يكشف تقرير حديث لبنك الجزائر البنك المركزي جرى إعداده بدعم فني من صندوق النقد الدولي عن مكامن الضعف والخلل في النظام المالي والمصرفي للبلاد التي يمكن أن تكون منفذا لغسل الأموال وتمويل الإرهاب في ظل اقتصاد مواز يمثل 30 إلى 35 من الناتج الإجمالي الخام للبلد العربي وجاء في تقرير لبنك الجزائر حمل عنوان ملخص تقرير التقييم القطاعي لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في القطاع المصرفي وبريد الجزائر حصلت العربي الجديد على نسخة منه أن الأموال المتأتية من عدة نشاطات غير قانونية تنتهي بغسلها في عدة قطاعات وخصوصا العقارات ووفقا للوثيقة ذاتها فإن مستوى المخاطر الإجمالية في النظام المالي الجزائري لا يزال متوسطا إلى مرتفع رغم الإصلاحات القانونية والمؤسسية التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة على غرار القانون المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والقانون النقدي والمصرفي الجديد لسنة 2023 أهداف التقرير في هذا السياق يعتقد الخبير المالي والاقتصادي نبيل جمعة أن تقرير بنك الجزائر حول واقع مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في النظام المالي والمصرفي الوطني يندرج ضمن مسار متكامل بدأ منذ توقيع الجزائر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2004 وصادقت عليها سنة 2006 بـقانون الوقاية من الفساد ومكافحته وأوضح جمعة في حديث لـ العربي الجديد أن ما صدر عن بنك الجزائر يهدف إلى التوافق مع المعايير الدولية على غرار مجموعة العمل المالي المعروف اختصارا بـ GAFI ويسعى أيضا لسد الثغرات ومكامن الخلل بما يسمح بالانتقال بالنظام البنكي والمالي الجزائري إلى المعايير العالمية الذي يعتبر شرطا أساسيا لأي انفتاح مالي دولي أو شراكة مع مؤسسات مالية كبرى وأضاف كما هو معلوم فقد أدرج الاتحاد الأوروبي شهر يونيو حزيران الماضي الجزائر ضمن قائمة الدول عالية المخاطر المالية في غسل الأموال وتمويل الإرهاب في شهر يونيو حزيران الماضي ويعني هذا التصنيف أن العمليات المالية المتعلقة بكيانات جزائرية صارت تخضع لمراقبة مشددة وإجراءات رقابية مضاعفة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي وشدد المتحدث على أن ما ورد في التقرير هو محاولة من الجزائر لمواءمة تشريعاتها البنكية والمالية مع الالتزامات الدولية خصوصا أن البلاد باشرت مساعي استرجاع أصول مهربة إلى الخارج في إشارة للأموال المنهوبة في عهد الرئيس الأسبق الراحل عبد العزيز بوتفليقة وعلق بالقول التقرير ليس فنيا فقط بل سياسي واستراتيجي يهدف إلى استعادة الثقة في الجهاز البنكي الوطني وتقديم الجزائر شريكا موثوقا في التعاملات المالية على الصعيد الدولي ويحاول التقرير وفق جمعة الانتقال من مقاربة شكلية إلى نهج رقابي استباقي مبني على المخاطر بمعنى أنه لم يعد الهدف اكتشاف عمليات مشبوهة بعد وقوعها بل منع حدوثها عبر آليات وإجراءات منها الرقابة القبلية وحتى استخدام الذكاء الاصطناعي في تتبع مسارات حركة الأموال والرقمنة وغيرها وخلص إلى إن الجزائر تسعى من خلال ذلك إلى تعزيز الشفافية البنكية وفرض تتبع مصدر الأموال والودائع في التحويلات وإلزام البنوك التجارية بالإبلاغ عن النشاطات المالية غير المبررة اقتصاديا غسل الأموال والسوق الموازي حسب تقرير بنك الجزائر وخبراء النقد الدولي فإن التحدي الأبرز الذي يواجه السلطات يتمثل في كبح جماح السوق الموازية التي تعد مصدرا لتبييض الأموال وإمكانية تمويل الإرهاب ووفق البيانات الواردة في الوثيقة فإن السوق الموازي ما زال يمثل ما بين 30 إلى 35 من الناتج المحلي الإجمالي ما يجعل تتبع مسارات حركة الأموال مهمة صعبة بالنظر للكتلة المالية المتداولة خارج القنوات الرسمية أي في النظام المصرفي ما يخلق بيئة خصبة لعمليات غسل الأموال ويؤكد بنك الجزائر وخبراء صندوق النقد الدولي في هذا التقرير أن النظام المالي والمصرفي في الجزائر لا يزال يعتمد بشكل واسع على التعاملات المالية النقدية أي الدفع كاش سواء في البنوك أو مكاتب مؤسسة بريد الجزائر ورغم الانتشار التدريجي لوسائل الدفع الإلكتروني خلال السنوات الأخيرة إلا أن التقرير يشير إلى استمرار هيمنة ثقافة الدفع نقدا كاش لدى الشركات والأفراد على حد سواء ما يحد من عمليات الرقابة المالية بريد الجزائر الأعلى خطرا في التقرير ورد تصنيف لمؤسسة بريد الجزائر التي تجري معاملات مالية مختلفة على غرار دفع أجور ملايين الموظفين في القطاعات الحكومية والخاصة وأيضا تحويلات مالية وتنتشر عبر كافة بلدات البلاد البالغ عددها 1541 بلدية على رأس الهيئات المالية الأكثر عرضة لمخاطر غسل الأموال وأرجع بنك الجزائر هذا التصنيف إلى العدد الكبير لعملاء مؤسسة بريد الجزائر تحصي أكثر من 26 مليون حساب جار و16 مليون بطاقة دفع وانتشارها الكبير في عموم البلاد فضلا عن اعتمادها شبه الكلي على التعاملات النقدية الكاش وضعف الأنظمة التقنية الفنية للرقابة الآنية للمعاملات المالية كما نبه بنك الجزائر من أن إجراءات المراقبة الداخلية وآليات الكشف التلقائي عن المعاملات المشبوهة لا تزال غير مكتملة بـبريد الجزائر رغم الخطوات المتقدمة التي اتخذت في مجالات مثل تطبيق نظام اعرف عميلك التي تتيح طلب معلومات إضافية عن الزبائن أصحاب الحسابات النشطة بمبالغ كبيرة وإطلاق منصة التصريح الإلكتروني بالشبهات خطر متوسط بالقطاع البنكي أما القطاع البنكي فقد وصف بأنه يواجه أخطارا متوسطة نتيجة تعدد القنوات الرقمية وتنوع المنتجات المالية وازدياد المعاملات العابرة للحدود خاصة في ظل انتشار الاقتصاد غير الرسمي الذي يقدر بنحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي وحذر التقرير من أن الاستخدام الواسع للأموال النقدية يضعف جهود تتبع رؤوس الأموال داخل النظام المالي مشددا على أن بعض المؤسسات المصرفية الكبرى لا تزال تواجه تحديات في تحديث أنظمتها المعلوماتية وتطوير قدرات وحدات الامتثال لديها في المقابل صنفت الوثيقة مؤسسات الإيجار المالي على أنها تمثل الحلقة الأقل عرضة لمخاطر غسل الأموال وتتجاوز الوثيقة الجانب المؤسسي لتكشف عن أبرز مسارات الغسل التي تسمح بتحويل الأموال غير المشروعة إلى أصول قانونية في مقدمتها القطاع العقاري الذي يعد الوجه الأبرز لتبييض الأموال حيث تستغل عمليات شراء الأراضي والمباني والمشاريع العقارية لإخفاء مصادر الأموال غير القانونية وتشير الوثيقة إلى أن كثيرا من هذه الصفقات تنفذ عبر وسطاء أو شركات واجهة لتفادي الرقابة ما يجعل هذا القطاع في صدارة بؤر الخطر كما يعد التهرب الضريبي والتلاعب بالتصريحات الجمركية بحسب التقرير من أهم مصادر السيولة غير المشروعة في الجزائر إذ تمثل هذه الجرائم بحسب الوثيقة ما يعادل 35 من إجمالي المبالغ المالية المصادرة ما بين 2019 و2023 الفساد والمخدرات في تقييمه للجرائم التي تترتب عنها أموال غير مشروعة صنف تقرير بنك الجزائر وخبراء النقد الدولي الفساد والتهرب الضريبي والاتجار بالمخدرات ضمن مستوى التهديد الأعلى من حيث هي مصدر لغسل الأموال تليها المخالفات الجمركية وتهريب السلع والاتجار بالمهاجرين بوصفها جرائم ذات خطر متوسط في حين جاء الاحتيال وتزوير العملة ضمن فئة التهديد المنخفض وفي ما يتعلق بتمويل الإرهاب ورد في التقرير أن التهديد الإرهابي في الجزائر يبقى ضعيفا مقارنة بالسنوات الماضية بفضل التراجع الكبير في نشاطات الجماعات الإرهابية المسلحة داخل البلاد