مأساة عائلة نصار في غزة بقايا المنزل تحولت إلى قبر
٥٢ مشاهدة
في واحدة من أكثر الحكايات قسوة في غزة يقف الفلسطيني محمد نصار شاهدا حيا على مأساة لا تحتمل بعد أن فقد اثنين من أبنائه دفعة واحدة غازي 15 عاما ولينا 18 عاما نتيجة انهيار مبنى مهترئ كان يؤوي أسرته المنكوبة محمد الذي دمرت الغارات الإسرائيلية بنايته السكنية المكونة من خمسة طوابق لم يجد ملجأ سوى الحواصل المتصدعة المتبقية من المبنى وهي غرف أسمنتية عارية بلا أبواب أو نوافذ يعرف جيدا خطورتها لكنه اضطر للسكن فيها تحت وطأة العجز وغياب أي بدائل تضمن الحد الأدنى من الأمان لعائلته nbsp كان محمد يعيش كل يوم على وقع الخوف ينام وأذناه تترقبان أي صوت تشقق أو اهتزاز ويوقظ أبناءه في الليالي العاصفة خوفا من انهيار مفاجئ ورغم إدراكه أن هذه الحواصل لا تصلح للسكن الآدمي إلا أن قسوة النزوح وانعدام المأوى دفعته إلى المجازفة بأرواح أحبته على أمل أن تمر الأيام بسلام أمس الجمعة تحولت هذه المخاوف إلى حقيقة دامية فبينما خرج محمد في ساعات الظهيرة لشراء مستلزمات وجبة الغداء اشتد المنخفض الجوي المصحوب بالأمطار والرياح ولم يحتمل ما تبقى من المبنى المنهك بثقل الزمن والطقس في لحظة واحدة انهار الحاصل فوق رؤوس أسرته لتختلط أصوات الرياح بصراخ الجدران المتهاوية يقول محمد نصار لـالعربي الجديد إنه صدم من هول المشهد لحظة عودته حين رأى ما تبقى من المبنى يجثم فوق أجساد أفراد أسرته وقد تجمع الجيران وبدأ يصرخ بأسمائهم يحفر بيديه العاريتين بين الحجارة والخرسانة قبل أن ينتشل جسدا غازي ولينا بلا حراك nbsp ويتابع كانت لحظة قاسية تجمد فيها الزمن حين وقفت عاجزا أمام فقدان فلذتي كبدي فيما لا تزال رائحة الطعام الذي كان ينوي إعداده معلقة في ذاكرته كطعنة إضافية في قلبه وبقي ركام البناية السكنية المكونة من خمسة طوابق شاهدا صامتا على شراسة القصف ويوضح نصار أنه المنزل قصف في الشهر الثاني للعدوان وأعيد قصفه للمرة الثانية في النزوح الأخير في شهر سبتمبر أيلول الماضي وبعد عودته من النزوح لم يجد أمامه سوى السكن داخل حواصل البناية المتصدعة بعد أن تقطعت به سبل إيجاد مأوى آمن لأسرته المكونة من سبعة أفراد nbsp ويبين نصار الذي أنهكته الحرب أنه كان يعيش مع زوجته وأبنائه الخمسة في هذا الحاصل المتصدع وهو يعلم تماما أن السكن فيه بمثابة اللعب مع القدر فالجدران متشققة والأسقف الخمسة مصفوفة بعضها فوق بعض ثقلا على أعمدة الحواصل الهشة لكن بعد أن فقد منزله بالكامل لم يجد أي خيار آخر وكانت هذه الحواصل مقبرة مؤجلة اختارها مضطرا هربا من الموت في العراء وكان يوم أمس الجمعة يوما قاسيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى حين اجتاح المنطقة منخفض بيرون المصحوب بالرياح القوية والأمطار الغزيرة كانت المياه تتسرب من كل شق والرياح تئن بين بقايا الأعمدة وكأنها نذير شؤم nbsp وعن تفاصيل ما جرى يقول نصار إنه غادر الحاصل قبل الظهيرة حين قررت زوجته إعداد وجبة الغداء في محاولة لإضفاء بعض الدفء على حياتهم المهددة توجه إلى السوق القريب لشراء بعض الخضراوات تاركا خلفه زوجته والأبناء منهمكين في إعداد الوجبة كانت لينا تساعد والدتها بينما كان غازي يحاول إشعال موقد بسيط لإنضاج الطعام في تلك اللحظة ومع هبوب عاصفة رياح قوية جدا لم يستطع سقف الحاصل الواهن الذي يحمل ثقل طوابق المبنى المهدوم تحمل الضغط والرطوبة ليصدر صوت ارتطام مدو يقطع صمت المنطقة لينهار ما تبقى من المبنى بالكامل فوق الأسرة التي كانت تحلم بالدفء والأمان nbsp كانت لينا الابنة البكر لمحمد نصار شعلة من النشاط والأمل نجحت في الثانوية العامة قبل بضعة أسابيع وتحلم بالالتحاق بالجامعة بينما كان يتجهز شقيقها غازي للالتحاق بالصف الثاني ثانوي إلا أن تلك الأحلام هرست مع أصحابها تحت الأسقف الثقيلة والمتراكمة قصة محمد نصار ليست استثناء بل صورة موجعة لواقع آلاف العائلات في غزة التي اضطرتها الحرب إلى السكن في أماكن مدمرة وغير آمنة حيث يتحول الخوف من القصف إلى خوف آخر من الانهيار والموت الصامت