روكي الغلابة كوميديا المرأة المقاتلة في زمن التكنولوجيا
٥٤ مشاهدة
لا يستطيع أحد في الوسط السينمائي المصري الآن أن ينكر ريادة المخرج أحمد الجندي في نوع الكوميديا من خلال أفلامه التي تتنوع في أساليب السرد ويغلف كل منها بطابع فانتازي تارة وواقعي تارة أخرى في فيلمه الأحدث روكي الغلابة يتتبع بسرده الغارق في الواقعية بطلة فنون قتالية مختلطة في رحلتها الشخصية نحو بداية مسار عملها الجديد في حراسة الشخصيات ذوات الحيثية ليزرع البسمة بين كل مشهد وآخر انطلاقا من العناصر المبدئية للفيلم التي يأتي على رأسها أن بطلة الفيلم امرأة بارعة في فن ذكوري بحت هو القتال والعنف كوميديا المفارقات اللغة والطبقات يتتبع الفيلم في بدايته نشأة روكي دنيا سمير غانم في ملجأ للأيتام ومشاجراتها المتكررة مع رفاقها الصبية وهزيمتهم في كل مرة ما يؤجج رغبتها منذ الصغر في القتال هذه الرغبة تدفع الكابتن منصور محمد رضوان إلى أن يعتني بها ويعلمها فنون القتال لتكف عن الغضب من زملائها في خط درامي مواز يظهر د ثابت بكر محمد ممدوح عالم البرمجيات القادم من الخارج بعد أن توصل إلى صنع برنامج إلكتروني فذ يعرضه للخطر والمطاردة من شخص متحكم في سوق التكنولوجيا عالميا ومحليا هو ديفيد أحمد الفيشاوي تنبع الكوميديا في الفيلم أولا من المقابلة بين مستوى تعليم كل من د ثابت وروكي ابنة المنطقة الشعبية في ضواحي القاهرة التي تدعي أنها تلقت تعلم الإنكليزية في المركز الثقافي البريطاني الذي تخطئ حتى في نطق اسمه منذ البداية تتوالى بعد ذلك الإفيهات اللغوية والمفارقات في مستوى نطق روكي وما تعلمه د ثابت من الإنكليزية ولا تكتفي روكي بثقتها المفرطة في ترديد جمل أجنبية مغلوطة بل تتفوق على واقعها العنيف وتصبغه بصبغة حكيم صيني فتردد مقتطفات مؤكدة أنها تحفظها من على فيسبوك لتبرر بها كل فعل وموقف تقدم عليه ثانيا تأتي الكوميديا من الطرح المعاكس لشخصية د ثابت الذي يمثل رجل علم عائدا إلى بلده لا يفقه أي شيء خارج تخصصه ولا يستطيع حتى الدفاع عن نفسه فهو دوما في حاجة إلى روكي لتدافع عنه أو ترشده إلى أقرب طريق يكفل سلامته من هنا يأتي الأداء التمثيلي لكل من محمد ممدوح ودنيا سمير غانم في محله لاختلافهما في كل شيء حتى ظاهريا أما أداء محمد ثروت في شخصية منير ابن عم د ثابت فجاء باهتا يشبه الكيتش في إنتاجات السبكي وصورته عن الواقع في سينماه وهو سلسال مختل من تسكين شخصيات نمطية لم تعد موجودة بطريقتها الكلاسيكية في الحكي والإفيه حيث تتجلى البلاهة المفرطة التي لا تخضع لمنطق الفيلم الكوميدي ذاته تبلغ السخرية أقصاها في مشهد اجتماع الأبطال على طاولة الغداء حين يبدأ الكابتن منصور في الشك بـ د ثابت معتقدا أنه جاسوس لأنه يمتلك قدرا عاليا من العلم والشهادات العلمية وهو ما لا يمكن بحسب رؤيته لإنسان مصري عادي في الظروف الطبيعية كأن الجهل والتسرب التعليمي قدر محتوم لا فرار منه أما الجانب الآخر من المبالغة المصرية فيتجلى صراحة في تكوين شخصية الدكتورة لوتس زميلة د ثابت التي قررت في مبالغتها أن تعزل نفسها عن الحياة داخل صومعة في الصحراء متخلصة من كل أشكال التكنولوجيا ومتشبثة بقناعات متطرفة عن حركة النجوم والأبراج والكائنات الخرافية ونظرية المؤامرة لتشبه بذلك كثيرين ممن يظنون الشر المطلق في الحداثة والتكنولوجيا العنف حيلة للبقاء تبدأ حبكة الفيلم في التعقيد والصعود مع بداية تعرف د ثابت على الجانب الإنساني من روكي رعايتها لمدربها واهتمامه بها كابنة يتيمة نشأت في ملجأ بل حتى ادخارها أموالها لتجري له عملية جراحية كل هذا التشابك في القصة يخلق حالة درامية عاطفية تتجه ناحية اليأس أكثر منها نحو الأمل لكنها تتفتح بوادرها عبر فك روكي لصراعها مع العالم باعترافها بشعورها الدائم بعدم الأمان الذي نشأت عليه منذ طفولتها والذي جعلها تمتهن العنف لتشعر بأكبر قدر ممكن من الأمان بل تشاركه مع آخرين لتنسى ماضيها في الملجأ يحسب للمخرج أحمد الجندي تناوله للتكنولوجيا في هذا الفيلم بشكل توعوي من خلال رصده لمخاطرها بأسلوب متماسك وشائق حتى بلوغ النهاية فالحديث عن برامج ذكاء اصطناعي تتحكم في الأجهزة وتوشك أن تتحكم في البشر ربما يعد أمرا صعب التناول في ظروف إنتاجية مصرية إلا أن الجندي أجاد الحكي والتفسير في الثلث الأخير من الفيلم بشكل يكاد يقترب من جودة بعض الأفلام الأجنبية عالية التكلفة ومثلما طوع الأفكار الفانتازية في فيلمه السابق فاصل من اللحظات السعيدة ابتكر الجندي صيغا مختلفة للوصول إلى قدر من الإتقان في تكوين الهياكل الدرامية المناسبة للسياق التكنولوجي الحديث الذي يتناوله الفيلم الذي يشبه مخرجه لا يعد بأي شيء أكثر من حكاية مصرية من قلب الواقع وكوميديا طازجة تتخللها بعض الأفكار الجذابة حول الحياة الحديثة وسبل التعايش في ظل شمولية جديدة قد تضر بسلاسة العيش البسيط والطبيعي بين الناس وعلى غرار باقي أعماله يطرح الجندي الحب والعاطفة نهاية وخاتمة لمعاضل العالم والتكنولوجيا الكبيرة التي تكاد تفتك بأبطاله معتمدا على الضحك والسخرية وسيلة للوصول إلى نتائجه البسيطة والمطلوبة لمثل واقعنا المعاش