الصحراء 143 الصور تقول الحزن مجسدا في تلال من كلمات امرأة حزينة ووحيدة تركت أهلها لا عن ضعف ولكن لأنها تريد أن تقول للعالم والصحراء هذا هو أنا مليكة حتى وإن كانت حزينة وتلوم الأهل وتعتبر نفسها أيضا سيدة وقد كان قدرها تلك الصحراء وهذه الكثبان نحن أمام فيلم يحكي شخصية عربية فريدة سيدة وحيدة فضلت أن تترك أهلها وتسكن مقهاها البسيط جدا على طريق شاحنات تعد الشاي وتحكي همها البسيط للغرباء وتستمع للناس بفطنة وتعرف بفطنة أيضا الصادق من الكذاب وحين ما يبدأ الليل تغلق مقهاها وتشعل فانوسها فتحس أن الصحراء قد صارت أنثى ولها بيت وشاي وفانوس وأمل قادم قد يطرق الباب مع شروق الشمس وقطة تظل بجوارها تحت الغطاء وكلب ينبح هناك يحرسها من الأذى تلك هي السيدة التي لا تخاف في الصحراء من الذئاب التي تمشي على أربع أرجل ولكنها تخاف من الذئاب التي تمشي على رجلين

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم