سئل إدوارد فيليب رئيس الحكومة الفرنسية السابق ومرشح الانتخابات المقبلة عن حزب أوريزون يوم 8 ديسمبر كانون الأول الجاري هل الاستعمار جريمة فأجاب بنبرة استعلاء لا ولما كان الشيء بالشيء يذكر فإن هذه الإنكارية الفظة تذكرك فورا بدعوة البرلمان الفرنسي منذ 2005 إلى ضرورة اعتراف المؤرخين والبرامج المدرسية بشكل خاص بالدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا تحديدا وقد تحيلك على عربدة ترامب وإلى تبجح نتنياهو بإبادة الشعب الفلسطيني ثم قد تلتفت ناحية تلك القرية الصغيرة الشامخة على الحدود الجزائرية التونسية فتبلغ مسامعك أصداء فرانز فانون الذي ووري في الثرى هناك في 6 ديسمبر كانون الأول 1961 وهو يردد ألم أقل لكم إن على كل جيل أن يكتشف مهمته فإما أن ينجزها وإما أن يخونها كان هذا المارتينيكي الجذور الفرنسي الجنسية الجزائري الانتساب من العقول الاستثنائية ظلت أعماله حجر أساس في فهم قضايا العنصرية والاستعمار وعلم نفس المقهورين على الرغم من تعرضها لنوع من التناسي الممنهج ولعل في الاحتفال المتزايد بإحياء ذكراه إضافة إلى حضور أطروحاته بكثافة في النقاشات الأكاديمية والسياسية ما يدل على راهنية اقتراحاته الفكرية خصوصا من جهة تأمله في طبيعة العنف ودراسته الأثر النفسي للاستعمار وكيفية تشكيل هوية المقهور ووعيه بذاته أسئلة لا تزال مطروحة بقوة في الحركات الاجتماعية المعاصرة وليس من شك في أن العزة بالاستعمار على غرار العزة بالإثم التي أخذت تتفشى بشكل غير مسبوق في أغلب اليمين العالمي في السنتين الأخيرتين تحتاج بشدة إلى مثل فرانز فانون ثمة حدوس كثيرة بما آلت إليه البشرية في مرحلتنا الراهنة في كتبه المهمة ومنها بشرة سمراء أقنعة بيضاء 1952 استعمار يحتضر 1959 معذبو الأرض 1961 كتب تحث قراءها على مساءلة مرحلة ما بعد الاستقلال أو لنقل ما بعد الاستعمار العسكري المباشر وهل كانت مرحلة ناجحة أم مخيبة للآمال نعم توقع بعضهم بعد قرون من النهب المسلح أن تتحول تلك البلدان بين ليلة وضحاها إلى سويسرا أخرى مع قليل أو كثير من الشمس وابتسامات السكان الأصليين طبعا عرفانا بالجميل إلا أن فرانز فانون ما كان لينخرط في هذا الحلم الساذج ولو كان بيننا لذكرنا بأن الكلام المكتوب على وثائق الاستقلال والمرفوع في نشرات الأخبار كمن يرفع راية جديدة فوق مبنى قديم متصدع لا يعني مطلقا الاستقلال على أرض الواقع ذاك فحوى مقصد صاحب كتاب لأجل الثورة الإفريقية 1964 حين قال إن الاستعمار لا يسلم مفاتيح البلاد ويرحل بل يترك وراءه شبكة معقدة من البنى التي تحول الشعوب إلى مستهلكي استعمار دائمين لذلك احتاجت الدول إلى عقود لاستعادة بعض من ثرواتها واحتاجت بعد ذلك إلى عقود أخرى للتفريط في ثروات أخرى وبين هذه العقود وتلك لم يتم إتمام مهمات البناء الحقيقي استقلال التربية والتعليم والاقتصاد والمجتمع والصحة والثقافة أما النخب الجديدة فقد تعامل بعضها مع الديمقراطية بنوع من الاحتشام وأنكرها البعض الآخر متحولا إلى استعمار محلي يحتل المكان مثل ضيف ثقيل يسبق صاحب الدعوة والنتيجة كما أشار فانون نفسه برجوازية لا وطنية تتخذ من الوطنية قناعا وتحتكر الثروة وتخلع قبعة المستعمر لتضع مثلها في ولائم إقصائية مغلقة لا يدخلها الفقراء والمقهورون إلا لحمل الأطباق لكن فانون كما نعرفه لا يتركنا في العتمة كان يرى في المقاومة الشعبية تلك التي تتشكل في النقابات والجامعات والمزارع وحتى في صراخ المدن الصامت دليلا على أن التحرر ليس هدية من أحد بل هو مسار طويل يشبه تسلق حبل جرى تفتيت خصلاته لسنوات لذلك لم تكن نهاية الاستعمار أبدا خاتمة القصة بل أول سطر فيها خطوة أولى لكنها ليست كافية ما لم يهدم الهيكل القديم ويعاد بناء الإنسان كما حلم فرانز فانون إنسانا لا يكتفي بأن يكون مستقلا بل يكون حرا من الداخل إلى حد التخلص من صور المستعمر العالقة في ذاكرته هكذا حين يطرح السؤال من جديد ألم يكن حصاد الاستقلال الورقي مخيبا للآمال تجيب روح فانون ببعض السخرية نعم بالطبع خصوصا إذا توقعتم أن تشفى جراح قرون من النهب بضمادة من يوم استقلال