تظهر أزمة الدواجن في قطاع غزة عمق التحديات الاقتصادية والمعيشية التي يواجهها السكان في ظل استمرار القيود الإسرائيلية المفروضة على إدخال المواد الغذائية الأساسية فالكميات المحدودة التي يسمح الاحتلال بدخولها لا تغطي سوى جزء بسيط من احتياجات السوق ما أدى إلى اضطراب منظومة التوريد وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق وفي الوقت الذي تبذل فيه جهود حكومية لتنظيم عملية الاستيراد والتوزيع وضمان وصول الدواجن للمواطنين بالسعر العادل إلا أن غياب السيطرة الفلسطينية على المعابر وتغول السوق السوداء جعلا الأزمة تتفاقم بشكل يومي لتتحول إلى واحدة من أبرز مظاهر الحصار الاقتصادي المفروض على القطاع وحتى بدء الحرب في أكتوبر تشرين الأول 2023 كان في القطاع العشرات من مزارع الدواجن تنتج قرابة مليوني دجاجة شهريا و19 فقاسة للتفريخ وإنتاج الكتاكيت مع مصنعي أعلاف لكن دمرت كل هذه المنظومة خلال عامي الحرب شح وتحديات بدوره أكد القائم بأعمال مدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد الوطني بغزة محمد بربخ أن القطاع يشهد شحا كبيرا في كميات الدواجن التي تدخل من المعابر مشيرا إلى أن ما تسمح سلطات الاحتلال بإدخاله لا يتجاوز 30 من حاجة السكان والمطاعم في أحسن الأحوال وقال بربخ في حديث لـالعربي الجديد إن تسعير الدواجن مرتبط بجودتها إضافة إلى دفعات الاستيراد والتنسيق مع الجهات المعنية لافتا إلى أن خطة وزارة الاقتصاد تقوم على تسليم التجار الكميات المستوردة وبيعها بسعر موحد بعد احتساب سعر الاستيراد والتكاليف مع الأخذ بعين الاعتبار تخصيص حصة لزبائن التجار ولفت إلى أن جزءا من التجار لم يلتزم بتسليم الكميات لبيعها عبر نقاط التوزيع المعتمدة مؤكدا أن الوزارة تعمل حاليا على اتخاذ إجراءات قانونية رادعة بحق التجار المتلاعبين بالأسعار أو بالكميات وشدد بربخ على أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم وجود سيطرة فلسطينية على المعابر الأمر الذي يؤدي إلى تسرب كميات من الدواجن إلى السوق السوداء دون رقابة كافية ويمنع توزيعها بشكل عادل وبالسعر المناسب للمواطنين وأشار إلى أن إسرائيل لا تزال ترفض منح أذونات استيراد للتجار وتسمح فقط بدخول كميات محدودة جدا وهو ما يبقي حالة المجاعة قائمة في القطاع نتيجة النقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية كذلك أوضح بربخ أن مطاعم غزة تصنف ضمن القطاع الخدمي التشغيلي وتسعى الوزارة إلى تنشيطه وإعادة تشغيله ودعمه بالمستلزمات المطلوبة وهي تعكف على إعادة تقييم الأسعار الخدماتية لهذا القطاع للوصول لتسعيرة عادلة تضمن عدم الاستغلال في ظل الأزمة الراهنة بدوره تذمر المواطن عادل صبري من عدم قدرته على تناول الدواجن حتى بعد مرور شهر على وقف إطلاق النار وإدخال كميات محدودة منها إلى الأسواق وقال صبري لـالعربي الجديد تعلن الوزارة عن وجود نقاط بيع ونذهب إليها لكنها تكون مزدحمة جدا ولا نتمكن من الشراء وأضاف الوزارة تحدد سعرا معينا للدواجن لكننا نجد أنها تباع في السوق السوداء بأسعار مضاعفة لا نقوى على شرائها مشيرا إلى أن الأسر محدودة الدخل أصبحت تعتمد على المعلبات أو العدس والفول بديلا عن الدواجن التي كانت وجبة أساسية قبل الحرب وأكد صبري أن الإجراءات الحكومية تحتاج إلى رقابة ميدانية أكبر داعيا وزارة الاقتصاد إلى ضبط التجار الذين يتهربون من نقاط البيع الرسمية ويضخون بضاعتهم في السوق السوداء بأسعار فلكية تزيد من أعباء المواطنين وتكرس الفجوة الاجتماعية في القطاع تكاليف استيراد باهظة في غزة من جهته أكد صاحب أحد المطاعم العاملة في وسط القطاع أنهم يعانون بشكل كبير في الحصول على كميات من الدواجن لتشغيل مطاعمهم مشيرا إلى أن الأسعار مرتفعة جدا مقارنة بما تحدده وزارة الاقتصاد وقال لـالعربي الجديد إن الوزارة تحدد سعر الكيلوغرام بـ35 شيكلا لكننا نشتريه من أحد التجار في السوق السوداء بمبلغ 64 شيكلا وهو ما يبقي الأسعار مرتفعة داخل المطاعم ويؤدي إلى تراجع الإقبال بشكل واضح ولفت إلى أن المشكلة لا تقتصر على الدواجن فقط بل تمتد إلى نقص الغاز المستخدم في الطهي موضحا أن الهيئة العامة للبترول لا تخصص أي كميات من الغاز للمطاعم ما يضطرنا إلى شرائه من السوق السوداء بسعر يصل إلى 80 شيكلا للكيلوغرام الواحد وأوضح أن استمرار الأزمة بهذا الشكل يهدد بإغلاق العديد من المطاعم الصغيرة التي لم تعد قادرة على تغطية تكاليف التشغيل الباهظة في ظل تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين وغياب البدائل المناسبة ووفق مصدر تجاري مطلع فإن طلبات استيراد الدواجن واللحوم تقدم بشكل دوري للجانب الإسرائيلي إلا أن القليل جدا منها يقبل ما يعوق وصول كميات كافية للسوق المحلي ويبقي الأسعار في مستويات مرتفعة وقال المصدر لـالعربي الجديد إن رسوم التنسيق المفروضة على شاحنة الدواجن الواحدة تتراوح بين 400 و500 ألف شيكل وهي مبالغ ضخمة تضاعف التكلفة النهائية وتؤدي إلى بقاء أسعار الدواجن أعلى بخمسة إلى ستة أضعاف سعرها الطبيعي قبل الحرب وأشار إلى أن هناك مبالغ أخرى تدفع لتأمين الشاحنات من السرقات أثناء نقلها داخل القطاع في ظل حالة الفوضى الأمنية في بعض المناطق ما يزيد من الأعباء المالية على التجار ويؤثر سلبا باستقرار الأسعار ولفت المصدر إلى أن هذه التكاليف الإضافية تجعل السوق المحلية عاجزة عن العودة إلى وضعها الطبيعي مطالبا المجتمع الدولي بالتدخل لفتح المعابر بشكل منتظم والسماح بإدخال المواد الغذائية دون قيود بما يضمن استقرار الأسعار ووقف تفاقم الأزمة المعيشية في غزة