يغطي كتاب أحمد بيضون في مهب النكبة اللبنانية أشواط ووقفات الصادر عن دار رياض الريس في صفحاته الخمسمئة والسبع والعشرين عقدا ونصف العقد كما ورد في تقديمه في اثنتين وستين مقالة توزعت على خمسة مجالات جرى تعريفها في التقديم بأنها بين بنيوي يتناول النظام وحركي يعرض لأحوال البلاد وثالث لمسائل وقضايا عرضت فيها والرابع لأعمال مؤلفين والخامس من الخبرة الشخصية التي تزاوج بين أجزاء من سيرة شخصية وسياسية نحن هكذا وبمجرد المرور على اثنين وستين عنوانا في دوامة عقد ونصف العقد حافلة بما يقرب من معظم المسائل والوقائع والمجالات التي خاضتها أو وصلتها من زمن أبعد الكتاب لذلك هو كتاب مرحلة فيه نستظهر كل ما عرض في زمن ليس عاديا بل هو في تفاصيله هذه يقرب من أن يكون افتضاحا كاملا وتاريخا أسود وانكشافا دامغا أي أن الكتاب في تواليه وأجزائه يجمع بين التاريخ وتحليله ونقده فلسنا أمام أي وقت إنه الوقت الذي نستشفه في العودة إلى العناوين التي هي أحيانا كثيرة أحكام وخلاصات المحال نظاما للحكم وحلقة الأنصاف المفرغة والمناهبة أو البنية السياسية لدولة نحو الإفلاس والدولة الضحلة ونقد الحرب استبقاء خط التماس إلخ الكتاب إذ يعالج واقعا كارثيا يسميه نكبة يصارح بما فيه بل يراه من أقصاه وأكثره استعصاء لكن سبيله إلى ذلك بناء متين معالجة سلسلة لا تمانع من أن تقف عند نهايات صاعقة يخدمها في ذلك لغة وأسلوب لا نغالي إذا وصفناهما بالإشراق والقوة الآسرة نكبة تستدعي سجالات سبقتها حول التاريخ والتعايش والزواج المدني في مائة عام من النظام الطائفي أوج التفعيل وأوج التعطيل نرى كيف صار للطوائف المهيمنة حق نقد طائفي وصار للطائفة استفراد بوزارة ولم تعد هناك مؤسسة أو مجال في الدولة بمنجاة من النظام الطائفي سنرى أيضا كيف صار لطائفة الشيعة جيش خاص وكيف راح هذا الحزب بعد حرب 2006 يستعرض قوته المسلحة ويقوم بردع أي قرار أو موقف لا يوافق خطه ذلك وضع لا يحول دونه الميثاق الوطني الذي له أيضا تاريخه الزائف ولا تنجح في مجابهته حركة 17 تشرين التي هي حصة لبنان من الربيع العربي فهذه الحركة التي قامت من جميع الطوائف وضمت نخبا ممانعة للطائفية لم تعدم أن تتسلل إليها قوى طائفية لعبت في الأمر على طريقتها هذا كله ينتهي بأن يكون المحال نظاما للحكم ونصير إلى انتظار يسمه الرعب ونتأمل مستقبلا داكنا بعينين مفتوحتين ونخضع لاغتيال سياسي قد تكون الدولة فاعلا فيه وقد يكون وسيلة إلى تعديل التوازن في البلاد هكذا نخوض في أوضاع ليس أمامها سوى الكارثة المفتوحة ولا تمنع من ذلك المكابرة بفرضية الانتصار أوضاع تستحيل فيها المناصب بنية سياسية وتبقى فيها الحرب الأهلية معلنة أو مضمرة لائحة وخط التماس باقيا تستدعي النكبة السجالات التي سبقتها وبقيت مع ذلك من حواضرها كذلك السجال حول الزواج المدني وذلك السجال عن كتاب التاريخ وما يدعى الصيغة اللبنانية صيغة التعايش الوطني المغدور وما سبق ذلك من نظرية تحيل للجغرافيا أمومة التاريخ كما جاء في فكر أنطون سعادة وما تبعه لكن بصيغة لبنانية من جواد بولس لن يكون باب المؤلفات بعيدا كتاب سونيا فرنجية وطني دائما على حق الذي تناولت فيه سيرة والدها رئيس الجمهورية اللبنانية في حينه لكن لبيضون وقفة أطول عند كتاب سمير فرنجية الإياب من أقاصي العنف الذي يبني على محاكاة الرغبة وكبش الفداء عند رينيه جيرار بحثا عن نظرية للعنف اللبناني لا يتذكر لبنان الاشتراكي اليوم إلا القليل تلك الحركة التي قامت في ستينيات القرن الماضي وكان بيضون من مؤسسيها كانت تلك في أساسها كما يروي من بعثيين قدامى زلزلهم انفصال الوحدة المصرية ـ السورية مع أمور أخرى فانقلبوا إلى الماركسية كان هؤلاء وأكثريتهم من الشيعة نخبا أتقنت لغتين في الأقل واتصلت بالثقافة الغربية الماركسية والبنيوية وعلم النفس كانت نخبا شاعرة بتفوقها وبخاصة على الأحزاب الشيوعية الفقيرة نظريا هذا التفوق صار ركنا في مسار أفرادها وبنيانهم لكن ذلك أفضى إلى عزلة وفقر في الممارسة وحتى انعدامها كما كانت نكسة عام 1967 وما تلاها من دخول المقاومة الفلسطينية إلى لبنان وضعا زادها تهميشا أمر حاولت مغالبته بالوحدة مع منظمة الاشتراكيين اللبنانيين المنحدرة من حركة القوميين العرب هذه الوحدة التي أثمرت تنظيما هو منظمة العمل الشيوعي كانت كما يقول بيضون انتحارا سرعان ما بدت آثاره في خروج كل من لبنان الاشتراكي من التنظيم الجديد لدى أول عقبة أو مواجهة داخلية قد يكون لبنان الاشتراكي منسيا اليوم لكن في نص أحمد بيضون ما يمكن أن يكون خطة لقراءة تاريخ الثقافة في لبنان وهو ليس نافلا في تاريخ البلد كله عقد ونصف من زمن موغل في الاضطراب حاضر بحوادثه وما يتفاعل فيه وما يدور حوله من أفكار وردود هكذا يملك كتاب أحمد بيضون بمقالاته الاثنتين والستين مسارا موصولا ودرجة من التقارب والتكامل مع تعدد الوجوه والزوايا مما يجعل منه كتابا واحدا شاعر وروائي من لبنان