تطويع القضاء التونسي إجراءات رئاسية لتفكيك منظومة العدالة

٥٨ مشاهدة
صادر الرئيس التونسي قيس سعيد استقلالية المرفق القضائي لتتوالى الانتهاكات بحق المواطنين وهو ما يتصل بسلسلة من الإجراءات أشاعت الرعب داخل منظومة العدالة في ليلة واحدة ضرب إعصار رئاسي القضاء الجالس في تونس حين أقدم الرئيس قيس سعيد على فصل 57 قاضيا في قرار واحد متجاوزا كل الضمانات القانونية والإجراءات التأديبية المنصوص عليها وكان القاضي هشام بن خالد أحد ضحايا القرار الصادم رقم 516 لسنة 2022 والصادر في الأول من يونيو حزيران 2022 ما يزال غضب بن خالد متأججا ليس فقط لما تعرض له ورفاقه من إقصاء تعسفي بل لما يمثله القرار من انتهاك صارخ لهيبة القضاء واستقلاليته والأكثر إيلاما أن هؤلاء القضاة لم يدانوا بأية جريمة فيما حرموا حتى من أبسط حقوق الدفاع عن أنفسهم أمام اتهامات لم يواجهوا بها أصلا لذا يقول بن خالد لـالعربي الجديد بصوت يرتجف غيظا أقصيت بقرار فوقي من قيس سعيد وبموجب مرسوم لا يطعن فيه إلا بعد الحصول على أحكام جزائية باتة بالبراءة وهذا في قضايا غير موجودة أصلا ثم تصاعد انفعاله بينما يضيف حين يقصى القاضي لأنه لم يطأطئ رأسه وحين تسخر المحاكم لتصفية الخصوم السياسيين فإن العدالة تتحول إلى قناع للبطش وحين تمزق السلطة مبدأ الفصل بين السلطات وتحول القضاء إلى وظيفة تصبح الدولة بلا روح والمواطن بلا أمان بالتالي يصبح الحديث عن العدالة ضربا من الخيال منذ ذلك يتزايد ضحايا منظومة البطش وقد بلغت الانتهاكات حد الحكم بالإعدام في أكتوبر تشرين الأول الماضي على مواطن بسبب منشورات سلمية على فيسبوك وإن كان المتهم قد حصل على عفو رئاسي بعد أيام لكن الحكم وحيثياته غير مسبوقين في تونس بحسب ما تقول منظمة هيومان رايتس ووتش ويدخل ذلك ضمن سياق كامل من إهدار مبادئ العدالة كافة ففي 19 إبريل نيسان الماضي أصدرت المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة أحكاما بالسجن تراوحت بين أربعة أعوام و66 عاما بحق 37 شخصا من بينهم شخصيات سياسية معارضة بارزة ومحامون ومدافعون عن حقوق الإنسان ويعلق موقع منظمة العفو الدولية على تلك الأحكام مشيرا إلى أنها على خلفية تهم لا أساس لها والمتهمون أدينوا لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية وقد شابت محاكمتهم انتهاكات إجرائية وجوهرية وتجاهل صارخ لحقوق الدفاع nbsp كيف سيطر الرئيس على القضاء مثلت قضية التآمر على أمن الدولة تتويجا لجملة من الإجراءات المتتالية التي قامت بها السلطات التونسية للسيطرة الكاملة على القضاء بعد حل البرلمان وإعلان الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو تموز 2021 كما يوضح رياض شعيبي أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية وأحد المتهمين في القضية قائلا لـالعربي الجديد وجدت نفسي متهما بالتآمر واستهداف رئيس الدولة من دون أن يكون هناك رابط فعلي بين أغلب المتهمين ودون تقديم النيابة العمومية دليلا واحدا على ادعاءاتها وركز الرئيس جميع الصلاحيات في يده وعمل على تفكيك سيادة القانون واستقلالية القضاء فتراجعت المكاسب الديمقراطية المتحققة خلال العقد الماضي كما يقول تقرير صادر عن اللجنة الدولية للحقوقيين في ديسمبر كانون الأول 2023 بعنوان الاعتداءات على القضاة وأعضاء النيابة العمومية في تونس إعفاءات وملاحقات جنائية تعسفية أقدم الرئيس قيس سعيد على فصل 57 قاضيا في قرار واحد ولتعزيز سيطرته أصدر سعيد في الثاني والعشرين من سبتمبر أيلول 2021 المرسوم الرئاسي رقم 117 لسنة 2021 القاضي بتعليق الجزء الأكبر من دستور عام 2014 وإطالة أمد تعليق عمل البرلمان وتخويل نفسه صلاحيات تنفيذية وتشريعية كاملة بما فــي ذلك الحكم بمرسوم فــي المسائل المتعلقة بسير عمـل السلطة القضائية بحسب المصدر السابق إضافة إلى تغيير الإطار الدستوري والقانوني الناظم يدعم الرئيس إحكامه للسيطرة على القضاء عبر قرارات ومراسيم ومواد قانونية منها ما جاء في دستور 2022 بأن القضاء وظيفة بدلا من سلطة مستقلة كما نص على ذلك دستور 2014 وبالإضافة إلى ذلك المرسوم الرئاسي الصادر في 12 فبراير شباط 2022 رقم 11 لسنة 2022 وقضى بحل المجلس الأعلى للقضاء الذي كان يتمتع بالاستقلالية المؤسساتية بحسب دستور 2014 وكان مسؤولا عن تعيين القضاة وترقيتهم وتأديبهم واستبدل المجلس المنتخب بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء على أن يعين أغلب أعضائه رئيس الدولة ليمنح المرسوم هذا الرئيس سلطة مباشرة في تشكيل المجلس المؤقت من خلال تعيين جزء كبير من أعضائه وسمح له بالتدخل في عمله وهو ما قوض بشكل كبير استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية بحسب رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي ولا يمكن فهم خلفيات حل المجلس الأعلى للقضاء ثم تنصيب مجلس معين بصلاحيات محدودة وإدارة القضاء بقرارات إدارية إلا بالسؤال عن فكرة الفصل بين السلطات وموقف الحكم منها يقول القاضي عفيف الجعايدي عضو جمعية القضاة التونسيين مضيفا لـالعربي الجديد نلاحظ أن النظام لا يخفي رفضه لاعتبار القضاء سلطة مستقلة وبالتالي استهدافه للقضاة المستقلين وللمؤسسات nbsp رعب القضاة في 14 أغسطس آب 2022 نشرت صفحة وزارة العدل على فيسبوك أن القضاة المشمولين بالإعفاء هم محل إجراءات تتبعات جزائية وحتى بعد توقيف المحكمة الإدارية قرار إعفاء 49 قاضيا في 23 يناير كانون الثاني 2023 لطعنهم على القرار في نهاية يونيو 2022 وطلبها من السلطة التنفيذية والمجلس الأعلى المؤقت للقضاء تقديم معلومات عن أسباب الإعفاء والأدلة الداعمة له لم يتمكن الطاعنون من العودة إلى مناصبهم وفق تقرير الاعتداءات على القضاة وأعضاء النيابة العمومية في تونس ومن بين الذين تقدموا بطعن للمحكمة الإدارية القاضي حمادي الرحماني الذي شمله قرار الإعفاء لتصدر المحكمة الإذن بتوقيف القرار وفق أوراق القضية التي حصلت عليها العربي الجديد لكن يظل الأمر دون جدوى وتهدد أحكام القضاء بعدما أهدرت استقلاليته ومن هنا يبدي رئيس جمعية القضاة حسرة على ما آل إليه حال المرفق بأكمله ويصفه بأنه بات يتيما دون مؤسسة تحميه ما سهل سيطرة السلطة التنفيذية عليه مضيفا أن وزارة العدل باتت تتولى دون أي نص قانوني التحكم في المسارات المهنية للقضاة بالنقل والتعيين في الوظائف القضائية المهمة والحساسة بواسطة مذكرات العمل الصادرة طول السنة القضائية وفق قاعدة الجزاء والعقاب ما أتاح تغيير المشهد القضائي برمته وإشاعة أجواء الخوف والرعب بين القضاة وتطويع القضاء لخدمة أجندات وأهداف السلطة السياسية nbsp فوضى وانهيار في المرفق القضائي يقضي القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي عقوبة السجن منذ اعتقاله في فبراير 2023 والحكم عليه بـ 13 عاما ضمن ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي التي ضمت أربعين شخصية سياسية وإعلامية تراوحت عقوبة سجنهم بين 13 و66 عاما ولا يختلف حاله عن المحامي أحمد صواب المعتقل في 21 إبريل 2025 بعد يومين فقط من مشاركته في مؤتمر صحافي وانتقاده غياب معايير المحاكمة العادلة الخاصة بـقضية التآمر بصفته محامي دفاع ثلاثة من المتهمين في القضية ليخفى قسريا مدة يومين قبل أن يصدر قرار احتجازه قيد الإيقاف التحفظي ويواجه تهم تكوين وفاق بقصد ارتكاب جرائم إرهابية ونشر أخبار كاذبة بحسب ما نشرته منظمة العفو الدولية في 30 أكتوبر 2025 التي وصفت هذه التهم بأنها لا أساس لها وتنطوي على أحكام شديدة بالسجن لمجرد ممارسة صواب حقه في حرية التعبير وأداء واجباته المهنية كمحام حقوقي وقالت المنظمة إن اعتقال صواب وملاحقته القضائية كانا انتقاما من انتقاده عدم اتباع الإجراءات القانونية الواجبة وعدم استقلال المحكمة فيما يخص قضية التآمر التي كان يمثل فيها ثلاثة متهمين علاوة على ما سبق يضيف الأكاديمي شعيبي الذي شطب اسمه من ملف القضية لوجود طعن في قرار دائرة الاتهام بالتعقيب قائلا إن السبب الحقيقي لهذه المتابعات هو إقصاء كل صوت معارض لانقلاب قيس سعيد والتنكيل به مضيفا بادرت مجموعة من الشخصيات السياسية بالمناداة لحوار يجمع التونسيين على ميثاق ديمقراطي اصطلح على تسميته عهد تونس وأمام جدية هذه المبادرة واستشراف قدرتها على أن تمثل سدا أمام تغول السلطة التنفيذية على ما سواها لم يجد رئيس الدولة حلا غير اختطاف بعض قيادات المبادرة من منازلهم وحشر مجموعة من الأسماء الأخرى لا صلة لهم بها وفتح تحقيق وملاحقة آخرين بقوا في حالة سراح أفرج عنهم على ذمة القضية أو فرض عليهم التهجير والنفي كل ذلك يأتي في إطار مشروع السلطة لغلق الفضاء العمومي وكبت كل الأصوات الحرة وإقصاء المعارضة نهائيا من الفعل السياسي في البلاد تناغما مع الإعصار الرئاسي وآثاره المتفاقمة على المرفق القضائي ضربت جهات التحقيق في القضية هذه بعرض الحائط الإجراءات القانونية المتعلقة بسير التحقيق إذ يخلص الشعيبي إلى وضوح نية جهات التحقيق اصطناع قضية وهمية مدللا على ذلك بأنه على مدى سنتين ونصف من الإيقاف لم يكلف المحقق نفسه سماع المتهمين أكثر من مرة واحدة أما من بقي في حالة إطلاق سراح مثله فقد تعرض للمتابعة والتفتيش من دون الوصول إلى دليل إدانة واحد nbsp السلطة هي المخلص يحذر القضاة من مآلات الوضع القانوني وكما يقول هشام بن خالد لقد انهار المرفق القضائي من الداخل لم تعد العدالة هي التي تزن أفعال الناس بل السلطة هي التي تزن القضاة أنفسهم في المحاكم القضاة يتجنبون الحديث حتى في القانون الكلمة نفسها أصبحت تهمة مضيفا لم تكن عبارة تطهير القضاء سوى غلاف لغوي لعملية ترويض ممنهجة لقد بدأت الحملة بتشويه سمعة القضاة عبر صفحات الموالاة ووسائل إعلام تقدمهم للرأي العام كعقبة أمام الإصلاح ثم تتالت اللقاءات المركزة والمتكررة بين قيس سعيد ووزيرة العدل ليلي جفال لتكرس خطابا مفاده أن القضاء فاسد والسلطة هي المخلص حل المجلس الأعلى للقضاء سهل للسلطة التنفيذية السيطرة على المرفق ويلخص بن خالد ما جرى بأن تطهير سعيد المزعوم للقضاء لم يكن محاربة للفساد بل كان تركيعا للكل وتدنيسا للعدالة كحق إنساني وتصفية للاستقلالية بدعم وسائل إعلام ومنصات رقمية موالية للرئيس nbsp بالتالي يقول القاضي الحمادي الذي يعد واحدا من ثمانية قضاة خضعوا لإجراءات تأديبية ما يجري خطره كبير جدا الثقة بالقضاء اهتزت بشكل كبير والادعاء باستقلاله وعدم التدخل فيه لا يجد من يصدقه

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم