كلمة عزمي بشارة في افتتاح مؤتمر فلسطين وأوروبا

٩ مشاهدات
بعد حملة ضغوط مارسها التيار اليميني المؤيد لإسرائيل في فرنسا رضخ معهد كوليج دو فرانس وألغى استضافة مؤتمر مشترك مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس بعنون فلسطين وأوروبا ثقل الماضي والديناميات المعاصرة ما يشكل ضربة للحريات الأكاديمية في بلد أنجب منظرين ومفكرين في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير لكن هذا الاعتداء لم يحبط منظمي المؤتمر الذين خاضوا معركة ضد الإلغاء يقودها وزير التعليم العالي والبحث العلمي فيليب باتيست لم ينتصر القضاء الإداري الفرنسي لمسألة الحريات ودعم العمل البحثي والأكاديمي ما دفع المنظمين إلى عقد المؤتمر المشترك مع كرسي التاريخ في كوليج دو فرانس في مقر المركز العربي في باريس في كلمته الافتتاحية اليوم الخميس استعرض المدير العام لـالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات المفكر العربي عزمي بشارة التنظير الأوروبي للمسألة الفلسطينية جزءا من المسألة الشرقية بداية منذ القرن التاسع عشر والذي انطلق من دوافع دينية واستعمارية لافتا إلى بروز المسألة اليهودية قبل موضوع فلسطين مؤكدا على رفض الصهيونية في البداية مسألة اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية دافعة لاحقا إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وطرد السكان الأصليين مؤسسة استعمارا استيطانيا ينتج نظام فصل عنصري كما كان الحال في جنوب أفريقيا قبل أن ينتقل إلى حرب الإبادة في غزة والانحياز الأوروبي لإسرائيل ضد الضحية وكان أقصى ما بلغته في نظره هو الموازنة بين الطرفين هنا نص الكلمة الكاملة لعزمي بشارة يصعب حصر عدد زوايا النظر والمداخل التي يمكن الولوج منها إلى موضوع أوروبا وفلسطين إذ من المحال فصل فلسطين عن علاقات شمال البحر المتوسط بجنوبه وشرقه بصيغها وتشكلاتها المختلفة عبر التاريخ ومن المنطقي إذا كان موضوعنا قضية فلسطين أن ننطلق من القرن التاسع عشر مع ازدياد الاهتمام الاستعماري بالمشرق العربي الذي شمل بلاد الشام بما فيها فلسطين ومن غير المستغرب أن نتخذ منشأ الحركة الصهيونية في أوروبا مدخلا شهد القرن التاسع عشر إقبال باحثين في اللاهوت ورجال دين ورحالة وجغرافيين أوروبيين على السفر إلى فلسطين وأجرى بعضهم مسوحات لبيئتها الطبيعية والسكانية ونقبوا عن أي دليل قد يؤكد معتقداتهم الدينية nbsp بشأنها وإسقاط تصوراتهم التوراتية على تفاصيلها وفحص بعضهم إمكانية إعادة إحياء المملكة اليهودية المتخيلة وفقا للتاريخ التوراتي لم يكن هؤلاء رحالة صهيونيين ولا يهودا بل كانوا مسيحيين أوروبيين وغالبا ما كانوا من البروتستانت وقد عبر الناشطان الصهيونيان من بولندا وأوكرانيا دافيد بن غوريون وإسحاق بن تسفي على التوالي في مقدمة كتابهما أرض إسرائيل في الماضي والحاضر لعام 1918 الذي ألفاه في نيويورك بعد أن أبعدتهما السلطات العثمانية عن فلسطين عن دهشتهما من عدم وجود كتابات وأبحاث عن جغرافية فلسطين وتاريخها بأقلام باحثين يهود ومع أن غالبية الكتابات والمسوحات حول فلسطين حتى ذلك الوقت أنتجها مؤرخون ورحالة وثيولوجيون ولاهوتيون أوروبيون مسيحيون غالبا بدوافع دينية وهو أمر لافت فعلا فلم يكن ثمة نقص في عدد المؤرخين والباحثين اليهود لكنهم لم يكتبوا كتابا واحدا عن جغرافية فلسطين وتاريخها لم تكن فلسطين موضوع اهتمام العلمانيين اليهود قبل الصهيونية أما المتدينون فلم ينشغلوا بالبحث العلمي والمسوحات ورسم الخرائط ولم تكن علاقة غالبيتهم بما يسمونه أرض إسرائيل دنيوية الطابع غالبية الكتابات والمسوحات حول فلسطين حتى ذلك الوقت أنتجها مؤرخون ورحالة وثيولوجيون ولاهوتيون أوروبيون مسيحيون غالبا بدوافع دينية على كل حال اختلطت الدوافع الدينية بالمطامع الاستعمارية الجيوستراتيجية والاقتصادية والتنافس بين الدول الكبرى على اقتسام العالم مثلما حدث في احتلال أميركا في القرنين السادس عشر والسابع عشر وأجزاء أخرى من عالمنا وينطبق هذا أيضا على الاهتمام الاستعماري بالمشرق العربي أكثر من غيره حتى تلك الفترة لم تكن قد ظهرت مسألة فلسطينية منفصلة عما سمي المسألة الشرقية ولكن كانت هناك بالتأكيد مسألة يهودية فقد سبقت الأخيرة تاريخيا نشوء المسألة الفلسطينية لكنها كانت مسألة أوروبية خالصة لسنا في حاجة إلى الخوض في خلفيات المسألة اليهودية الدينية والاجتماعية الطبقية وظهور النظرية العرقية فالموضوع نوقش بكثرة في الدراسات حول اللاسامية في الواقع نشأت المسألة اليهودية عن الحداثة الأوروبية وتحديدا حينما شرعت الدول الأوروبية الرئيسة في تطبيق سياسات إدماجية لليهود وتصحيح أوضاعهم تدريجيا بما فيها إلغاء القوانين التي تميز ضدهم وكان مصدر ذلك الصراع بين مؤيدين لدمج اليهود وتطبيق المساواة القانونية عليهم كجزء من علمنة مؤسسات الدولة وتحييدها دينيا وبين المعارضين لهذا الإدماج تحت مزاعم تتعلق بطبيعة اليهود ودينهم وشريعتهم وعدم قابليتهم للاندماج وزيف ولائهم للأوطان التي يعيشون فيها فضلا عن نسج أساطير مثل بروتكولات حكماء صهيون بشأن وجود محفل يهودي عابر للحدود يحيك المؤامرات ضد الدول من خلال تأجيج الصراع الطبقي فيها وحتى إثارة الحروب بينها لإضعافها nbsp أصبح واضحا أن هناك مسألة يهودية في أوروبا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأنها تستخدم أيضا للتنفيس عن الصراعات الداخلية بتوجيه النقمة إلى عدو داخلي من خلال استغلال مزيج من الكراهية الدينية المسيحية من رواسب العصر الوسيط والقومية الإثنية والنظريات العرقية واتخذ ذلك شكل موجات عنف متكررة ضد اليهود الكلمة الروسية هي بوغروم أو شكل تمييز اجتماعي ضدهم في الدول التي تحققت فيها مساواة قانونية أي في غرب أوروبا عارض المثقفون اليهود الذين أسسوا الحركة الصهيونية النزعة الاندماجية لتيار الهسكلاه نشأت الصهيونية في أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر متأثرة بالتنوير اليهودي هسكلاه وبوصفها نفيا له في الوقت ذاته وعارض المثقفون اليهود الذين أسسوا الحركة الصهيونية النزعة الاندماجية لتيار الهسكلاه رغم أنهم كانوا في غالبيتهم اندماجيي النزعة قبل تبني الصهيونية وأكدوا أن اليهود ليسوا طوائف دينية فحسب بل هم شعب واحد أيضا وأصر بعضهم على أنهم عرق في سياق رواج النظريات العرقية ولكنهم في الوقت ذاته كانوا نتاج الإصلاحات الأوروبية التي أخرجتهم من الغيتو والتنوير اليهودي الذي شجع على التعليم الحديث وممارسة المهن المختلفة واشتركوا معه في معارضة انعزالية التيار الديني في الغيتو رفض التيار الديني الاندماج وأصر على مواصلة اليهود العيش وفق الشريعة اليهودية والحفاظ على خصوصية نمط الحياة وإن كان ذلك على هامش البلدان التي عدوها بلاد الشتات وبالعبرية غلوت أو غولاه أي منفى واتفقت الصهيونية مع التيار الديني على رفض الاندماج فقد رفضت الصهيونية اعتبار اندماج اليهود بوصفهم أفرادا مواطنين متساوين في الحقوق في المجتمعات الأوروبية حلا للمسألة اليهودية لكنها خلافا للتيار الديني دعت إلى الاندماج في المدنية الأوروبية بتأسيس دولة قومية مثل بقية الدول الأوروبية باعتبارها الطريق الوحيد لحل المسألة اليهودية خارج أوروبا وذلك من خلال الانخراط في المشاريع الاستعمارية الأوروبية رفضت الصهيونية اعتبار اندماج اليهود بوصفهم أفرادا مواطنين متساوين في الحقوق في المجتمعات الأوروبية حلا للمسألة اليهودية nbsp تلخصت رؤية الحركة الصهيونية لمهمتها الرئيسة ووظيفتها التاريخية بما قد يسمى في عصرنا بناء أمة من خلال إنشاء دولة وذلك بتحويل اليهود من مجرد طوائف دينية يقودها رجال دين يعدون المنفى عقابا إلهيا وينتظرون الخلاص الإلهي بقدوم المسيح المنتظر إلى جماعة قومية حتى لو كان يجمعها الدين فقط في غياب لغة وثقافة مشتركة وهي تعوض عن فقدان الأرض المشتركة بقومنة التوق الديني إلى فلسطين باعتبارها أرض إسرائيل التوراتية أي تحويله إلى توق قومي في السعي إلى إنشاء دولة قومية مثل الدول الأوروبية وشددت على ضرورة قلب الشخصية النمطية ليهود المنفى الضعيفة والمستكينة من منظورهم التي استخدم المنظرون الصهيونيون أسوأ الألفاظ في وصفها إلى شخصية قومية فخورة من خلال العمل الجسدي في الأرض وحمل السلاح وإنشاء يهودية العضلات كما سماها ماكس نوردو الرجل الثاني في القيادة الصهيونية ومنظرها الرئيس في مرحلة تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية هنا نشأت أول مرة صراعات بين الصهيونية وثلاثة معسكرات يهودية معادية لها التيارات اليهودية الدينية والتيارات اليهودية الليبرالية التي رأت أن الصهيونية تهدد إنجازات التنوير الأوروبي والتنوير اليهودي بتحقيق المساواة الحقوقية لليهود والتيارات اليسارية والاشتراكية اليهودية التي آمنت بأن حل المسألة اليهودية يكون بتحقيق الاشتراكية في البلدان الأوروبية نشأت أول مرة صراعات بين الصهيونية وثلاثة معسكرات يهودية معادية لها التيارات اليهودية الدينية والتيارات اليهودية الليبرالية نشأ عداء يهودي للصهيونية مع نشوئها وكان الصراع وجوديا فقد دار حول تعريف اليهودية أهي قومية أم يفترض أن تصبح قومية بفعل الصهيونية التي تبنت الأيديولوجية القومية الحديثة أم طائفة دينية كما عدها المتدينون والعلمانيون كل من منطلقاته فاليهودية بالنسبة إلى المتدينين هي دين وإذا كان اليهود شعبا فهم شعب مختار لا يشبه بقية الشعوب ولا القوميات الحديثة ولا يرنو إلى دولة قومية بل إلى الخلاص الإلهي وهي دين بالنسبة إلى العلمانيين ومن ثم فهي لا تشكل عائقا أمام الاندماج في دول علمانية ديمقراطية محايدة دينيا سواء أكانت ليبرالية أم اشتراكية لقد تألفت التيارات العلمانية اليهودية المعادية للصهيونية من تيارات تتبنى تفسيرات مختلفة للتنوير الأوروبي ومنها تيارات ديمقراطية ليبرالية واشتراكية وشيوعية ومن المعلوم أن تمثيل اليهود في اليسار الأوروبي كان أعلى كثيرا من نسبتهم من السكان لقد جرت كل هذه التطورات بمعزل عن الشعب الفلسطيني وربما قلة قليلة منه سمعت بهذه النقاشات وبسياق المسألة اليهودية في أوروبا لم يكن الشعب الفلسطيني في تلك الفترة معاديا للصهيونية ولا كانت الشعوب الأوروبية في الحقيقة معادية للصهيونية لقد كان العداء للصهيونية ظاهرة يهودية لأن الصراع معها دار على تعريف اليهودية واندماج اليهود ولا علاقة نظرية أو تاريخية بين العداء للسامية والعداء للصهيونية فتاريخيا كان العداء للسامية في أوروبا أقدم كثيرا من العداء للصهيونية والأوروبي المعادي لليهودية لأسباب دينية أو عرقية أو بسبب التنافس الاقتصادي لا يهمه أكان اليهودي صهيونيا أم لم يكن كذلك أما الفلسطينيون سكان البلاد الأصليين الذين بدؤوا بالتبلور كشعب يمر بعملية تحديث وتمدين ولديهم تطلعات وطنية فلم يناهضوا الاستيطان الصهيوني في فلسطين بسبب عداء لليهود ولا الاختلاف على تعريف اليهودية بعد نشوء الصهيونية بل بسبب الشك في نوايا الاستيطان ومطامعه وما لبث هذا الشك أن قطع بيقين أن هدفه إقامة دولة يهودية في فلسطين لم يكن الشعب الفلسطيني في تلك الفترة معاديا للصهيونية ولا كانت الشعوب الأوروبية في الحقيقة معادية للصهيونية لقد كان العداء للصهيونية ظاهرة يهودية لم يخطر ببال قادة الحركة الصهيونية الأوائل أن يتهموا الفلسطينيين بالعداء للسامية وقد كتب فلاديمير جابوتنسكي قائد الجناح اليميني فيها في مقالين في عام 1923 بعنوان الجدار الحديدي والنظرية الأخلاقية للجدار الحديدي أنه من الطبيعي أن يرفض العرب مثل أي شعب لديه كرامة الاستيطان على أرضه ولذلك فإن القوة وحدها هي الوسيلة لإقناعه بتقبل الاستيطان والتسليم بتأسيس دولة يهودية على أرضه أما توجيه تهمة العداء للسامية إلى العرب فظهرت بعد تأسيس إسرائيل في إطار استراتيجية الدعاية الرسمية أو البروباغندا لا أكثر ولا أقل وقد انتشرت خلال التحضير لحرب عام 1967 وبعدها وما زال اتهام نقاد إسرائيل عموما باللاسامية جزءا من هذه البروباغندا ووفقا لمذكرات ثيودور هرتسل وخطاباته في المؤتمرات الصهيونية نفسها فإن إحدى أهم الحجج في إقناع الأنظمة الأوروبية بدعم المشروع الصهيوني عبر إقامة وطن قومي لليهود خارج أوروبا وتحديدا في فلسطين هي إغراؤهم بإراحة أوروبا من المسألة اليهودية التي تولد صراعات والتي تسهم في انضمام اليهود إلى حركات راديكالية تهدد الاستقرار في الدول الأوروبية وقد اقتنع بعض زعماء أوروبا في القرن التاسع عشر بهذا التبرير ولكنهم لم يتحمسوا لتنفيذه لأسباب عملية مثل الصراعات ولاحقا التفاهمات بين تلك الدول على اقتسام التركة العثمانية وعدم الثقة بواقعية المشروع الصهيوني وغيرها من العوامل ولم يمنع ذلك الحركة الصهيونية من التنظم وإنشاء المؤسسات بعد الشروع بالاستيطان في فلسطين ولكن المشروع برمته لم يكن قابلا للحياة فضلا عن النجاح لولا حدوث تحولين عالميين كبيرين وكلمة عالميين كانت تعني في تلك الفترة أوروبيين أولهما هزيمة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى والتفاهم الفرنسي البريطاني على اقتسام المشرق العربي وموافقة بريطانيا على التعاون في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين واختيار حكومة بريطانيا مندوب سامي صهيوني بفكره وقناعاته وتبني وعد بلفور ضمن صك الانتداب والتزام الانتداب البريطاني بتنفيذه وثانيهما الحرب العالمية الثانية والمحرقة النازية إحدى أهم الحجج في إقناع الأنظمة الأوروبية بدعم المشروع الصهيوني عبر إقامة وطن قومي لليهود خارج أوروبا وتحديدا في فلسطين هي إغراؤهم بإراحة أوروبا من المسألة اليهودية ورغم كل الجهود في التنظيم والمأسسة التي بذلها مستوطنون يهود أوروبيون ذوو خلفيات في العمل الحزبي والنقابي وغيره في بلدانهم الأصلية ورغم نشوء ساكنة يهودية منظمة يشوڤ داخل فلسطين ذات مؤسسات بدءا من بنك استيطاني ومؤسسات لشراء أراضي العرب والاستيلاء عليها مثل كيرن كييمت وتنظيم حراسة المستوطنات مثل تنظيم هشومير وتنظيم الهغناه الذي أصبح نواة الجيش الإسرائيلي وجامعتين واتحاد نقابات متمثلا بالهستدروت فإن المشروع لم ينجح ولم يكن نجاحه ممكنا بالتطور التدريجي Evolution ولم يكن ممكنا أن nbsp تقام دولة يهودية واليهود أقلية في فلسطين nbsp من دون طرد قسم كبير من السكان الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وأملاكهم وقد أصبح هذا ممكنا فقط بعد المحرقة النازية وهي واقعة أوروبية جلل لم تحصل في منطقتنا ولا علاقة للفلسطينيين ولا العرب ولا المسلمين بها وبعدها تمكنت الحركة الصهيونية من الحصول على قرار التقسيم في الأمم المتحدة واستخدامه ذريعة لإعلان دولة يهودية من طرف واحد في بلد تعيش فيه أكثرية عربية فلسطينية من السكان الأصليين كما تمكنت من طرد غالبية العرب المقيمين في فلسطين بالقوة خلال حرب عام 1948 أدرك قادة الحركة الصهيونية منذ البداية أنه من غير الممكن إنشاء دولة يهودية في فلسطين من دون التعاون مع قوة أوروبية استعمارية واحدة أو أكثر تتبنى المشروع وقد آمن هرتسل بأن العمليات الاستيطانية التي قامت بها حركات في شرق أوروبا مثل حركة محبي صهيون حوففي تسيون كانت فعل هواة وسعى إلى صدور مرسوم قانوني يجعل الهجرة اليهودية قانونية برعاية دول استعمارية عظمى nbsp لم تكن كلمة استعمار في تلك المرحلة كلمة سلبية بل اعتبر الانخراط في النشاط الاستعماري من مميزات التمدن ونشر المدنية ولذلك لم تكن ثمة مشكلة في تأسيس مؤسسات تدعم الاستيطان مثل nbsp Jewish Colonial Trust أو بالألمانية Judische Kolonialbank nbsp لم يكن ممكنا أن nbsp تقام دولة يهودية واليهود أقلية في فلسطين nbsp من دون طرد قسم كبير من السكان الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وأملاكهم وقد أصبح هذا ممكنا فقط بعد المحرقة النازية وهي واقعة أوروبية جلل لم تحصل في منطقتنا ولا علاقة للفلسطينيين ولا العرب ولا المسلمين به وسواء أكان الاستيطان في فلسطين مدعوما بدولة استعمارية أم بمبادرة وتمويل من يهود في أوروبا فإنه يبقى استيطانا استعماريا لأنه ينشئ اقتصادا مختلفا عن اقتصاد البلاد لا علاقة له بحاجات سكانها وبيئة ديموغرافية مختلفة عن بيئة البلاد لأهداف غريبة والأهم من هذا كله أنه يرمي إلى إنشاء كيان سياسي للمستوطنين من دون سكان البلاد الأصليين nbsp وربما لم يعد يزعج إسرائيل أن تعد كيانا سياسيا ناجما عن عملية استعمار استيطاني فهي لا تمانع أن تنضم إلى نادي دول مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وقد بلغت من الثقة بالنفس حد الاعتراف بتاريخ من السلب والنهب مكتفية بالتأكيد على الصلة الدينية التاريخية لإسرائيل التي حولت التوراة إلى وثيقة عقارية وسياسية ولا يبدو أن هذا الخلط بين الديني والسياسي هذه السلفية الدينية تزعج أحدا من الزعماء العلمانيين في الغرب وأصبحت وثائق صادرة مؤخرا عن أكبر دولة ديمقراطية في العالم وهي الوثائق المسماة بـصفقة القرن تعج بالمصطلحات الدينية والتوراتية وتناقش في تبرير نشوء إسرائيل أن أرض إسرائيل والقدس هي أرض الميعاد وأن القدس غير مذكورة صراحة في القرآن لكن هذا الاستعمار الاستيطاني لم يستقر واستمر في التوسع في حرب عام 1967 وما زال يفضل ضم أراض جديدة على السلام مع العرب ولم يجد طريقة لابتلاع أرض الضفة الغربية وقطاع غزة بسكانها الذين بقوا على أرضهم بعد تلك الحرب ولأن إسرائيل ترفض أي حل سياسي عادل أو عادل نسبيا يعترف بالحقوق المشروعة للسكان الأصليين فإنها تجد نفسها ضالعة في إنشاء نظام أﭘارتهايد Apartheid في فلسطين فالحديث ليس عن استعمار استيطاني فحسب بل عن نوع من الاستعمار الاستيطاني ينتج نظام فصل عنصريا كما كان عليه الحال في جنوب أفريقيا فالمؤسسة الإسرائيلية بتياراتها المختلفة سواء تلك التي تبرر إنشاء نظام أﭘارتهايد أو تلك التي تنكر وجوده تصر على دولة يهودية وترفض إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس وتأبى في الوقت ذاته منح المساواة الكاملة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بوصفهم مواطنين في الكيان السياسي ولكن هذا الكيان يصر على أن يحكمهم ويحجب عنهم الحقوق الفردية من جهة والحقوق الجماعية كشعب من جهة أخرى في الوقت ذاته تكيف أوروبا نفسها مع واقع الفصل العنصري هذا ولا يكتفي الاتحاد الأوروبي أو دول أوروبية منفردة بمجرد علاقات عادية مع إسرائيل بل إنها تمنح امتيازات فهي تتعامل معها كأنها دولة أوروبية وحتى المعادون للسامية الذين وجدوا لأنفسهم آخرين أو غرباء جددا من غير اليهود في أوروبا ليس لديهم مانع في التعامل مع دولة اليهود بل التحالف معها بوصفها أوروبية ما دامت خارج أوروبا nbsp الحديث ليس عن استعمار استيطاني فحسب بل عن نوع من الاستعمار الاستيطاني ينتج نظام فصل عنصريا كما كان عليه الحال في جنوب أفريقيا لقد جرى تصدير المسألة اليهودية إلى مكان لم يكن لها فيه وجود أي إلى العالم العربي والإسلامي وكي لا أفهم خطأ لم يعش يهود الشرق في فردوس من التسامح وعانوا في العديد من الفترات مثلما عانت التمييز جميع الأقليات لكن ليس بصفتهم يهودا بل بصفتهم غير مسلمين ويجري إحلال المسألة اليهودية ذهنيا محل المسألة الفلسطينية مثلما يجري التعاطف مع الفاعل كأنه الضحية وبسبب هذا الإسقاط Projection شهدنا تقبلا للدعاية الصهيونية الكاذبة بتشبيه ما جرى في 7 أكتوبر 2023 بالهولوكوست nbsp بناء عليه من الطبيعي أيضا أن يرغب قادة أوروبيون ومؤسسات إعلامية رئيسة في أوروبا في التعامل مع 7 أكتوبر كأنه بداية التاريخ مع تجاهل كل ما كان قبله لا أقول منذ وعد بلفور ولا منذ النكبة ولا منذ احتلال عام 1967 بل على الأقل منذ فرض الحصار الخانق على غزة وعندما شنت إسرائيل حربها الوحشية الأخيرة وتجاوزت حدود الرد المبرر أوروبيا بأنه دفاع عن النفس ضد الإرهاب وانتقلت من الثأر من السكان المحليين إلى شن حرب إبادة بأهداف سياسية متعلقة بإعادة السيطرة على غزة وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس في ظل الحرب واستغلال الحرب أيضا لتصفية حسابات إقليمية في لبنان وسورية وإنشاء مناطق نفوذ جديدة لها في المنطقة دار نقاش سفسطائي ليس حول ما يجري فعلا بل حول استخدام كلمة إبادة أو عدم استخدامها وحساسية استخدامها في قارة جرت فيها عمليات إبادة فعلا وهكذا واصلت إسرائيل استفادتها من احتكار دور الضحية أوروبيا حتى وهي تقصف المدارس والمستشفيات وتقتل الأطباء والأطفال والصحافيين لقد كان قطاع غزة محاصرا طوال عشرين عاما في ظروف انعدام أي أفق لحل سياسي في فلسطين واستمرار توسيع الاستيطان في الضفة الغربية وقد امتنعت أوروبا عموما عن إدانة إسرائيل بجرائم الاحتلال واكتفت بإدانة المستوطنين كأنهم عصابات إجرامية لا مبتعثي دولة ولم تتخذ أي خطوة عملية ضد صيرورة إنشاء نظام أﭘارتهايد في فلسطين ولم تصل إلى درجة الانحياز إلى الضحية ظلت أوروبا الرسمية متحالفة مع إسرائيل وأقصى ما بلغته بلاغة Rhetorically هو الموازنة بين طرفين وتشجيع المعتدلين وإدانة المتطرفين واستعمال جميع المصطلحات التي تعمي عن واقع وجود احتلال أي دولة محتلة وشعب رازح تحت الاحتلال وكان هذا مهربا مريحا خصوصا في ظل التسليم بأن الدور الرئيس للغرب في الشرق الأوسط منذ ما بعد عام 1956 تتولاه الولايات المتحدة الأميركية nbsp واصلت إسرائيل استفادتها من احتكار دور الضحية أوروبيا حتى وهي تقصف المدارس والمستشفيات وتقتل الأطباء والأطفال والصحافيين كانت صورة الزعماء الواقفين خلف الرئيس دونالد ترمب في قمة شرم الشيخ في 13 تشرين الأول أكتوبر 2025 أفضل تمثيل لتبني أوروبا دور مساعد أو ملحق أو كومبارس إنه وقوف خلف الدولة التي تقدم دعما غير مشروط لإسرائيل بل وتتبنى لغتها اللاهوتية بشأن فلسطين nbsp بلغت فظائع الحرب الإسرائيلية على غزة حد إحراج حلفاء إسرائيل لذلك فإن وقف الحرب أوقف الحرج وأصبح المهم وقف الحرب ولو بتبني الشروط الإسرائيلية وقد توقفت الأمور عند ضرورة الحفاظ على وقف إطلاق النار ويؤكد الرئيس الأميركي يوميا والذي يظهر يوميا في الإعلام أن وقف إطلاق النار صامد على الرغم من الخروقات الإسرائيلية فهذه الخروقات جزء من وقف إطلاق النار ويهدد ترمب حركة حماس من خرق الاتفاق أو الرد على الخروقات الإسرائيلية ويمكن الآن دعوة العرب إلى التطبيع مع إسرائيل والإلحاح عليهم لاستقبال مجرم الحرب وبطل الإبادة في بلدانهم بينما لا يوجد حديث عن حل قضية فلسطين حلا عادلا وكأن الحرب والإبادة الجماعية لم تقع وكأن الاحتلال وإهمال قضية فلسطين وتهميشها لم يقودا إلى الحرب لقد ألحق السلوك الرسمي الغربي والإعلامي التقليدي خلال الحرب ضررا كبيرا بمصداقية القيم الكونية المتجسدة في إعلان حقوق الإنسان وتجاوز الغضب الشعبي في بلداننا اتهامها بالنفاق إلى التشكيك في وجود مثل هذه القيم وفي هذه الحالة أدى فكر ما بعد الحداثة الذي يدعي أن القيم الكونية هي مجرد خطاب غربي أي نتاج علاقات القوة والسيطرة دور فكر ما قبل الحداثة في بلدان المشرق ووجدنا أنفسنا في حالة دفاع عن المرجعيات الأخلاقية الكونية بين الضحايا على حساب الجهد والوقت اللازمين لفضح قيام الجناة والمتواطئين معهم بعملية تدمير منهجية لهذه القيم خطابا وممارسة نشوء جيل في أوروبا والولايات المتحدة يأخذ القيم الأخلاقية بجدية ولا يحصر كونيتها في مضمونها لكن الجديد هو نشوء جيل في أوروبا والولايات المتحدة يأخذ القيم الأخلاقية بجدية ولا يحصر كونيتها في مضمونها بل يقصد بالكونية سريان مفعول هذه القيم على الآخرين على الإنسان بما هو إنسان ولا يستقي هذا الجيل معلوماته عما يجري في فلسطين من الإعلام المنحاز إلى دولة الاحتلال إلى الدولة التي تمنعه هو ذاته من الوجود على الأرض وتغطية ما يجري إنه جيل يدين المجرمين ويتضامن مع الضحايا ويرفض النفاق وازدواجية المعايير ويجري هذا في عالم تلاحق فيه الدولة العظمى قضاة المحكمة الجنائية الدولية وتتبنى مجرمي الحرب المطلوبين وتقيد حرية التعبير في مهد الديمقراطية الليبرالية ويصرح رئيسها بنفسه عن خضوعه للتمويل الانتخابي واللوبي الإسرائيلي وأنه اعترف بضم الجولان والقدس لإسرائيل بإلحاح الممولين من هذا اللوبي إنه صريح إلى درجة تفقد المحللين السياسيين دورهم ووظائفهم يتجرأ هؤلاء الشباب على إسماع أصواتهم في الدول التي يتملق قادتها ترمب وهم يعرفون شخصيته جيدا فيزيدونه بتزلفهم nbsp غرورا وإمعانا في نزواته والجديد أيضا هو أن إسرائيل وجماعات الضغط المرتبطة بها أصبحت تدعو إلى استخدام التهديد بلقمة العيش وتأشيرات السفر والحرمان من مقاعد الدراسة لإسكات تلك الأصوات الحرة وهذا في دول ديمقراطية لم تكن الدعاية الإسرائيلية في الماضي في حاجة إلى مثل هذه الإجراءات القمعية لإسكات منتقديها فقد كان خطابها هو المهيمن في أوروبا وأميركا الشمالية من دون اللجوء إلى قمع حرية التعبير إن خسارة إسرائيل هيمنة خطابها في الغرب هو التحول الأهم الذي يجب الحفاظ عليه وتحويل موجة التضامن من تضامن إنساني مع الضحايا ونفور من الوحشية الإسرائيلية إلى تضامن سياسي لا يتوقف عند خطة لوقف الحرب تشمل جميع الشروط الإسرائيلية من دون حل عادل لقضية فلسطين nbsp

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم