أسامة عبد الفتاح الغناء ما قبل الحرب العالمية الأولى
٥٥ مشاهدة
في زمن يشهد استسهالا وسرعة في إنتاج الموسيقى عالميا وعربيا وفي ظل تدهور حاد للأحوال المعيشية والأمنية والسياسية في لبنان والمنطقة يبقى هناك حيز وإن كان صغيرا لمد صلات ما بين حاضرنا المتردي ثقافيا وماضينا الغني أملا في خلق استمرارية لما أسسه أجدادنا حين كانت الهوية العربية الموسيقية حاضرة وذات صوت مسموع ومقدر هو ماض لا يبدأ مع الزمن الجميل أو زمن العمالقة كما هو متعارف عليه إعلاميا بل يعود إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى وهي الفترة الزمنية التي سيصحب الفنان أسامة عبد الفتاح زواره في رحلة إليها عبر تسجيلات موسيقية عربية تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين الأرشيف يغني هو اسم العرض الجديد للموسيقي وعازف العود أسامة عبد الفتاح الذي سيستضيفه مسرح مترو المدينة في بيروت غدا الثلاثاء يقدم الفنان عرضا سرديا حول تاريخ الموسيقى العربية التقليدية وانتقالها من حلقاتها الحميمة ورواجها الشعبي إلى عصر التوثيق والتسجيل بدءا مع تطور الصناعة الموسيقية ودخول اختراع الفونوغراف والأسطوانة الشمعية ثم أسطوانات أقراص الفينيل وما تلاها من تكنولوجيا اهتمام عبد الفتاح بذلك نابع من رسالة شخصية تكونت لديه خلال سنوات دراسته الأكاديمية لعلوم الموسيقى والتربية الموسيقية تحديدا ومن ثم عمله في مجال الأرشفة إذ لاحظ أن المعلومات حول تاريخ الموسيقى العربية متاحة للباحثين فقط وتكون متوفرة لتلامذة المدارس وطلاب المعاهد الموسيقية من هنا تولد لديه حافز لخلق جسور معرفية من خلال حصص التدريس لطلابه من الهواة والمحترفين على حد سواء كما لدى جمهوره من خلال العروض التي يحييها موسيقيا أو من خلال مشاركته في مشاريع موسيقية متنوعة يحمل أسامة عبد الفتاح بكالوريا في مجال العزف على آلة العود التقليدي من المدرسة الموسيقية في الجامعة الأنطونية في لبنان وهو حاضر في المشهد الموسيقي اللبناني والعالمي عزفا وغناء وفي الوقت نفسه كانت فكرة إعادة بث الموسيقى وإحيائها تأخذ أشكالا متنوعة لديه من خلال ورش العمل الموسيقية والدراسة الأكاديمية تلك الفكرة مرت بمحطات متعددة في لبنان وخارجه حتى عام 2019 في بيروت حيث قدم عبد الفتاح عرضا بعنوان فونوغراف وشاي استضاف فيه الحضور مع فناجين من الشاي الدافئ كأنما هم في زيارة منزلية ثم قدم لهم نماذج من تسجيلات موسيقية قديمة مع نبذ حولها إضافة إلى تقديمها حية بطريقته الخاصة يشير عبد الفتاح إلى فترة دراسته الجامعية بوصفها بذرة تكون تلك العروض إذ كون مع عدد من زملاء الدراسة مجموعة باسم فرقة التراث الموسيقي العربي كانت الموشحات والأدوار العربية صلب اهتمامهم إذ دأبوا على حفظها وتقديمها بتأويل وصياغة جديدة أمام الجمهور بعد فونوغراف وشاي انتقل العرض لخشبة مترو المدينة تحت عنوان جلسات من غير خشخشة في إشارة إلى التسجيلات مطلع عشرينيات القرن الماضي التي كانت تبدأ بصوت يقول أسطوانات من غير خشخشة ذلك حين بدأ عصر التسجيل الكهربائي ما ضمن ثباتا أكثر للصوت من دون تشويش خشخشة ولا سيما صوت المغني الذي صار لديه ميكروفون مخصص لانفراده بالغناء كان عبد الفتاح يخطط حينها لأن يقدم حلقات متتالية من الجلسات من دون الخشخشة تلك إلا أن خشخشة أكبر طغت على صوت الموسيقى مع أحداث ثورة الشارع اللبناني في ذلك العام وما تلاها من انهيار اقتصادي الأمر الذي حال دون استمرار العمل مع انتشار فيروس كورونا الذي رافقه حجر صحي دخلت الفكرة في سبات دام سنوات ثلاث قبل أن يكسر بعرض قدمه عبد الفتاح في باريس بعنوان Les Archives chantant وها هو اليوم يعود بدعوة من مترو المدينة لإعادة تقديمه في بيروت يتحدث أسامة عبد الفتاح عن فكرة عروضه التشاركية تلك فيقول عندما نفهم تاريخنا يمكننا أن نقدم نقدا بناء لما مرت به موسيقانا تاريخيا ومن ثم نرى ما يمكننا القيام به حيال ذلك فالتردي الذي أصاب الموسيقى عبر الزمن هو أمر تأثرت به جميع الفنون والآداب وميادين الحياة عموما ولا تقف المسألة عند إدراك مكامن الضعف لدى المشهد الموسيقي اليوم بل الوعي لسياسات شركات الإنتاج التابعة لسياسات الدول الكبرى وتنفيذ أجنداتها في بلادنا فالاستعمار الجغرافي يبدأ مع استعمار الفكر الحديث عن الاستعمار الفكري والغزو الثقافي هو أمر يحرص أسامة عبد الفتاح على إثارته في عروضه في لبنان وفي أوروبا فيشارك الحضور معلومات حول سياسات التسويق والإنتاج لدى الشركات المهيمنة وأساليبها التلاعبية منذ بدء عصر التسجيل الصوتي كأن ترفع شهرة مطرب وتسقط آخر أو أن تنشر مفاهيم سلبية من خلال أغان ذات محتوى فارغ كما أن تلك الشركات فتحت بابا سهلا كان يسمح لأي كان بصرف النظر عن معرفته الموسيقية أن يسجل أسطوانة تماما كما يحدث اليوم في عالم مواقع التواصل الاجتماعي التي فتحت منابر مجانية للجميع وتصنع أسماء لأفراد يقدمون محتوى لا قيمة له يقول عبد الفتاح إن سهولة الوصول إلى آلات التسجيل استغلها المستعمر لبث أفكار في بلادنا مست بالقيم وبالدرجة الأولى القيم الموسيقية لشركات الإنتاج العالمية غايات ربحية وفي الآن نفسه سياسية لها علاقة بالسيطرة على بلادنا من خلال التحكم باقتصادها وأسواقها لذا مقابل أهمية التطور التكنولوجي وضرورته لإنتاجنا الموسيقى وتوثيقها جيدا لا بد أن نفهم كيفية الاستفادة من مواكبة العصر بوعي تام لمواجهة أهداف السياسات العالمية nbsp