المخاض السوري قنبلة الإخوان المسلمين

٥٢ مشاهدة
لا يمكن اعتبار وثيقة العيش المشترك في سوريا التي أصدرتها جماعة الإخوان المسلمين يوم 18 الشهر الماضي أكتوبر تشرين الأول مجرد رفض عملي لدعوتها إلى حل نفسها فقط بل وعرضا لرؤاها السياسية أمام الرأي العام السوري تضعه في صورة أدبياتها ومواقفها بحيث تمنحه فرصة لمقارنتها بأدبيات السلطة السورية الجديدة ومواقفها ومعاينة المدى الذي يمكن أن تبلغه كل منهما في تحقيق تطلعاته في الحرية والعدالة والمساواة وتحثه على الاختيار بينهما انطوت الوثيقة على مجموعة مبادئ سياسية وأخرى برنامجية تتعلق الأولى بالعيش المشترك لمكونات المجتمع السوري قائمة على التراضي والتطاوع على مشتركات أساسها احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه باعتبار ما هو خارج الخصوصيات بعد تمكين كل مكون من ممارسة خصوصياته شأنا وطنيا عاما وتحديد الحقوق والواجبات في كنف العدالة والمساواة عبر استعمال ميزان واحد تتساوى فيه حقوق وواجبات كل المواطنين التي يقيمها التعاقد بين المكونات فيجعل من الاستقرار والسلام بينها هو الأرجح أما البرنامجية فكان أولها إطلاق مبادرات لتعزيز السلم الأهلي والحوار الحقيقي بهدف تعزيز قيمة السلام وإيجاد تفاهم مشترك وثانيها اختيار مواد التعليم البانية للقيم المشتركة والمعززة للوعي الثقافي المناسب وثالثها يتعلق بدور منظمات المجتمع المدني في ترسيخ العيش المشترك عبر إطلاق مبادرات لحوار وطني لتعزيز تفاهم مشترك حول قضايا المجتمع لتقوية النسيج الاجتماعي وإطلاق مبادرات لتوعية الأسر ومؤسسات التنشئة الأولى لزرع القيم الأساسية في وعي النشء منذ الصغر والتصدي لثقافة مأزومة تولد العدوانية والفتن وإطلاق مبادرات إعلامية وفنية وثقافية هادفة وخادمة للحوار والتعايش وإطلاق مبادرات لبناء الثقة والحد من الميل إلى العزلة والانغلاق وترسيخ القيم والأخلاق النبيلة لتأكيد الأخوة الإنسانية وتشجيع الممارسات الاجتماعية السامية والتصدي للتحديات الأخلاقية والأسرية والبيئية توجت الجماعة وثيقتها بمصفوفة مطالب معايير ترى أن توفرها في النظام السياسي يعضد العيش المشترك وهي سورية دولة ديمقراطية تقوم على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع ومبدأ المواطنة وسيادة القانون وفصل السلطات وتلغي المحاكم الاستثنائية وتمنع تشكيلها حرية الاعتقاد مصونة ويكفل القانون الحرية الدينية للجميع تجريم خطاب الكراهية والتحريض على العنف يتمتع جميع السوريين بحق المشاركة السياسية الكاملة بناء على الكفاءة في إطار من التنافس السياسي وفقا لانتخابات حرة ونزيهة يكفل الدستور الحريات العامة والفردية وحق تشكيل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ضمن القوانين الناظمة تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة والعادلة في كافة المناطق السورية مهمة الجيش الوطني الدفاع عن الوطن بحدوده المعترف بها دوليا ضد الاعتداءات الخارجية ويحظر على أفراده التدخل في العمل السياسي ويخضع في عمله للرقابة البرلمانية والمساءلة القضائية حصر السلاح بيد الدولة مع تنظيم حمل السلاح الفردي بالقانون التمكين المشروع للمرأة ورفض تهميش دورها وكذلك تمكين الشباب والنهوض بدورهم الإنسانية أسرة واحدة والأخوة الإنسانية بين كل البشر أصل يجب التمسك به تساوي أبناء الشعب السوري في الكرامة والحقوق والواجبات كل إنسان مسؤول عن عمله ولا يؤخذ إنسان بجريرة آخر ولا يجني جان إلا على نفسه ولا حماية لمجرم ولا لظالم يقوم المجتمع السوري على أساس التعاون على البر والتقوى ويتكاتف السوريون دون الظلم والإثم والعدوان ويكفل القانون رفع الظلم عن كل سوري يعتدى عليه يشترك الشعب السوري في تقرير العلاقات المصيرية المتعلقة بالبلاد مكافحة الخارجين على الدولة ونظامها العام ووجوب الامتناع عن نصرتهم أو حمايتهم عصمة دماء وأموال جميع السوريين حرية الانتقال داخل الدولة حق مكفول لكل المواطنين أمام الجماعة مهمة من أجل أن يكون حضورها ودورها إيجابيا ومفيدا أن تعيد هيكلة نفسها وعملها وصيغة حضورهاnbsp أثار إصدار جماعة الإخوان المسلمين هذه الوثيقة أسئلة وتفسيرات كثيرة ومتباينة ركز بعضها على عدم منطقية إصدار وثيقة من جهة إسلامية في وقت الحكم في سورية بيد جهة إسلامية متناسين ما بين الجماعة والسلفيين من تباين إلى حد التعارض فخلفية الجماعة أشعرية في حين خلفية السلفية حنبلية نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل الذي يعتمد حرفية النص ويمنح الحديث النبوي أولوية في الاجتهاد في حين أعاد بعضها إلى الأذهان واقع الجماعة شيخوختها وضعف حضورها في الواقع السياسي السوري بعد هجرتها تحت ضغط النظام البائد وغيابها عن الساحة فترة طويلة متناسين وجود تاريخ من العمل سبق الهجرة خصوصا في المدن الكبرى فللجماعة حضور عريق في المدن السورية الكبرى دمشق وحلب وحمص وحماة بالإضافة إلى وجود عامل مؤثر أن جمهور السنة السوري كما الجماعة على المذهب الأشعري ما يجعل الجسور بينهما مفتوحة ويتيح فرصا للربط والاستقطاب وسيتيح هذا للجماعة استقطاب كثر وإقامة تنظيم وازن في المدن الكبرى في فترة قياسية خصوصا إذا ساد مناخ سياسي منفتح يسمح لجميع التيارات السياسية بالعمل على قدم المساواة واستنكر بعضها سعي الجماعة إلى العودة للمشهد السياسي على خلفية ما يعتبره مثالبها وأدوارها السلبية خلال مراحل الصراع مع النظام البائد خصوصا خلال فترة ثورة الحرية والكرامة ودعاها إلى الاعتذار للشعب السوري على ما يعتبره مسؤوليتها في تعثر الثورة والخسائر البشرية والمادية التي ترتبت عليه طول فترة المواجهة مع النظام البائد قول لا يخلو من وجاهة لكنه يتجاهل أن جزءا من ممارسات الجماعة مبرر سياسيا لأن التحالفات والجبهات يحكمها قانون يقول إن التحالف لا يلغي التنافس والصراع البيني وإن من حق كل حزب من أحزاب الجبهة العمل من أجل الكسب وتجيير المكاسب لصالحه والعمل على احتواء بقية الأحزاب وامتصاص كوادرها بلوغا إلى دمجها ككل في جسمه التنظيمي احتج بعضها على ما ورد في الوثيقة من آيات قرآنية باعتباره خلطا للدين في السياسة قول يتجاهل أن أصحاب الوثيقة إسلاميين ويبنون رؤاهم وتصوراتهم على ذلك عدا تجاهله أهمية وضع أساس قرآني للقيم السياسية الحديثة التي يكاد يجمع عليها قطاع واسع من السوريين لما لذلك من أثر إيجابي على الرأي العام السوري وهو ما كان يستدعي من أصحاب هذا القول الترحيب بالوثيقة ووضع الجماعة أمام تحدي الالتزام بمضمونها خلال العمل السياسي المستقبلي يخرج قارئ الوثيقة بانطباع إيجابي عن توجهها العام فقد استجابت لمطالب القوى اليسارية والقومية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني وقطاعات واسعة من المواطنين السوريين العلويين والموحدين الدروز والكرد والآشوريين السريان والشركس والتركمان إلخ حول الديمقراطية والتشاركية والفصل بين السلطات والعدالة والمساواة بين كل مكونات المجتمع السوري كما شكلت دعوة إلى السلطة السورية لإعادة النظر في توجهاتها وتصوراتها وممارساتها عانت الوثيقة من نقص في مسألة غاية في الأهمية العدالة الانتقالية ودورها في سيادة السلم والاستقرار لم تسلم الوثيقة من بعض الهنات أولها انعكاس خلفية الجماعة الأشعرية في صيغتها تجلى ذلك في قولها في بدايتها وقد أكرمنا المولى عز وجل مؤخرا بنصر وقولها في خاتمتها حفظ الله سورية أرضا وشعبا ودولة فالأشعرية تنسب ما يحدث في الكون كل الكون لله عز وجل مع أنه خلق الإنسان ومنحه قوتين في تكوينه الوعي عبر العقل والفعل عبر الجسم ونبهه إلى الطريق السليم وزرع في فطرته الميل نحو الحرية ما جعل الإنسان مسؤولا عن مصيره في الدارين وهذا استدعى التدافع على الصعيد الفردي والجماعي وهذا على الضد من مقولتي وقد أكرمنا المولى عز وجل مؤخرا بنصر وحفظ الله سورية أرضا وشعبا ودولة فما حصل فعل بشر يثابون أو يعاقبون عليه حسب طبيعته وجدواه تقول الوثيقة في فقرة أخرى والنظرة الإسلامية تثبت أن التنوع الديني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يبرر الصراع والصدام بل يستدعي إقامة شراكة وتواصل وتعارف يجعل من التنوع جسرا للحوار والتعاون لمصلحة المجتمع بل الأسرة الإنسانية كلها قول فيه تبسيط إذا كان التنوع الديني والثقافي لا يبرر الصراع والصدام فإن له تبعات تباين المصالح والرؤى والخيارات وهذه قد تقود إلى الصدام والصراع ما لم تضبط تجليات هذا التنوع وتفاعلاتها بقيود دستورية وقانونية تحقق العدالة والمساواة في ظل دولة المواطنة فالعقد الاجتماعي وما ينطوي عليه من حقوق وواجبات والنظام السياسي وما يوفره من فرص متساوية في المشاركة في القرار الوطني وبالحقوق الثقافية والاقتصادية والتداول على السلطة عبر أساليب ديمقراطية وحده قادر على تحويل التنوع إلى قوة وغنى وقولها فالتعليم والثقافة أمران لا غنى عنهما لكرامة الإنسان وبهما تتحقق الحرية والعدالة والسلام فيه استرسال إنشائي إذ لا يمكن أن يكون تحقق الحرية والعدالة والسلام ثمرة للتعليم والثقافة تلقائيا فالحرية الفردية قد تكون ثمرة للتعليم والثقافة لكنها لا تمتد لتصبح عامة في المجتمع من دون توفر العدالة والعدالة مرتبطة بالدستور والقانون وسيادة القانون الفعلية والسياسات الاقتصادية والأمنية والسلام هو الآخر محتاج للحرية والعدالة كي يسود ما يعني أن تحقيق الحرية والعدالة والسلام مرتبط بطبيعة النظام والبنى الدستورية والقانونية التي تحكمه هذا وقد عانت الوثيقة من نقص في مسألة غاية في الأهمية العدالة الانتقالية ودورها في سيادة السلم والاستقرار nbsp استجابت وثيقة الإخوان المسلمين لمطالب القوى اليسارية والقومية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني لا يشكل تعليق معلقين أو محللين سوريين على الوثيقة فارقا جوهريا فالمواقف المعلنة جزء من السجال السياسي الطبيعي بعضها مرتبط بعداء قديم وبعضها مرتبط بموقف سلبي من الإسلام الفارق يحدثه موقف السلطة السورية وطبيعة رد فعلها على الوثيقة والجماعة حيث سيعتبر رد فعلها مؤشرا إلى طبيعة موقفها من وجود الرأي الآخر المنظمة بشكل خاص والمتوقع أن لا تكون السلطة مرتاحة لا لحضور الجماعة ولا لوثيقتها وسيمنحها حظر الجماعة عربيا ذريعة وغطاء لقرارها بحظرها علما أن حظر الجماعة في معظم الدول العربية راجع لاعتبارات سياسية أنظمة سلطوية لا تريد قوى سياسية نشطة وفعالة تنافسها وتتحداها برؤى وخيارات بديلة فكان الحظر طريقا سهلا للتخلص منها لذا الأرجح أن لا تمنح السلطة السورية الجماعة حضورا قانونيا أو تغض الطرف عن نشاطها من جهة وأن توظف حظرها سوريا في إرضاء أنظمة عربية وأجنبية لم تكتف بحظر الجماعة في دولها بل ولاحقتها في طول الأرض وعرضها وهذا لن يمر بسلام في الوسط السني المديني حيث للجماعة تاريخ حافل بينما السلفية طارئة فيها وحضورها يكاد يتركز في الأرياف بل سيتحول إلى استقطاب حاد ونزاعات تبقى أمام الجماعة مهمة لا بد منها من أجل أن يكون حضورها ودورها إيجابيا ومفيدا أن تعيد هيكلة نفسها وعملها وصيغة حضورها بحيث تكون صوت البلد لا صوت جماعة سياسية وأعتقد أن المهمة صعبة وتستدعي خروج الجماعة من جلدها بالتخلي عن أدبيات الأشعرية فالنزوع الأشعري طريق مفتوح للاستسلام لأنه يربط بين ما يحدث في الكون للفرد والجماعة والطبيعة بالله وهذا يقود إلى التواكل على الله من المؤمنين بهذا المذهب وتخليها الجماعة عن الفقه التقليدي الذي سجنت نفسها فيه من لحظة تأسيسها وهي تدرك أنه كتب في أزمان وظروف مختلفة وقدرات علمية ومنهجية متواضعة لصالح فهم جديد للتوجيه الإلهي فالعلوم الحديثة وتطور مناهج البحث تعددها ونضجها تتيح للمسلم قراءة النص المؤسس بكفاءة أكبر وفرص استنتاج أدق ومن دون ذلك يبقى المسلمون في إسار قراءات وتصورات قيدت إراداتهم وشلت حرياتهم ودفعتهم إلى الاستسلام للطغاة والظروف

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم