مغالطة الشخصنة بين جوهر الفكرة وصراع الهوية

٥٨ مشاهدة
كم من نقاش انحرف عن مساره لأننا استبدلنا نقد الفكرة بمهاجمة صاحبها هذه الظاهرة الشائعة تعرف في علم المنطق بـ مغالطة الشخصنة وهي من أكثر العوائق التي تفسد الحوار وتضعف التفكير الجمعي في مجتمعاتنا العربية لكنها ليست مجرد خطأ في الجدل بل مشكلة نفسية واجتماعية أعمق تعكس نمطا من التفكير الدفاعي والانفعالي الذي يربط بين الفكرة والهوية وبين الرأي والكرامة الشخصية ماهي مغالطة الشخصنة هي الميل إلى رفض فكرة معينةnbsp أو إسقاطها بسبب من قالها لا بسبب ضعفها أو تناقضها بدل أن نناقش المضمون نذهب إلى الطعن في النيات أو الصفات أو الخلفيات الشخصية نسمع مثلا أنت لست مؤهلا لتتحدث أو كلامك غير موضوعي لأنك تنتمي إلى جهة معينة بهذه الجملة البسيطة نغلق باب النقاش ونحوله من حوار فكري إلى صراع شخصي الشخصنة إذن ليست جدالا بل آلية للهروب من النقاش العقلاني لأنها تريحنا من عناء التفكير في الحجة وتمنحنا شعورا زائفا بالتفوق الجانب النفسي الدفاع عن الذات بدل مواجهة الفكرة من منظور علم النفس المعرفي الشخصنة تنشأ من الخلط بين الرأي والذات حين يهاجم أحدهم فكرتي أفسر الأمر لاشعوريا على أنه يهاجمني أنا هذه الاستجابة الدفاعية تشغل في الدماغ ما يعرف بنظام القتال أو الهروب فنرد بعنف أو انسحاب بدل الحوار في العمق نحن نمارس ما يسميه علماء النفس بـ التحريف المعرفي نحول النقد الموضوعي إلى تهديد شخصي وهذا التحريف يجعلنا غير قادرين على الفصل بين قيمة الفكرة وقيمة الشخص النتيجة تضخم الأنا وانكماش الحقيقة الشخصنة ليست سلوكا فرديا فحسب بل هي نتاج ثقافة كاملة ترى في الاختلاف خطرا على التماسك الجانب الاجتماعي حين يتحول الانتماء إلى جدار الشخصنة ليست سلوكا فرديا فحسب بل هي نتاج ثقافة كاملة ترى في الاختلاف خطرا على التماسك في بيئات يغيب فيها الأمان الفكري يصبح الاتفاق شرطا للقبول والخلاف مؤشرا على الخيانة أو الازدراء ننشأ في بيئات تعلمنا أن الخطأ عيب وأن من يخالفنا يقلل منا فتترسخ في وعينا فكرة أن الدفاع عن الذات أهم من الدفاع عن الحقيقة هذه الثقافة تولد ما يسميه علماء الاجتماع الاستقطاب الجمعي حيث تتقابل المجموعات وفق الولاءات لا وفق الحجج ويقاس صدق القول بهوية القائل لا بمنطقه حينها تصبح الشخصنة أداة لإقصاء المختلفين وحماية الجماعة من التفكير المزعج آثارها في حياتنا العامة تنتج مغالطة الشخصنة سلسلة من الأضرار العميقة في الصحة الفكرية والنفسية للمجتمع 1 تآكل الثقة العامة إذ يتحول الحوار إلى حرب نفسية ويفقد الناس الإحساس بالأمان في أثناء النقاش 2 إضعاف التفكير النقدي لأن من يجرؤ على السؤال يتهم بالعداء فيتعلم الآخرون الصمت 3 تصاعد الانفعال والاحتقان فالحوار المبني على الهجوم الشخصي يفجر الغضب بدل أن يحرك الفهم 4 شلل التطور الثقافي إذ تقصى الأفكار قبل أن تناقش وتحاصر العقول قبل أن تبدع لا يمكن لأي حوار أن يزدهر في بيئة يسودها الخوف من الإساءة وفي النهاية يصبح المجتمع أسير ردات الفعل لا خالقا للفعل نفسه ومعالجة هذه الظاهرة تكون من خلال 1 تعليم التفكير النقدي بوصفه مهارة حياتية فمن الضروري إدخال مهارات المنطق والحوار في المناهج التعليمية منذ الصغر على الطفل أن يتعلم كيف يفصل بين نقد الفكرة واحترام صاحبها وأن يعتاد رؤية الخطأ فرصة للتعلم لا وصمة عار فالفكر الحر لا يورث بل يدرب 2 تأسيس ثقافة الأمان الفكري فالأمان الفكري هو شعور الفرد بأنه يستطيع التعبير من دون خوف من السخرية أو الاتهام لا يمكن لأي حوار أن يزدهر في بيئة يسودها الخوف من الإساءة حين يشعر الناس بالاحترام حتى في أثناء الاختلاف تقل الحاجة إلى الدفاع العدواني عن الذات 3 التدريب على الإصغاء الحقيقي الإصغاء الفعال هو جوهر أي حوار ناضج هو أن نستمع لنفهم لا لنرد حين ندرب أنفسنا على الإصغاء لما يقوله الآخر لا لما نتوقعه منه نقلل من احتمالية الانزلاق نحو الشخصنة المجتمع الذي يهاجم المختلف بدل أن يناقشه يحرم نفسه من فرصة التطور 4 مراجعة الخطاب الإعلامي والرقمي وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي كثيرا ما تغذي الشخصنة عبر الجدل الاستعراضي والمناظرات العدائية على الإعلام أن يتحول من مسرح للمشاحنات إلى منصة للحوار الرصين تظهر كيف يمكن للاختلاف أن يكون بناء حتى في الفضاء الرقمي يمكن ترسيخ ثقافة نقد الفكرة لا صاحبها من خلال محتوى تعليمي وتفاعلي هادئ 5 العلاج النفسي السلوكي على مستوى الوعي الجمعي من المفيد التعامل مع الشخصنة بوصفها تحريفا معرفيا يمكن تعديله حين يشعر الفرد بانفعال في أثناء النقاش عليه أن يتوقف لحظة ويسأل نفسه هل أعارض الفكرة أم أحاول الدفاع عن نفسي هذه الوقفة البسيطة تساعد على إعادة بناء التفكير وتقليل التفاعل الانفعالي فكل وعي يبدأ بلحظة انتباه إن تجاوز مغالطة الشخصنة ليس مهمة فكرية فقط بل خطوة نضج جماعي فالمجتمع الذي يهاجم المختلف بدل أن يناقشه يحرم نفسه من فرصة التطور أما المجتمع الذي يتعلم الإصغاء والتفكير النقدي فإنه يبني أساسا متينا للثقة والإبداع والتعايش التحرر من الشخصنة يعني أن نكف عن ربط آرائنا بقيمتنا وأن نتعامل مع الحوار على أنه مساحة للتعلم لا للانتصار وحين نصل إلى لحظة نستطيع فيها أن نقول أحترمك وإن خالفتك نكون قد انتقلنا من ثقافة الانفعال إلى ثقافة الوعي الشخصنة هي عرض لمرض أعمق الخوف من الاختلاف علاجها لا يكون بإسكات الأصوات بل بإعادة بناء علاقتنا بالفكر والحقيقة حين ندرك أن قيمة الإنسان لا تقاس باتفاقنا معه وأن قيمة الفكرة لا تلغى بخطأ قائلها نكون قد بدأنا فعلا رحلة التحرر من السطحية نحو عمق الحوار الإنساني الحقيقي فالاختلاف لا يلغينا بل يكشفنا وحين نحترم هذا الكشف نصبح أقرب إلى أن نفكر معا بدل أن يحارب بعضنا بعضا

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم