الهاشميون والأردن

٥٩ مشاهدة
آخر خطاب وجهه ملك الأردن عبد الله الثاني إلى الشعب الأردني كان يوم الأحد الموافق 26 أكتوبر تشرين الأول أو قبل أقل من أسبوع من صدور هذا المقال في صحيفة العربي الجديد وقد استغرق إلقاء الخطاب حوالي إحدى عشرة دقيقة ولولا العدد الوفير من التصفيق والوقوف وتأني العاهل الأردني في قراءته لما احتاج الخطاب لأكثر من سبع دقائق وفي العادة فإن خطابات الملك سواء كانت بالعربية أو بالإنكليزية تكون خفيفة الظل مشتملة على معان وموضوعات سامية ولكنها تبقى قصيرة أو متقيدة بالمدد الزمنية المسموح بها خطاب العرش الذي ألقاه في قاعة مجلس الأمة الأردني مفتتحا الدورة الثانية من مجلس الأمة العشرين حافظ على النسق الملكي المعهود nbsp وقد ركز الخطاب في محتواه على عدد من النقاط الأساسية التي رأى الملك أن من الضروري تظليلها حتى تظهر للعيان بشكل واضح وأولها أنه أثنى على صمود الشعب الأردني أمام الأزمات المتلاحقة التي واجهها منذ العام 2008 حين وقعت أزمة الأوراق المالية العقارية الرهونات وتحولها تدريجيا إلى أزمة اقتصادية ألقت بيديها الثقيلتين على عنق الاقتصاد الدولي وكادت تخنقه ولولا تدخل الرئاسة الأميركية في بداية عهد الرئيس باراك أوباما وضخها أكثر من 800 مليار دولار خاصة في المؤسسات المالية الكبرى في شارع وول ستريت لأنهارت بنوك كبرى مثل سيتي غروب وغولدمان ساكس وبنك أوف أميركا وغيرها وقد اعتبر هذا حينها إنقاذا للشركات المسؤولة عن الأزمة أصلا وسمحوا لشركة مالية واحدة بالوقوع وهي ليمان بروذرز أو الإخوة ليمان ولكن أثر ذلك التحسن لم يؤثر إلا بقدر قليل على الاقتصاديات النامية مثل دولة كالأردن وما كاد الأردن يستفيق من تلك الصعقة حتى بدأ الربيع العربي ومع أنه بدأ في دول مثل تونس وانتقل إلى ليبيا واليمن ومن بعدها اشتعلت الأمور في جنوب سورية وفي مصر والمغرب وقد جرت محاولات لتحريكها في الأردن إلا أن الشرطة وجنود الأمن العام في الأردن تعاملوا بمنتهى الذوق مع المتظاهرين فكانوا يراقبونهم عن قرب ولكن دون الاحتكاك بهم ويقدمون لهم المياه والعصائر ويفتحون لهم الطرقات ليسيروا على راحتهم وقارن الشعب الأردني بين الأسلوب الذي تعاملت به الشرطة والأمن في بلدهم والتعامل الذي كان يجري مع المحتجين في الدول العربية الأخرى وقد أدى ذلك إلى هروب الرئيس التونسي آنذاك وزوجته وتنحي الرئيس المصري ومن ثم الرئيس اليمني وتغيير الحكومة إلى حكومة إسلامية النزعة في المملكة المغربية والهدوء في الأردن واشتعال الجبهة الداخلية السوريه وقتل الآلاف وتشريد الملايين داخل سورية وخارجها وكذلك تمكنت إيران من استثمار الفرصة لكي تعزز وجودها في أربع دول عربية هي العراق وسورية ولبنان واليمن رغم أن الحوثيين الزيدييين لم يريدوا ذلك وأنا زرت اليمن مرات عدة ولم أكن أعرف أن بعض الأصدقاء كانوا زيديين أو لم أعرف إن كانوا من أهل الجماعة ولكن مع تطور الأحداث زرت جمهورية إيران الإسلامية مرتين لأحضرالمؤتمر السنوي وسمعت من بعض كبار شيوخهم من يفتخر بأن إيران قد احتلت أربع عواصم عربية بوجود ممثلين عن تلك الدول في ذلك المؤتمر nbsp وبسبب هذه الأحداث تعرض الأردن لخسائر اقتصادية فادحة وضغوط اجتماعية وسكانية على موارده الأساسية المحدودة مثل الماء والنفط وزادت كلف التخلص من القمامة وتشغيل وسائل الصرف الصحي والأهم هو أن الأردن فقد تجارته مع سورية وشحنات الترانزيت القادم من أوروبا عبر سورية ثم الأردن في الطريق إلى دول مجلس التعاون وفقد صادراته إلى لبنان والسياحة الصحية من اليمن والجزائر والسودان والسياحة التعليمية والثقافية والترفيهية وكذلك تعطلت صادرات الأردن وبخاصة من الخضار والفواكه وارتفعت كلفة الشحن من ميناء العقبة وإليه داخل الأردن وخارجه وقدرت الخسائر بما لا يقل عن 1 5 مليار وملياري دولار في السنة أو ما يساوي آنذاك حوالي 10 من الناتج المحلي الإجمالي nbsp ولكن الأمر الأدهى تمثل في زيادة أعداد اللاجئين وطالبي العمل في السوق الأردنية ولم يقم الأردن بإغلاق المعابر إليه في وجه طالبي الملاذ الآمن فيه ويقدر عدد سكان الأردن في الوقت الحاضر بحوالي 11 8 مليون نسمة وهو رقم قدر للأردن أن يصله بعد 20 سنة من الآن ولذلك ضاعت على الأردن فرصة توسيع طاقته الاستيعابية السكانية بمقدار 20 إلى 25 سنة وهو عبء كبير على كاهل دولة كانت مهددة بنقص المياه ونقص المال ونقص البنى التحتية والبنى الاجتماعية كالمدارس والمستشفيات والطرق والسكن حتى قبل انفجارالربيع العربي وقد استمر الأردن حتى عام 2019 في تحقيق معدلات نمو سالبة في معدل دخل الفرد ولكن الاقتصاد الكلي كان ينمو كل عام بمقدار يقارب 2 ولكن معدل الزيادة في السكان كان يصل في بعض nbsp السنوات إلى 5 ما يجعل معدل دخل الفرد يتراجع بنسبة سالب 3 nbsp وعانى الأردن بعد ذلك من ارتفاع الأسعار والكلف بسبب اللاجئين وبسبب انتشار وباء الكوفيد 19 وقد آثر الأردن حينها أن يصر على منح الأولوية لمعالجة الوباء وآثاره على المواطنين بدلا من التركيز على استمرار الحياة الاقتصادية ورغم أن الوباء أوقف وتيرة عمل الشركات والمؤسسات العامة والمدارس والمستشفيات والقطاعات التجارية والخدمية إلا أن قابلية الأردنيين لتبني وسائل التكنولوجيا الحديثة مكنتهم من الحفاظ على التعليم في المدارس والجامعات وفي المستشفيات وفي عمليات الشراء والبيع عن طريق التسليم Delivery ما قلل حجم المؤثرات السالبة على الحركة الاقتصادية ومع هذا فقد ارتفعت كلف مستوردات الأردن من الحبوب واللحوم وغيرها وقد تعمقت هذه الأزمة أكثر لأن مقاطعة روسيا من قبل دول كثيرة وإضعاف قوة أوكرانيا صاحبة الإنتاج الكبير من القمح على الإنتاج والتصدير تسببا في رفع الأسعار وعانى الأردن أكثر nbsp وأخيرا منذ اندلاع الحرب في غزة وما نتج عنها من حرب مدمرة واعتداء إسرائيلي سافر ومن زيادة يقظة القوات العسكرية والأمنية واستعدادها لحماية حدود الأردن من المسيرات ومن المدفعية والصواريخ وتهريب المخدرات زادت الأعباء الدفاعية في ظل التهديدات الإسرائيلية وتقدم الأردن لمساعدة الأهل في الضفة والقدس ضد الهجمات الهمجية عليهم من قبل القوات الإسرائيلية وتوج الأمر بتولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة وما تسبب فيه خلال الأشهر العشرة الأخيرة من الحروب التجارية والسياسية والتكنولوجية ومن غموض أدت كلها إلى إرباك كثير من الدول المرتبطة مع الغرب مثل الأردن nbsp هذا غيض من فيض ما واجهه الأردن والذي أظهر صفات لدى الشعب أعجبت الملك وركز على أن صمود الأردن قد نبع من مصدرين أساسيين الأول هو نشامى الجيش الأردني الذين يقفون على الحدود مستعدين للتضحية حبا بالوطن وأهله وقيادته ومؤسساته والثاني هو الوحدة بين أبناء الشعب الأردني والتماسك عند الشدائد وقد أبدى الملك عبد الله الثاني إعجابه بذلك وذكر بأنه قلق من التحولات والتقلبات في المنطقة ولكنه لن يستسلم ولن يضعف لأنه لا يخاف أحدا إلا الله سبحانه وتعالى وفي إشارته إلى الشباب قال الملك إن الحسين ابني وابنكم جاهز للعمل والتضحية أمامكم وهو بذلك يريد التأكيد على تعريف نفسه بأنه وإن كانت عيناه زرقاوان وأنه يتكلم اللغة الإنكليزية بطلاقة إلا أنه أردني حتى النخاع وأن قوة شكيمته وعزمه لا تلغي حقيقة أنه بشر وله قلب مثل قلوب الناس ويكاد يذكرنا بما ورد في النص القرآني على لسان رسول الله محمد بن عبد الله إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي وأعتقد أنه سجل بهذا الأسلوب موقفا راسخا لدى الشعب الأردني nbsp وفي الحديث السياسي ركز على الاستمرار في دعم أهل غزة وعلى المسؤولية الأردنية في الوصاية الهاشمية ولم يذكر لا بالمدح ولا بالرفض إسرائيل أو قادتها الحاليين ولا تعرض كذلك للسلطة الفلسطينية ولكن المقابلة التي بثتها محطة BBC الأميركية مع الملك في برنامج بانوراما أكد أنه لن يرسل قوات إلى غزة وأنه لا يؤمن بأن قوات دولية ستنجح في الدور الأمني هناك nbsp خطاب الملك على قلة كلماته كان عميقا وشاملا ومختصرا فهو خطاب وليس مقالة وخير الكلام ما قل ودل وقد سبقه والده الراحل الملك الحسين بن طلال الذي مجده الملك في خطابه وكان عاطفيا عند ذكره له وقال إن الحسين ترك لنا إرثا من السياسة والإنجاز ما مكن الأردن من الاستقرار والتفوق على الصعاب وتحقيق الاستقرار والنمو المطرد في بلد غني بالطاقة والثروة البشرية nbsp ونظرته إلى المستقبل القريب متفائلة ولكنه نبه الأردنيين إلى ضرورة العمل وبذل أقصى الجهد المستطاع لأن رفاهية الوقت ليست متاحة وأمامنا فرص قادمة يجب أن نستثمرها والتحدي الأساسي في الأردن أمام الملك الهاشمي هو التمكين الاقتصادي وتخفيف البطالة خاصة بين الشباب وحل أزمة النقل وإعادة الألق إلى التعليم والصحة وهذه هي الأولوية الأولى وهو على ثقة أن الأردنيين لن يقصروا في هذا المضمار nbsp الراحل الحسين كان خطيبا ويحب اللغة الجميلة وكذلك الراحل الملك طلال واضع الدستور والملك عبد الله الأول والمؤسس كان شاعرا وكاتبا وخطيبا والملك عبد الله الثاني صاحب ذلك الإرث

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم