مولد السيد البدوي وهذا الجدل المصري

٥٩ مشاهدة
قبة سيدنا الولي دوول نوروها ما أحلى البيارق والناس بيزوروها قبة سيدنا الولي في الجو عالية ما أحلى البيارق لما نوروها سيد مكاوي لا تزال موالد الأولياء حاضرة في المجتمع المصري المعاصر بل مثيرة للجدل وإن تمتد بجذورها إلى التاريخ الاجتماعي القديم والحديث على السواء ففي كل عام من شهر أكتوبر تشرين الثاني تلتئم حشود مليونية لإحياء مولد السيد البدوي ويعتقد الملايين من مريدي السيد وزواره أنه رغم وفاته منذ 750 عاما ما زال حاضرا بروحه وكراماته بل ينادونه ويتوسلون إليه وقد روى موظف البوسطة المصرية محمد عمر في كتابه الفريد حاضر المصريين أو سر تأخرهم صدر عام 1902 مشهدا دالا على عمق هذه المعتقدات الشعبية بقوله ويزعمون أن السيد أحمد البدوي استنكف أخذ العهد من الشيخ الرفاعي وصعد إلى السماء مؤملا أخذ العهد من الرسول صلى الله عليه وسلم فسبقه الرفاعي ومد يده إليه فتناولها البدوي وأخذ العهد منها ثم قابله الرفاعي عند نزوله وسأله ممن أخذ العهد فقال له من الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له أتعرف اليد التي قبضت عليها قال نعم فمد يده إليه قائلا أمثل هذه اليد فلما تأملها البدوي كظم غيظه ويثق مريدو السيد بتلك الحكايات التي تبدو أساطير غير معقولة بل يروون المزيد منها الأمر الذي يثير الصراع مع التيار السلفي الصراع بين الجماعات الصوفية والجماعات الأصولية ظاهرة قديمة ومتأصلة ولعل من الدقة القول إن الصراع بين الجماعات الصوفية والجماعات الأصولية ظاهرة قديمة ومتأصلة حتى قبل ظهور الفكر الوهابي أواسط القرن الثامن عشر ويروي الجبرتي في عجائب الآثار طرفا من ذلك الصراع في أحداث عام 1711 ميلادية عندما يتحدث عن واعظ رومي قدم إلى مصر ووجد استحسانا في جامع المؤيد ثم ما لبث أن ذكر ما يفعله أهل مصر بضرائح الأولياء وإيقاد الشموع والقناديل عليها وشنع على ذلك وعلى من يقول بالاطلاع على اللوح المحفوظ وذكر أنه لا يجوز بناء القباب على ضرائح الأولياء والتكايا ويجب هدم ذلك فلما وصل الخبر إلى شيوخ الأزهر أصدر الشيخ شهاب الدين النفراوي 1634 1714م فقيه المالكية بالأزهر فتوى أن كرامات الأولياء لا تنقطع بالموت وأن إنكاره اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ لا يجوز ويجب على الحاكم زجره عن ذلك وكادت أن تكون فتنة عظيمة إلا أن الباشا العثماني أمر بنفي الواعظ والقبض على أتباعه وفي هذا أنشد الشيخ حسن الحجازي أحد علماء الأزهر والواعظ فر وقيل قتل وعليه الخزى قد استربض ولم يتوقف الصراع بين الجانبين بل يتجدد كل عام وكل مولد مع التئام مئات الآلاف أو حتى الملايين وبالعودة إلى التاريخ الاجتماعي سنجد مصادر تذكر أنه في عام 1950 ارتفعت أرقام زوار البدوي إلى أرقام قياسية قاربت الثلاثة الملايين أي إن أكثر من 14 من سكان مصر قد تجمعوا في المولد وقد دأبت الدولة على احترام المولد وتوفير سبل الأمان والشرعية علاوة على زيارة كبار رجال الدولة ورموز الأزهر ورجال الدين وهو تقليد مستمر ولم ينقطع الحركة الصوفية ليست راديكالية ولا ذات مقاصد سياسية أو أيديولوجية وحتى نفهم ظاهرة المولد والاحتفاء الشديد بها ينبغي فهم مقاصد الفاعلين الذين ورثوا عادة الزيارة والتبرك بالولي منذ مئات السنين حيث حاجتهم إلى من يشتركون معهم في قيمهم ورؤاهم الأمر الذي يخفف عنهم وطأة أزماتهم الشخصية والاجتماعية حيث تتبلور لديهم هوية جمعية تبنيها الحركة الصوفية نظرا إلى سهولة الممارسات وجاذبيتها وانفتاحها لمشاركة أي شخص بدون فرز أو تمييز فالجميع يتشاركون المكان والاحتفال ما يجعل تلك التجربة وسيلة لتعزيز التسامي فوق مشكلاتهم وآلامهم ويشكل زوار الموالد السواد الأعظم من جمهور السياحة الداخلية في مصر إذ يطوفون مصر من أقصاها إلى أقصاها في رحلات ذات طابع جمعي يبحث الفرد عن الآخرين الذين يشملونه بالرعاية والمشاركة خصوصا أن الحركة الصوفية لا تدخل في صراعات سياسية أو أيديولوجية بل تمنح جمهورها نوعا من العزلة الآمنة عن العالم وتحدياته أو كما أطلق عليه عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم الانفعال الجمعي عندما يشترك الناس في لحظة وجدانية مشتركة تذيب الحدود بينهم وتشيع إحساسا بالوحدة والتفاهم ولأن الحركة الصوفية ليست راديكالية ولا ذات مقاصد سياسية أو أيديولوجية فهي تجد سهولة في العمل والاستمرار ورغم الانتقادات الدينية والثقافية التي لم تنقطع منذ مطلع القرن العشرين والتي تتهم منظمي المولد ورواده تارة بالانحراف عن صحيح الدين وتارة بالتخلف والجهل فإن المولد يمثل فضاء اجتماعيا مفتوحا لدعم ملايين من بسطاء المصريين في رؤيتهم إلى العالم والحياة فهو ليس ميدانا لتغيير الواقع الاجتماعي بل آلة رمزية تمكن الناس من تجاوز آلامهم ومنحهم الأمل في إمكانية التعايش مع أزماتهم حتى ولو على سبيل التحكم الرمزي فيها عبر المشاركة الجمعية في طقوس التصوف

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 أحداث العالم