يتساءل الباحث والكاتب البحريني حسن مدن هل نحن نعيش فعلا في عالمين أحدهما واقعي والآخر افتراضي أم أنهما يتداخلان حتى إن ما نحسبه افتراضيا بات واقعيا ونحن لا ندرك بالضبط في أيهما نقع وإن ما نقضيه من ساعات في متابعة ما نسميه عالما افتراضيا ربما يفوق تلك التي نعيشها في العالم الواقعي الذي سترثه الأجيال القادمة يقول مدن هذا في مستهل تقديمه إحدى جلسات الدورة الثانية عشرة من منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية التي اختتمت مساء اليوم في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة وبدا ما فكر ونطق به فلسفيا في صياغته ويوميا عاديا في معاشه لمجرد أن ينبهنا أحد إلى أسماء قديمة شمس شجرة أرض إنسان كأنه يعيد إلينا أسماء حفظناها وعلينا أن نؤكد اليوم ما حفظناه والسؤال لا يطرح وسائط التواصل بوصفها أدوات تقنية محايدة بل يضعها في موقع البنية الفاعلة التي تعيد تشكيل الوعي والسلوك والسياسة وتخفي حد التعمية وتكشف بوضوح حد النهار وتعمل على تقديم شخصياتها المستقلة رقميا يبدو العالم الافتراضي محتقنا أحيانا بينما لا يكون الأمر هكذا في الواقع المرئي في المجالس والديوانيات والسبلات يبدو هذا العالم مجالا لاختبار مزاج عام والتعبير عنه مثلما تتدخل في إدارته ورأيه العام منصات وظيفية في الهامش لكن دائما ثمة فعل في الهامش يؤثر في المركز بل يدفعه إلى تبني مواقف تنسجم مع الفعل السياسي الذي يعبر عن ذاته بطرق غير تقليدية مثل مجموعات واتساب يحدثنا هنا في إحدى جلسات اليوم من الكويت فهد الفضالة الأمين العام لمنتدى التطوير الوظيفي الخليجي حين عالجت ورقته وسائط التواصل بوصفها فعلا سياسيا وبرزت فيها مجموعة الثمانين في الكويت وهي كما قدمها ليست قوى سياسية بالمعنى التقليدي لكنها تمتلك حضورا رقميا يتجاوز أحيانا حضور المؤسسات الرسمية ثمانون يعني الرقم أنها مجموعة صغيرة ومن ثم هي أحد نماذج المجموعات التي تعتمد على وسائط التواصل الاجتماعي أداة استراتيجية مؤثرة في الرأي العام وصنع القرار السياسي وأظهرت نتائج الورقة التي قامت على المنهج الوصفي التحليلي أن المجموعات السياسية الصغيرة ذات قدرة متنامية على تجاوز النماذج الحزبية التقليدية بناء على آليات رقمية تتسم بالمرونة واللامركزية والتفاعل المستمر مع الجمهور مستخدمة في ذلك منصات التواصل الاجتماعي مثل إكس وإنستغرام ويوتيوب وواتساب إضافة إلى الحفاظ على قنوات تواصل تقليدية عبر الديوانيات العامة سؤال التنشئة انطلق سؤال التنشئة في أولى الجلسات وهو مدخل جديته غير مؤجلة يضع الإصبع على لحظة تأسيسية مفادها كيف تتشكل الذوات الجديدة في فضاء لا يخضع للمعايير التربوية التقليدية ثلاث أوراق بشأن الجندر والإدمان والتطرف ليست موضوعات منفصلة بل تشير مجتمعة إلى قلق عميق إزاء أجيال تؤسس هوياتها في منصات صممت أصلا لتحقيق الانتباه لا التنشئة خصوصية الخليج هنا ليست في وجود هذا القلق في بعض الأحيان يتوارى القلقون خلف ما يفعله ترامب في تجريفه لحقوق الإنسان وأدوات التعبير حتى العنصرية الدينية والعرقية المكشوفة ليقولوا إن العالم بأسره على قلق غير أن السياق الخليجي يطرح هذا القلق ضمن معادلة أكثر تعقيدا إذ تتداخل التحولات الرقمية مع بنى اجتماعية شديدة الحساسية تجاه الاستقرار ومع نظم سياسية تراقب فضاء عاما يمتد امتدادا مباشرا للمجال الواقعي لا هامشا منفصلا عنه في هذا الإطار لا تظهر وسائط التواصل أدوات مجرد حيز تعبير أو تنفيس إنما تتحول إلى مساحات تفاوض دقيق على حدود المسموح والممكن وعلى أشكال الفعل العام وحدوده هنا تتكثف الأسئلة حول من يملك الصوت وكيف يصاغ الرأي ومن يحدد سقف النقاش في بيئة يتقدم فيها القلق بوصفه وعيا جمعيا حذرا لا صرخة احتجاج صريحة ويمارس حضوره عبر الإيحاء والمناورة واللغة الملتبسة أكثر مما يمارسه عبر المواجهة المباشرة إلى السياسة انتقلت الجلسة الثانية من التنشئة إلى السياسة ومن الفرد إلى الفضاء العام تحليل تغريدات نواب مجلس الأمة الكويتي بعد الحل والتفاعل العماني الرقمي مع القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول والدبلوماسية الدينية الإماراتية كما تنعكس على وسائط التواصل هذه الأوراق الثلاث تشترك في رصد لحظة انتقال السياسة من فضاء التمثيل الرسمي إلى فضاء التأثير الرمزي ما يجعل هذا الطرح لصيقا بالتجربة الخليجية أن المجال السياسي التقليدي في أغلب دول الخليج محدود أو مقيد حين يحل برلمان أو تضيق مساحات التعبير المؤسسي تصبح المنصات الرقمية الفضاء البديل مع وجود استثناءات حيوية تتحرك بحسب أحداث تاريخية تكسر التنميطات وسقوف التوقعات إحدى الأوراق المشتركة من عمان للباحثتين وضحاء الكيومية وصفية الهاشمية ترصد بالتحليل التفاعل الرقمي لدى الشباب العمانيين تجاه القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 الذي أعاد حضور القضية بقوة في الخطاب العربي عموما وفي سلطنة عمان على وجه الخصوص في السياق ذاته كان أحد الحضور يجادل ضد التنميط السياسي للبحرين في وسائط التواصل حين قال إن الشارع البحريني كان ينزل إلى التظاهر مرتين على الأقل أسبوعيا من دون أن تمنعه السلطات وكانت من ثم المشاهد المصورة بالفيديو تحاول أن تقول شيئا في مواجهة المزاعم التي تنفي وجودها بيت العائلة الباحثة في سياسات الشرق الأوسط nbsp إيكاترينا إيلينا ماتوي تناولت أحد التمظهرات السياسية التي يصعب تمريرها من دون استقطاب سريع يتعلق بهذا العنوان وسائط التواصل الاجتماعي في مواجهة الدبلوماسية الإماراتية بين الأديان بيت العائلة الإبراهيمية واتفاقيات أبراهام 2020 2025 فقد أنشئ بيت العائلة الإبراهيمية في أبوظبي عام 2023 باعتباره مجمعا حكوميا يحتضن الحوار بين الأديان ويضم مسجدا وكنيسة وكنيسا يجسد هذا المشروع التوجه الرسمي لدولة الإمارات العربية المتحدة نحو تعزيز التعايش الديني المستند إلى وثيقة الأخوة الإنسانية الصادرة عام 2019 ومع ذلك تثور أحيانا إشارات إلى توترات بين الأهداف المعلنة للمجمع وبعض أدوار الدولة الإقليمية كما أن ارتباطه باتفاقيات أبراهام يعزز الانطباعات القائلة إن المشروع يخدم مصالح سياسية واقتصادية إلى جانب أهداف تعزيز التقارب الديني في خاتمة تقديمها الورقة قالت ماتوي إنها بوصفها مسيحية أرثوذكسية تؤمن بأن النبي إبراهيم أبو الأديان السماوية الثلاث والحال الذي يطرح ذاته في سؤال مباشر كيف لفلسطين أن تكون حصة حصرية لواحد من الأبناء من الفقيه إلى المؤثر جلسة أخرى فتحت نقاشا حول انتقال السلطة المعرفية من الخبير إلى صانع المحتوى ورقة من الفقيه القانوني إلى المؤثر القانوني لقيت تعديلا ضروريا من محمد حسن الكعبي عميد كلية القانون في جامعة قطر إذ قال إنه لا وجود للضدية بل هما طرفان متقابلان مع ذلك فالقصة بمفاعيلها وخواتيمها دائما هذا التحول الرقمي أنشأ وجودا لمؤثرين قريبين من الشارع يفتون بمعلومات مختزلة وسهلة تقوم على التحذير من عواقب الأمور قانونيا وفي المحصلة دعت الورقة التي قدمها بالشراكة مع أستاذ القانون في جامعة قطر nbsp عبد الرحمن الباكر إلى تجاوز هذا عبر تشكيل أدوار للتثقيف القانوني التقليدي إذ إن ضعف أدوات المؤسسات القانونية التقليدي وعجزها عن بناء قنوات اتصال فعالة مع المجتمع أتاحا ظهور فاعلين جدد يقدمون المعرفة القانونية عبر وسائط رقمية منتدى دراسات الخليج أمام أمرين في منتدى خليجي سنوي يعني الأمر أن أبناء الخليج ينتدون أو باحثين عربا وأجانب يدرسون هذا الجزء المكون بحدوده السياسية الحالية من ست دول هي مجلس التعاون لدول الخليج العربية وثقافيا قلب الجزيرة العربية ويكون أمام المنتدين أمران الأول هو التعامل مع الخليج بوصفه كتلة متجانسة تختزل في مؤشرات عامة عن الاستقرار والريع والتحول الرقمي وهي مقاربة بقدر ما هي مريحة معرفيا فهي فقيرة تحليليا تمحو الفوارق الدقيقة بين التجارب وتغفل التباينات الاجتماعية والسياسية داخل كل دولة حتى داخل المدينة الواحدة الثاني هو الذهاب إلى قراءة أكثر تعقيدا ترى الخليج فضاء متعدد الإيقاعات تتجاور فيه أشكال تقليدية من الاجتماع السياسي مع أنماط رقمية ناشئة ويتقاطع فيه المحلي مع العابر للحدود والرسمي مع غير المنظور والمرئي مع ما يقال همسا عند هذا الخيار الثاني فقط يصبح المنتدى أكثر من حدث دوري ويغدو مختبرا لفهم كيف يعاد تشكيل المجال العام في منطقة لا تزال تقرأ غالبا بأدوات جاهزة فيما هي في الواقع تنتج أسئلتها الخاصة وتفرض لغتها الخاصة على من يحاول دراستها