يطرح استرجاع الجزائر للأموال المنهوبة مما يصطلح على تسميته بـالعصابة من المسؤولين السابقين في الدولة الذين حوكم معظمهم أمام القضاء جملة من الأسئلة عن إمكانية إعادة ضخ هذه الكتل النقدية الكبيرة في الدورة الاقتصادية وطريقة التعامل معها خاصة أن العملية التي بدأت بعد الحراك الشعبي سنة 2019 ستستمر في الداخل وفي خارج البلاد بالتعاون مع دول أوروبية خاصة وبعدما كشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في تصريح له عن استعادة ما يعادل 30 مليار دولار من الأموال المهربة والمنهوبة يجد التساؤل المنطقي طريقا له حول السبل العملية لإعادة استعمالها في النشاط الاقتصادي وتمويل المشاريع المقررة من الدولة باعتباره النهج الذي اتبعته البلاد بشأن تأميم المصانع والشركات المصادرة عبر إعادة بعث نشاطها والحفاظ على مناصب العمل ووتيرة الإنتاج توظيف الأصول ضرورة ضمن هذا المنظور يرى الخبير في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن هادف أن استرجاع الأصول المالية والعقارية التي كانت مجمدة داخل البلاد وخارجها يمثل تحولا نوعيا في مسار الإصلاح الاقتصادي الذي تشهده الجزائر فالنجاح في استرجاع ما يقارب 30 مليار دولار من الأموال المنهوبة إلى جانب عقارات وأصول أخرى لا يعكس فعالية مؤسسات الدولة في مكافحة الفساد وتطهير بيئة الأعمال فقط بل يؤشر أيضا على نقطة انطلاق جديدة لتوظيف هذه الموارد في مسار تنموي منتج ومستدام من الناحية الاقتصادية تمثل هذه الكتلة النقدية الهائلة حسب ما يعتقده الخبير الاقتصادي الجزائري في تصريحه لـالعربي الجديد فرصة نادرة لإعادة تمويل الاقتصاد الوطني من الداخل دون اللجوء إلى الدين الخارجي كونها تشكل احتياطيا إضافيا يمكن أن يوجه لدعم الاستثمار العمومي المنتج خصوصا في القطاعات ذات الأثر المضاعف العالي مثل الصناعة التحويلية الزراعة العصرية الطاقات المتجددة والبنية التحتية وأضاف إعادة ضخ هذه الأموال في مشاريع إنتاجية ستسهم في تحريك الدورة الاقتصادية وخلق فرص عمل جديدة وتعزز الثقة في الاقتصاد الوطني بصفته مجال استثمار آمنا ومستقرا ومع هذا قال هادف إن القيمة المضافة الحقيقية لا تكمن في حجم الأموال المسترجعة فقط بل في الطريقة التي سيعاد توظيفها وبالتالي فإن توجيه هذه الموارد ضمن آلية شفافة ومهيكلة سواء عبر صندوق وطني خاص لتثمين الأصول المسترجعة أو من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص سيسهم في تحقيق أثر اقتصادي طويل الأمد وتابع بدل أن تبقى هذه الموارد في شكل سيولة مالية جامدة يمكن تحويلها إلى رأسمال استثماري منتج يدعم تنويع الاقتصاد ويغذي الصناديق الموجهة لتمويل المؤسسات الناشئة والمشاريع ذات البعد الابتكاري إعادة تأهيل الأصول المسترجعة إلى جانب ذلك أشار الخبير الاقتصادي إلى إمكانية استثمار جزء من هذه الأصول في إعادة تأهيل الأصول العقارية المسترجعة على غرار المصانع الفنادق العقارات الإدارية وتحويلها إلى مراكز إنتاج أو خدمات تساهم في خلق القيمة المضافة محليا هذه المقاربة تسمح ـ كما قال ـ بتحويل ما كان رمزا للفساد إلى رمز للتجديد الاقتصادي وتؤكد أن العدالة يمكن أن تكون أيضا رافعة للتنمية كما أن إعادة توظيف هذه الأموال في تمويل المشاريع الاستراتيجية الكبرى مثل استكمال مشاريع التعدين وتوسيع الطاقات المتجددة أو تعزيز الأمن الغذائي ستمنح دفعة قوية للاقتصاد الوطني في مرحلة يسعى فيها إلى التحرر من التبعية للمحروقات حسب هادف واستنتج الخبير الاقتصادي في محصلة حديثه أن استرجاع الأصول المنهوبة يمثل مكسبا مزدوجا فهو يرسخ الثقة في مؤسسات الدولة وعدالة النظام الاقتصادي ويتيح في الوقت ذاته موارد مالية حقيقية يمكن تحويلها إلى محركات للنمو والتشغيل غير أن الرهان الأكبر يبقى على الشفافية وحسن التسيير حتى تترجم هذه الموارد فعليا إلى مشاريع ملموسة تمس حياة المواطن وتسهم في بناء اقتصاد أكثر توازنا وعدالة واستدامة