العقوبات المالية ورقة واشنطن الأكثر شراسة على بغداد
٥٣ مشاهدة
بالتزامن مع تصاعد الحديث سياسيا في العراق حول عقوبات مالية مرتقبة ستفرضها وزارة الخزانة الأميركية على جهات وشخصيات عراقية متهمة بالتعامل مع إيران أو حلفائها في المنطقة تظهر سجلات السنوات الأخيرة إدراج واشنطن عشرات المؤسسات المالية والمصرفية والتجارية والشخصيات السياسية والتجارية على لائحة العقوبات الأميركية منذ عام 2018 وتسبب ذلك بتحييد فاعليتها أو إغلاقها نهائيا ويقر مسؤولون عراقيون في بغداد بأن العقوبات المالية باتت الورقة الأميركية الأكثر تأثيرا في العراق وتفوق مسألة الضربات العسكرية التي وجهتها في السنوات الأخيرة لفصائل وجماعات مسلحة حليفة لطهران ووفقا لسجل طويل من العقوبات الأميركية المتراكمة على الأفراد والشركات والمؤسسات العراقية والذي بدأ منذ عام 2018 يظهر أنها طاولت بنوكا ومصارف وشركات تحويل مالي وشركات استثمار وسياحة وطيران وشخصيات سياسية ورجال أعمال وزعماء وقيادات بفصائل مسلحة لم تقتصر فقط على جهة معينة إنما شملت جهات سنية وكردية أيضا تحت البند المتعلق بالتعاون مع إيران وخرق العقوبات نصف المصارف محظورة ومع نهاية أكتوبر تشرين الأول 2025 تكون العقوبات الأميركية قد طاولت الكثير من مصارف العراق إلى جانب أكثر من 40 شخصية سياسية وفصائلية ورجل أعمال بتهمة التعامل مع إيران وانتهاكات حقوقية والقطاع المصرفي العراقي يكاد يكون الأكثر تأثرا حيث تظهر العقوبات التي تنشرها وزارة الخزانة الأميركية في موقعها الرسمي أن نحو نصف مصارف العراق الخاصة باتت تحت طائلة العقوبات الأميركية بما يحرمها من التعامل بالدولار هذه العقوبات تعني أن المصارف الأخرى المحلية والخارجية لا يمكنها التعامل معها حيث باتت بحكم المحظورة لديها خصوصا مصارف لبنانية وأردنية وتركية وإماراتية التي تعتبر أبرز جهات التعامل المالي العراقي مع الخارج وتؤشر هذه الإجراءات إلى تحول واضح في السياسة الأميركية من استهداف الأفراد والشبكات الصغيرة إلى تقييد البنية المصرفية نفسها في إطار ضغوط متصاعدة تتعلق بملف إيران والتحويلات المالية عبر العراق وفي نوفمبر تشرين الثاني 2018 كانت أولى حزم العقوبات الأميركية على جهات عراقية إبان حكومة عادل عبد المهدي حيث أعلنت الخزانة الأميركية عقوبات على السياسي ورجل الأعمال أوراس حبيب كريم بتهمة التعاون المالي مع فيلق القدس الإيراني وشملت العقوبات أيضا مصرف البلاد الإسلامي وشبكة من شركات الصرافة المرتبطة به في بغداد والنجف والسليمانية بعد اتهامها بتمرير أموال إلى جهات إيرانية عبر النظام المالي العراقي شكلت هذه الدفعة أول إشارة إلى أن واشنطن تتعامل بجدية مع ملف التحويلات التي تمر عبر العراق باتجاه إيران وسورية ولبنان وهو ملف ظل تحت مراقبة مشددة في السنوات اللاحقة بعد أقل من عام واحد أعلنت الخزانة الأميركية حزمة عقوبات ضخمة طاولت أفرادا وجهات مختلفة أبرزها شركة طيران عراقية فلاي بغداد التي اضطرت إلى الإغلاق وبيع أصولها على أثر ذلك ثم شركات عدة للشحن الجوي والسفر بعد اتهامات أميركية باستخدامها في تقديم دعم لوجستي لنظام بشار الأسد في دمشق كما طاولت القيود عددا من شركات التحويل المالي مثل الحبوبي والكوثر والموسوي ومكاتب أخرى في البصرة وكربلاء التي اتهمت بتهريب الدولار خارج العراق خصوصا نحو إيران ولبنان بالتزامن أعلنت وزارة الخزانة وضع كل من قيس الخزعلي وأكرم الكعبي وأحمد الحميداوي وريان الكلداني وفالح الفياض وأحمد الجبوري وليث الخزعلي وأبو آلاء الولائي وآخرين على قائمة العقوبات وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات بدت مفاجئة في المشهد السياسي العراقي بعد عام 2003 وإزاحة نظام صدام حسين عقب الغزو الأميركي فقد كانت مجرد بداية للضغط وتشديد الرقابة على حركة الدولار من وإلى العراق حزم عقوبات متتالية الموجة الجديدة من العقوبات تلت اغتيال الولايات المتحدة زعيم فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس مطلع يناير كانون الثاني 2020 حيث أصدرت وزارة الخزانة الأميركية حزمة كبيرة من العقوبات على أفراد وجهات مختلفة كان أبرزها مصارف المستشار الإسلامي والقرطاس الإسلامي والطيف الإسلامي وإيلاف وأربيل والبنك الإسلامي الدولي وعبر العراق والموصل للتنمية وسومر التجاري والثقة الدولي وأور الإسلامي والعالم الإسلامي وزين العراق الإسلامي وأدت العقوبات إلى تجميد تعاملات هذه المصارف بالدولار وقطع علاقاتها مع المصارف المراسلة ما أحدث اضطرابا واسعا في السوق المالية العراقية أعقبتها حزمة عقوبات أخرى عام 2023 طالت مصارف الأنصاري والشرق الأوسط والقابض وآسيا إلى جانب عدد من شركات التحويل المالي وفي فبراير شباط 2024 أعلنت الخزانة الأميركية دفعة جديدة تشمل ثمانية مصارف وهي أشور الدولي والمصرف الاستثماري العراقي والاتحاد العراقي والمصرف الإسلامي الكردستاني ومصرف الهدى والمصرف الإسلامي الجنوبي والمصرف العربي الإسلامي وحمورابي التجاري وفي فبراير 2025 أضافت الخزانة الأميركية خمسة مصارف أخرى وهي المشرق العربي الإسلامي والمتحد للاستثمار والسنام الإسلامي ومسك الإسلامي وأمين العراق للاستثمار والتمويل أعقبتها مطلع يوليو تموز من العام ذاته عقوبات على شركات ورجال أعمال بتهمة تسهيل تصدير النفط الإيراني عبر تزييف أوراق ومستندات لتغيير هويته ضمن ما عرف بـأسطول الظل أبرزهم رجل الأعمال العراقي الكردي سليم أحمد سعيد وفي أكتوبر الماضي أصدرت واشنطن حزمة عقوبات أخرى طاولت أفرادا ومؤسسات كان أبرزها شركة المهندس التابعة لـالحشد الشعبي ورجال أعمال بتهمة الارتباط بأذرع وجهات إيرانية أبرزهم علي محمد غلام الأنصاري وعلي مفتن البيضاني ووليد خالد حميد السامرائي منع الوصول إلى الدولار بالاعتماد على موقع وزارة الخزانة الأميركية يظهر أن واشنطن وضعت 35 مصرفا عراقيا على لائحة العقوبات التي تحظر التعامل معها وتمنع وصولها إلى الدولار وهو إجراء دفع غالبية دول المنطقة والمستثمرين والمودعين لوقف التعامل معها ما يعني أن نحو نصف مصارف العراق باتت تحت طائلة العقوبات حيث يبلغ عددها 72 بنكا ومصرفا حكوميا وخاصا إلى جانب 17 شركة مالية للتحويل والصرافة المالية بالعودة إلى العقوبات المفروضة على الأفراد يظهر أن واشنطن عاقبت منذ عام 2014 أكثر من 40 شخصية سياسية وفصائلية ورجل أعمال خلال الفترة ذاتها كان أبرزهم زعيم الحشد الشعبي فالح الفياض وقيادات أخرى مثل قيس الخزعلي وأكرم الكعبي وحسين المحمداوي وحسين مؤنس وريان الكلداني إلى جانب فصائل مسلحة جرى إدراجها على لوائح المنظمات الإرهابية مثل النجباء وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق والإمام علي وسيد الشهداء عائدات النفط في العراق الخبير بالشأن العراقي زياد الهاشمي قال في حديث لـالعربي الجديد إن واشنطن استثمرت حالة الاعتماد الكلي للدولة العراقية في إيداع عائدات النفط بالحسابات والمصارف الأميركية ورقة ضغط سياسية حاسمة وشرح نقطة مهمة في هذا الإطار وهي أن الولايات المتحدة توفر نظام حماية مالية لأموال النفط العراقي من مطالبات التعويضات الدولية المتعلقة بحرب الخليج وما ترتب على هذه الحماية من عملية إيداع لتلك الأموال في حسابات أميركية وأضاف الهاشمي وهو استشاري في اقتصاد النقل الدولي أن نظام العقوبات الأميركي لم يقف عند هذا الحد بل فرض سلسلة من الاشتراطات والضوابط على البنك المركزي العراقي تتعلق بإعادة هيكلة وتنظيم وإصلاح الجهاز المصرفي العراقي وهذا ما أفرز مؤخرا خطة إصلاح مصرفي تفرض على المصارف إما الالتزام بها أو الخروج للتصفية مؤكدا أن المنظومة السياسية العراقية كانت تغض الطرف أو تساهم في دعم عمليات غير نظامية وعمليات كسر نظام العقوبات المالي من خلف الكواليس تضررت الكثير من مصالحها وأجبرتها على الرضوخ ضمنا للمتطلبات الأميركية والسماح للمركزي العراقي بفرض إرادة الإصلاح الضغط على المنظومة السياسية العراقية تابع الهاشمي يمكن القول إن الضغط المالي الأميركي سلب أوراق قوة عديدة كانت تتمتع بها المنظومة السياسية العراقية وقيد قدراتها على التمرد على السياسة الأميركية أو إبداء أي تعنت أمام المطالب الأميركية وهذا كما يبدو انعكس على سلوك تلك المنظومة وجعلها تتقبل الانحناء أمام العاصفة الأميركية معربا عن اعتقاده أنه خلال الفترة القادمة ستحاول الطبقة السياسية العراقية البحث عن منفذ يساعدها على الاستمرار دون إثارة أو استفزاز الفاعل الأميركي وختم الهاشمي أن ذلك أتاح لواشنطن رصد ممارسات أو شبهات تتعلق بعمليات غسل الأموال وتهريب الدولار لدول وكيانات معاقبة أميركيا وبسببها جرى فرض عقوبات على مصارف عراقية وشركات وشخصيات ذات صلة بشبكة معقدة وواسعة متورطة بكسر نظام العقوبات معتبرا عقوبات واشنطن شكلت ضربة موجعة لتلك الشبكة التي تحتال على النظام المصرفي العراقي وتستنزف موارده المالية مما منعها بنسبة كبيرة من الوصول للدولار والقدرة على تحويله خارج العراق