تماما عند الساعة التاسعة من صباح اليوم الخميس كما كان مقررا منذ أسابيع وقف سلام الكواكبي مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس في قاعة صغيرة تابعة لمقر المركز امتلأت عن آخرها بالباحثين والصحافيين والمثقفين والحضور الذين تحدوا قرار الإلغاء وحضروا المؤتمر الذي يختتم اليوم ليرحب بهم معلنا بكلمات هادئة وبصوت حاسم نفتتح اليوم هذا المؤتمر رغم كل ما حدث لأن الكلمة لا تحبس ولأن النقاش لا يلغى بقرار إداري هكذا انطلقت أعمال مؤتمر فلسطين وأوروبا ثقل الماضي والديناميات المعاصرة في جو متعاطف مع حرية الكلمة بعد أيام من الجدل السياسي والجامعي الواسع الذي أثاره قرار كوليج دو فرانس إلغاء استضافة المؤتمر رضوخا لضغوط لوبيات سياسية وإعلامية مكثفة رحب بها وزير التعليم العالي الفرنسي فيليب باتيست علنا وبعد قرار قاضي محكمة الاستعجال في باريس رفض الطعن الذي قدمه منظمو المؤتمر لكن الكواكبي أصر على أن ما حاول البعض طمسه خلف الجدران خرج اليوم إلى العلن وأن هذا المكان هو مكان للحرية وللكلمة العلمية وأنه لا يمكن لأي جدار أن يسكت الكلمة أوروبا تتكيف مع الفصل العنصري وتعامل إسرائيل كدولة أوروبية بهذه الكلمات انطلقت أعمال المؤتمر وأخذ الكلمة المؤرخ الفرنسي هنري لورانس أستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر ورئيسه في كوليج دو فرانس متناولا خيوط العلاقة المعقدة التي ربطت أوروبا بفلسطين على مدى قرنين فمنذ الثلث الأخير من القرن الثامن عشر بدأت فلسطين تكتسب أهمية استراتيجية كبيرة في العلاقات الدولية الأوروبية بسبب مكانتها الدينية باعتبارها الأرض المقدسة ومع تراجع قوة الإمبراطورية العثمانية وظهور ما عرف بـالمسألة الشرقية دخلت القوى الأوروبية الكبرى في منافسة على النفوذ داخل الأراضي العثمانية وكان لكل منها هدف سياسي مرتبط بالانتماء الديني للطوائف المحلية فقد ادعت فرنسا حماية المسيحيين الكاثوليك بينما تبنت روسيا حماية المسيحيين الأرثوذكس وعرضت بريطانيا حمايتها على اليهود وهو ما مهد لاحقا لظهور الحركة الصهيونية هذه الديناميات التاريخية على حد تعبير المؤرخ الفرنسي وضعت الأسس لصراعات لاحقة إذ شكلت التدخلات الأوروبية في فلسطين أساسا للسياسات الاستعمارية الحديثة وأسهمت في تطور النزاع الفلسطيني الإسرائيلي الذي سيظهر بشكل أوضوح في القرنين التاسع عشر والعشرين تحديدا من حيث انتهى المؤرخ الفرنسي بدأت المداخلة الافتتاحية للمفكر العربي عزمي بشارة النص الكامل لكلمة عزمي بشارة على الموقع الإلكتروني والتي أطرها بدءا من القرن التاسع عشر مع ازدياد الاهتمام الاستعماري بالمشرق العربي الذي شمل بلاد الشام بما فيها فلسطين هذا القرن كما أشار بشارة شهد إقبال باحثين في اللاهوت ورجال دين ورحالة وجغرافيين أوروبيين على السفر إلى فلسطين ولم يكن هؤلاء رحالة صهيونيين ولا يهودا بل كانوا مسيحيين أوروبيين ويتابع بأنه لم يكن ثمة كتابات وأبحاث عن جغرافية فلسطين وتاريخها بأقلام باحثين يهود وقد عبر الناشطان الصهيونيان من بولندا وأوكرانيا دافيد بن غوريون وإسحاق بن تسفي عن دهشتهما لأن غالبية الكتابات والمسوحات حول فلسطين حتى ذلك الوقت أنتجها مؤرخون ورحالة وثيولوجيون ولاهوتيون أوروبيون مسيحيون nbsp يقول صاحب قضية فلسطين أسئلة العدالة والحقيقة إن المسألة اليهودية في أوروبا ظهرت بوضوح في النص الثاني من القرن التاسع عشر قبل ظهور المسألة الفلسطينية منفصلة عما سمي المسألة الشرقية إنها مسألة يهودية سبقت نشوء المسألة الفلسطينية وهي مسألة أوروبية خالصة وأوضح بشارة أن الصهيونية نشأت في أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر متأثرة بالتنوير اليهودي هسكلاه وبوصفها نفيا له في الوقت ذاته الحركة الصهيونية رفضت اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية وأكدت أن الحل للمسألة اليهودية يكمن في إقامة دولة قومية في فلسطين وأكد أن الصهيونية سعت إلى تحويل اليهود من مجرد طوائف دينية إلى جماعة قومية وهو ما يعكس الرؤية القومية الحديثة لتشكيل هوية سياسية مستقلة عن الدين وحده جيل جديد يدين المجرمين ويتضامن مع الضحايا بلا ازدواجية معايير ويوضح بشارة أنه تاريخيا كان العداء للسامية في أوروبا أقدم كثيرا من العداء للصهيونية اللاسامية الأوروبية نشأت قبل الصهيونية وأخذت أشكالا دينية وعرقية واقتصادية وارتبطت بالصراعات الداخلية الأوروبية وليس بالاستيطان الصهيوني في فلسطين هذا التمييز مهم لفهم أن العداء للصهيونية لا يساوي بالضرورة العداء للسامية وشدد بشارة على أن الفلسطينيين لم يكونوا طرفا في النقاش الأوروبي حول اليهودية والصهيونية ولم يكن لديهم موقف عدائي تجاه اليهود قبل الاستيطان الصهيوني فمقاومة الفلسطينيين كانت دفاعا عن الأرض والحقوق الوطنية وليس رد فعل على العداء للسامية الأوروبي وتابع لم يخطر ببال قادة الحركة الصهيونية الأوائل أن يتهموا الفلسطينيين بالعداء للسامية بل اعتبروا رفضهم طبيعيا هذا يبرز الفارق بين الصراع الأوروبي الداخلي حول اليهودية والصراع الفلسطيني على الأرض ويشير إلى أن الإسقاط الإعلامي والسياسي لاحقا هو ما حول القضية الفلسطينية إلى ما يشبه النزاع الديني أو العرقي في التصورات الغربية في الختام أشار بشارة إلى أن أوروبا تتكيف مع واقع الفصل العنصري وتتعاون مع إسرائيل كأنها دولة أوروبية خارج حدود أوروبا بينما يظل الفلسطينيون محرومين الحقوق الأساسية nbsp مع ذلك يؤكد صاحب الانتقال الديمقراطي وإشكاليته أن ثمة جيلا جديدا يدين المجرمين ويتضامن مع الضحايا بعيدا عن النفاق وازدواجية المعايير وهذا برأي بشارة يشير إلى تحول مهم في وعي الرأي العام الذي يركز على العدالة الإنسانية والسياسية وليس مجرد الانحياز التقليدي لإسرائيل باعتبارها ضحية في الصراع ربما كان هذا التحول نفسه في الرأي العام هو الذي دفع كل من كان حاضرا في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر إلى التصفيق تحية لانتصار الكلمة الحرة التي حاول لوبيات صهيونية وأوساط حكومية وإعلامية وإدارة كوليج دو فرانس منعها من خلال قرارها بإلغاء المؤتمر يتابع المؤتمر الآن جلسته الثانية وفق البرنامج الذي كان مقررا والتي تحمل عنوان الصهيوينة كمشروع أوروبي للتوسع الاستعماري ويشارك فيها الباحثون رينا كوهين مولر والمؤرخ الإيطالي لورينزو كامل والباحثة ميشال سيغان حيث اتفقوا أنه منذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن التاسع عشر مهدت المغامرات الاستعمارية الأوروبية في الأرض المقدسة التي قدمت آنذاك بوصفها مهمات تمدينية الطريق أمام ظهور حركات استيطانية ذات طابع استعماري من بينها الصهيونية حيث nbsp قدموا أفكارا مشتركة لمحاولة فهم مشروع هرتزل وكيف تطور ليميز نفسه عن الكولونيالية الأوروبية وإلى أي مدى انسجم مع مصالح القوى الأوروبية في تلك الحقبة في محاولة مشتركة للتفكير في طبيعة الصهيونية وصلتها بالمشروعات التوسعية الأوروبية في القرن التاسع عشر وعقدت الجلسة الثالثة ظهر اليوم والتي حملت عنوان الفلسطينيون في ظل الانتداب البريطاني وتلتها جلسة المؤسسات الأوروبية تاريخ من العجز والجلسة الختامية لهذا اليوم نحو توحيد السياسات الخارجية الأوروبية على أن تستكمل غدا صباحا فعاليات المؤتمر