تبدأ المسرحية في غرفة بسيطة تتوسطها أريكة زرقاء تحيط بها جدران مغطاة بورق مزخرف بنقوش زهرية في هذا الفضاء الحميم تبدو ماري بثوبها الأحمر كأنها تعيش داخل ذاكرتها في عرض RoseMary للمخرج اللبناني شادي الهبر الذي يتواصل تقديمه على خشبة مسرح المونو في بيروت حتى مساء الأحد المقبل nbsp تتحرك ماري بين الصور المعلقة على الجدار تكلمها وتعاتبها في إحدى تلك الصور يظهر وجه رجل نكتشف لاحقا أنه الحبيب الذي تركها بعد اثنتي عشرة سنة من علاقة لم تنته بانفصال عادي بل بانهيار نفسي طويل تحاول ماري أن تفهم ما جرى تعيد تركيب التفاصيل لتجد تفسيرا لا يأتي لا تصرخ لكنها تغلي من الداخل بأسئلة بلا أجوبة إلى جانبها تجلس روز المرأة نفسها لكن بنسخة أخرى أكثر هدوءا وتحفظا ترتدي بدلة سوداء كدرع تتخفى خلفه لتقي نفسها من الانفعال منذ اللحظة الأولى ندرك أن المسرحية التي كتبها إيلي مكرزل وأنتجها مسرح شغل بيت ببطولة بياريت قطريب ومايا يمين لا تتناول امرأتين بل امرأة واحدة في حوار محتدم مع عقلها تصر روز على قول الحقيقة فيما ترفض ماري الإصغاء nbsp يتحول الحوار بين ماري وروز إلى مواجهة بين صوتين داخل الرأس تفتح ماري قلبها بلا تردد تعبر عما تشعر به من خيبة وحنين ورفض وتلوم نفسها مرارا بينما ترد روز ببرود منطقي تذكرها بالخيانة التي تكررت أكثر من مرة وبالغيرة التي كان يبديها الحبيب من نجاحها وبكل الإشارات التي تجاهلتها باسم الحب تصر روز على قول الحقيقة فيما ترفض ماري الإصغاء تقول روز بوضوح هو ما تركك لأنك فاشلة تركك لأنك نجحت لكن ماري لا تريد الحقيقة بل تفضل الوهم الذي يواسيها كأنها تختار أن تخنق صوت العقل لتبقى في منطقة مريحة من الإنكار يختار المخرج أن يبني التوتر تدريجيا عبر تكرار الحوار وتحولاته بين الطرفين كل تفصيل جسدي محسوب بدقة حين تتحدث ماري بالعاطفة تضع يدها على قلبها وحين ترد روز تلمس رأسها ثم في لحظة التحول تتبادلان هذه الحركة وكأن السيطرة العاطفية انتقلت من إحداهما إلى الأخرى هذه الإشارة البسيطة تختصر مسار العمل بأكمله انتقال الوعي من الإنكار إلى الاعتراف ومن الانفعال إلى التفكير الواعي والعكس ذروة المسرحية تأتي حين تنفجر روز بعد طول كبت وتروي حكايتها الشخصية الأب الظالم الأم التي مرضت بالسرطان من القهر والرحيل الذي لم يعط فرصة للفهم أو الغفران هنا ينهار التوازن بين الشخصيتين ويتحول العقل نفسه إلى عاطفة تبكي روز وتتحول إلى الطرف الأكثر هشاشة المشهد صادق في بساطته لا موسيقى لا مؤثرات فقط صوتها وهي تروي ما حاولت طوال الوقت أن تخفيه في هذه اللحظة يصمت المسرح وتبدو ماري وروز وجهين في مرآة واحدة يسقط بينهما الجدار الفاصل ماري تسأل لتبرر وروز تجيب لتذكر وكأننا نتابع ما يدور في رأس كل إنسان بعد انكسار عاطفي كبير nbsp اختيارات الإخراج تظهر وعيا بصريا واضحا الألوان مقصودة الأحمر للعاطفة الأسود للعقل والرمادي الذي يملأ الجدران هو المساحة الرمزية بينهما الإضاءة محدودة لكنها دقيقة في عزل اللحظات الضوء يشتد حين يعلو الصراع ثم يخفت حين يدخل الحوار إلى الذاكرة في المشهد الأخير يلتقي الضوءان في منتصف الخشبة لتتوحد الشخصيتان في لحظة صامتة مفتوحة على التأويل التفاصيل الصغيرة تمنح العمل واقعيته الخاصة الصورتان المعلقتان على الجدار تتحولان تدريجيا إلى رموز للعلاقات السابقة حين تسمي ماري حبيبيها السابقين بـالمرحومين وتقول إنها تتمنى لو ماتا فعلا لتتمكن من الحداد بسلام يضحك الجمهور أولا ثم يصمت لأن الجملة تختصر ما تعيشه كثيرات حين يجبرن على إخفاء وجعهن كي لا يتهمن بالمبالغة أو الضعف هذا النوع من المفارقات بين الألم والسخرية يمنح المسرحية طابع الكوميديا السوداء الذي أشار إليه النص الأصلي تؤدي بياريت قطريب شخصية ماري بخفة وانسياب في المقابل مايا يمين تمنح روز صرامة محسوبة قبل أن تترك لنفسها الانكسار في المشهد المفصلي الانسجام بينهما واضح رغم اختلاف المقاربة التمثيلية وحضور كل منهما يكتمل بالأخرى فلا وجود لبطلة أولى أو ثانية في المشهد الأخير تتحد الشخصيتان في صورة واحدة لتصبحا RoseMary لا نهاية مغلقة ولا رسالة مباشرة يترك المتفرج أمام السؤال نفسه هل كانت المرأتان حقيقيتين أم أننا كنا نشاهد حوارا داخليا تعيشه امرأة واحدة nbsp