صحيح ما قاله وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى يوم الجمعة الماضي إن سقف الحرية الإعلامية في بلاده الأعلى في المنطقة لسببين أولهما إن ثمة تراجعات كبرى في سقوف هذه الحريات في بلاد عربية باتت تشهد ما تجوز تسميتها ردة إعلامية عما بلغته في أجواء الربيع العربي قبل أزيد من عقد فالماثل حاليا أن الممارسة الإعلامية في الصحافات المتنوعة الرسمية وغيرها ومنها الإلكترونية في الأردن ومصر وتونس والجزائر والسودان وغيرها لم تعد تحرز الحيز الذي كانت عليه نسبيا من الحريات اللازمة للتعبير وللعمل المهني نفسه وربما يكون المغرب على ما يمكن تسجيلها من ملاحظات فيه البلد العربي الذي يحافظ فيه على منسوب أعلى من هذه الحريات السبب الآخر أن سورية لا تعرف في ظرفها الانتقالي الراهن سعة في تلفزات وصحف ومنصات إلكترونية لتتنوع أجناس المنافسة على تقديم الخدمات الإخبارية ووجهات النظر والتحليلات والتحقيقات والمأمول أو المتوقع على الأصح أن يستجد في سورية لاحقا مشهد كهذا بدخول رساميل وطنية وعربية إليها بهدف إنشاء بنيات ومؤسسات إعلامية متنوعة المشاغل لن تنجح إلا إذا تنافست على تقديم الأصدق والأكثر مهنية والحقيقي والثقافي والغني والمتعدد والحر والبديهي أن هذا كله يحتاج بيئات سياسية وقانونية ومؤسساتية واقتصادية تتصف بالشفافية والمرونة والحوكمة والرشد nbsp ثمة جبال من المشكلات الثقيلة حاليا على غير صعيد ومستوى لا تجعل الأداء الإعلامي الراهن في سورية في المستوى المشتهى مهنيا وتأثيرا بالنظر إلى حاجة ملحة لاستكمال شروط النهوض العام في البلد بعد عقود من وطأة القبضة الأمنية والدعائية ورهن المجال العام لسلطة الاستبداد والفساد وبالنظر إلى ضعف الموارد والميزانيات وحذر القطاع الخاص وتفاصيل أخرى غير أن التسليم بهذا كله وغيره لا ينفي أن هذا الأداء يتحرك في مساحة طيبة من الحرية أو التعدديةnbsp على الأصح في التداول في قضايا النقاش السياسي العام في البلد وبمنسوب أرفع مما يتوفر لزملاء المهنة في بلاد عربية مجاورة وغير مجاورة وإذا رأى واحدنا أجواء التشوش والحدة والاستقطاب والسخط والتتفيه والصراخ والتطاوس في ملاعب السوشيال ميديا جزءا من المشهد الإعلامي السوري الراهن فهذا رأي ناقص الوجاهة ذلك أن الجوهري في المسألة المطروحة هنا وهي مسألة الإعلام مهنة وممارسة وبنيات ومؤسسات وتشريعات لا يضم في تضاعيفه كلام فلان عن علان واستعراض هذا مهاراته في التشنيع على ذاك أبرز ما تحتاجه سورية أن يتعامل أهلوها وأنصار ثورتها ومحبوها مع واقعها الراهن بمقادير من الإيجابية بتفاؤل بتشجيع كل مبادرة حسنة بدفع كل خطوة متقدمة إلى الأمام أكثر وأكثر من دون التنازل عن الحاجة الواجبة إلى إعلاء قيمة النقد والمساءلة والمراقبة وعن الانحياز المطلق لحق كل سوري في أن يشهر رأيه في أي شأن بكل حرية تحت سقوف القانون هل من قانون الذي لا يجيز الحط من الناس والدعوات إلى العنصرية والتطاول على سيادة البلد وغير ذلكم من بديهيات وليس من التكرار الممل هنا التذكير بأن حالة الرضى العام بين السوريين على أداء السلطة واسع وأن التفاؤل بينهم عال على ما كشفت في أغسطس آب الماضي نتائج استطلاع المؤشر العربي وكذا التذكير بأن سورية كانت في يوليو تموز الماضي أكثر بلد عربي نشرت عنه أخبار زائفة وأن يقول الوزير حمزة المصطفى إن الإعلام الحكومي يستحوذ 35 من اهتمامات الجمهور ويتميز بدقته وموثوقيته في نقل المعلومة فهذا مما يحسن النقاش فيه بهدف تثمير الجيد والإيجابي والعمل على إزالة السلبي والمنقوص ونظنها مهمة مشتركة الارتفاع بالإعلام الحكومي بين مؤسسات الدولة ووزاراتها من جهة وتمثيلات المجتمع ونخبه من جهة أخرى لا بالنقد والانتقاد اللازمين فقط بل أيضا بالشعور بأن المسؤولية واحدة على العموم في لحظة سورية شديدة الحساسية ومثقلة بالصعوبات والضغوط ولا أحد مطلقا يمتلك الترياق الوحيد لكن السلطة هي التي تمسك مقود القيادة فتبقى مطالبة بأن يتسع مدى أنظار عيونها فترى الجميع من كل الزوايا والأبعاد ولا تكتفي برؤية نفسها في مراياها فقط